تعقيباً على وثائقي لعالم اللسانيات والفيلسوف نعوم تشومسكي، يقدم فيه نظرة تحليلية للبنيوية النيوليبرالية وازدواجية معاييرها. كتبت فيروز فرقد عزالدين:
تناول وثائقي الفيلسوف نعوم تشومسكي المبادئ العشر لتكديس الثروة والسلطة بأيدي ما يقدر بأقل من ١٪ من السكان حول العالم. وقد وضح أن تكديس الثروة يؤدي إلى احتكار السلطة، مما يؤدي بدوره إلى سيادة القرار السياسي وبالتالي سن تشريعات (مثل زيادة الضرائب) تُعزز السلطة. والسلطة المُعززة القوية بدورها تؤدي إلى زيادة الثروة مرةً أخرى!
هذه الحلقة المُفرغة التي يدور بها كل من المال والسلطة والتي يصفها الاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث في مؤلف ثروة الأمم »يصبحون سادة البشرية بثروتهم وسلطتهم متبعين مبدأ كل شيء لأنفسنا ولا شيء للآخرين«! “All for ourselves, and nothing for other people!”
المبدأ الاول: وهم الديمقراطية
إنْ لم تمثل الديمقراطية كلاً من حقوق الأقليات، تحرير المرأة، حماية البيئة، مناهضة العدوان والعنف، قيم الحرية والعدالة الاجتماعية والتضامن فلا داعٍ لها، وبقاؤها شكلي مفروغ من أي مضمون إنساني.
المبدأ الثاني: البروباغندا
أزمة الديمقراطية غير الحقيقية والتي تخص الأغلبية الحاكمة المالكة للسلطة من خلال رؤوس الأموال، والمتحكمة بالقرارات السياسية والتشريعية، والمتمثلة بالخطاب النيوليبرالي الداعم للحرية الاقتصادية والسوق الحر.
المبدأ الثالث: أمولة الاقتصاد
يملك سادة البشرية حوالي ٤٠٪ من أرباح الشركات. لو ألقينا نظرة تحليلية حول اقتصاد السوق الأمريكي الذي تحول منذ السبعينيات حتى أواخر عام ٢٠١١، من اقتصاد إنتاجي إلى اقتصاد ربحي استغلالي، يُعتمد فيه نظام الألاعيب الاقتصادية من قبل رجال الأعمال، أو كما يسميه الفيلسوف نعوم تشومسكي»أمولة الاقتصاد«!
هذا النظام يضع جميع العمال في موضع تنافس لا تضامن. النظام الاستغلالي الربحي بدأ بإنكلترا ولم ينتهي بأمريكا، بل أمسى نظاماً عالمياً يتنافس فيه العامل في أمريكا مع الآخر في الصين على حدٍ سواء! هنا نعود لآدم سميث الذي يدعو إلى الحرية الاقتصادية مدعياً أنها أساس أي نظام اقتصادي حُر.
ولكن في الحقيقة الأثرياء هم فقط من يتمتعون بالحرية والحصانة والحماية، بينما يعيش العمال صراع التنافس والقلق. وعدم استقرار العمال هذا يجعلهم خاضعين للسيطرة والخوف الدائم من المطالبة بأجور أعلى أو إجازات أو تقليل ساعات العمل أو ظروف عمل لائقة، أو تشكيل نقابات للمطالبة بأي حقوق إنسانية اخرى.
المبدأ الرابع: فصل الحريات الاجتماعية عن الحريات الاقتصادية
أن يكون لأمريكي أسود القدرة على امتلاك منزل وسيارة فارهة وتعليم عالي لأبنائه، لا يعني إطلاقاً أن هناك مساواة بين الأفراد وغياب للعنصرية. هكذا يغيب الوعي للخطاب النيوليبرالي في حركاته التحررية، خذ مثلاً المدرسة الليبرالية التحررية النسوية وما فيها من مغالطات بشأن قضايا تحرير المرأة والجندر.
المبدأ الخامس: شيطنة التضامن
التضامن خطير بنظر السادة، فمن المفترض بك أن تهتم بشؤونك لا شؤون الآخرين! هذه الصفة الإنسانية من التعاطف تُرعبهم. خذ مثلاً رفضهم الشديد للتأمين الاجتماعي وسعيهم الدائم للخصخصة المتمثل برفضهم للتعليم المجاني والضمانات الصحية.
المبدأ السادس: إدارة جماعات الضغط
السعي الحثيث نحو إدارة الجهات التنظيمية في محاولة السيطرة على التشريع من قبل عالم المال والأعمال. بجانب أكذوبة الليبرالية الجديدة وازدواجية معايريها. شركات الائتمان التي يتوقعون تسديدها للأموال في الانهيارات أو الأزمات المُقبلة مثل البنوك الكبرى، يمكنها اقتراض أموال بكلفة أرخص وهكذا يتم إزاحة المنافسين الأصغر بالتالي يزداد تركيز الثروة. كل السياسات مصممة على هذا النحو حيث قرارات السلطة والنفوذ متركزة بيد أصحاب الثروة.
المبدأ السابع: هندسة الانتخابات
المؤسسات حيلٌ قانونية من صنع الدولة! في السبعينيات قررت المحاكم أن الأموال شكل من أشكال التعبير، وهذا يعني أن باستطاعة المؤسسات أن تشتري الانتخابات لصالحها، لأنهُ لا يوجد أي قانون يمنعها أو يكبحها ولها مطلق الحرية في صرف أموالها أينما وكيفما تشاء، وهذا هجوم هائل على بقايا الديمقراطية.
المبدأ الثامن: السيطرة على الجماعات
من خلال السيطرة على الحشود العمالية وترسيخ نهج العداء الدائم ضد التنظيم النقابي. من أهم المبادئ الأساسية في منظمة العمل الدولية هو حق التنظيم الحر، والذي يعني الحق في تنظيم النقابات. إلا أن الولايات المتحدة لم توقع على هذا البند ابداً، بل ربما تكون الوحيدة من ضمن المجتمعات الكبرى التي رفضت هذا البند، رغم أن الولايات المتحدة لها تاريخ عمالي طويل وعنيف جداً مقارنةً بمجتمعات أخرى! إلا أن هذه الحركات العمالية وُوجهت بالسحق.
المبدأ التاسع: التسويق ثم التسويق (التسويق بمثابة الفن الحديث)
ازدهار صناعة الإعلان لتكريس الرغبات الشرائية واجتذاب المستهلكين، والتي تشكلت في أكثر المجتمعات حُريةً مثل إنكلترا والولايات المتحدة أولاً. والتسويق لاحتياجات سطحية على أنها غاية في الأهمية والرغبة العارمة في خلق مستهلكين لشراء أشياء تافهة، وترسيخ أنها المعيار الرئيسي للحياة اللائقة، والعمل على خفض الوعي الاستهلاكي لدى الافراد.
المبدأ العاشر: تعزيز مبدا عدم تكافؤ الفرص
تعزيز الامتيازات بين البشر من خلال توسيع الفجوة بين الهويات الثقافية والاجتماعية، مما يخلق تباعد بين المجتمعات البشرية، مما يخلق فئات تتناحر فيما بينها بدلا من إيجاد عوامل للتلاقي. فتصنع من التنوع اختلافاً لتعزيز هيمنتها كسلطة سياسية واقتصادية.
الديمقراطية الحقيقية يكون يوم دفع الضرائب فيها هو يوم احتفال لا يوم تذمر وغضب، لأن الشعب الذي يعيش الديمقراطية الحقيقية يدفع الضرائب المستحقة وهو يعي تماماً أين ستذهب.
أخيراً يخبرنا الفيلسوف نعوم تشومسكي بمقولة لجون دوي الفيلسوف الاجتماعي البارز: “ما لم تكن كافة المؤسسات الإنتاجية، التجارية، والإعلامية، خاضعة لسيطرة الديمقراطية التشاركية لن يكون لدينا مجتمع ديمقراطي ناجح”. ويؤكد تشومسكي “حيثما تكون هياكل السلطة والهيمنة والتسلسل الهرمي، حيث طرف يصدر الأوامر وطرف يتلقاها تكون الأزمات. السلطة يقع عليها عبء أن تبرر نفسها دوماً”.
فيروز فرقد عزالدين. كاتبة عراقية
اقرأ/ي أيضاً:
أيهما أبهظ ثمناً الديمقراطية أم الديكتاتورية؟!
هل هي الديمقراطية، أم أن الأمر أشدّ خطورة؟
الديمقراطية إذ تدافع عن نفسها
الترامبية وسؤالَي الوعي والديمقراطية