تكمن أهمية أسئلة الأطفال عن الجنس وأي أسئلة يطرحونها بشكل عام، وتلقيهم الإجابات الوافية عنها في تحفيز التفكير بأشكاله، ومساعدتهم التعرُّف على البيئة المحيطة بهم، واستنتاج الأمورِ الحياتيَّة المهمة، ضمن الإطارِ الثقافي والاجتماعي الذي يعيشون فيه، إلى جانب تحقيق التوازن النفسي، وتنمية الثقة بالنفس.
وتعدُّ أسئلة الأطفال عن الجنس ولاسيما تلك التي تدور حول الحمل والولادة، والتمایز الجنسي بین الذكر والأنثى، ومسائل أخرى حول الأمور الجنسية من أهم الأسئلة المحرجة التي یطرحها الأطفال على الوالدین بشكل خاص، بحسب مستوى الوعي لديهم، وقدرتهم على التعبیر.
ومن أبرز أسئلته بهذا الخصوص: من أین یأتي الطفل؟ وكيف يتكوّن الجنين داخل الرحم؟ وكيف يحدث الحمل والولادة؟ ولماذا یختلف الذكر عن الأنثى في بعض الأمور؟ وغیرها من الأسئلة. ويذهب بعض العلماء إلى أنَّ الطفل يبدأ بالأسئلة الجنسية بشكل واضح، والاستفسار عن الأمور المتعلقة بهذا الخصوص مع بداية السنة الخامسة، وهذا لا يعني – قطعاً – أنه لا تدور في أذهانهم أسئلة حول هذه المسائل قبل هذا العمر.
وهنا يبدي الكثير من الآباء والأمهات مشاعر القلق والحیرة والإحراج حول ما يسألونه، أو حول المعلومات الذي يجب تقديمها لهم، وما هي الأساليب والطرائق، أو العمر المناسب للبدء في توضيح مثل هذه المفاهيم. كما قد يجبرونه – أحياناً – على التوقُّف عن طرح أنواع هذه الأسئلة الاستكشافات، بدعوى أنها خارج حدود الأدب والحياء. كما يحدث أن تُواجه أسئلتهم هذه بالعجز المعرفي/ التربوي، أو اللجوء إلى المماطلة والكذب، لتجنّب شرح هذه المسائل الحساسة، والتخلصّ من الموقف التي وضعوا فيها.
لقد أثبتت الدراسات العلمية في هذا الشأن أنَّ الأطفال الأكثر ذكاءً وإبداعاً، هم الذين يتميزون بفضول أقوى وأنشط، وأنَّ في حال منع الطفل من طرح الأسئلة، أو إذا أُسيئت معاملته خلال طرحه الأسئلة المحرجة، يكون عرضة لبعض المشكلات النفسية، كالانسحاب، والاكتئاب، والعدوانية، وضعف القدرة على التكييف الشخصي والاجتماعي، مما يؤثر سلباً على نموّه العقلي والاجتماعي. ويجدر بالذكر أنَّ الكثير من مصادر الأطفال عن المسائل الجنسیة، تأتي من أقرانهم، وتكون غالباً غیر صحیحة أو مشوّهة، ولكلتي الحالتین تأثیرات سلبیة على معارف الأطفال (الذكور والإناث) وسلوكاتهم الجنسیّة تجاه ذواتهم، وتجاه الجنس الآخر.
الحقيقة، أنه ليس من الشاذِّ أن يسأل الأطفال أسئلةً تدور حول مسائل جنسيَّة، ولا يجب البتّة أن يُفهم الأمر كذلك، حيث أن الهدف من أسئلة الأطفال عن الجنس هي أن الطفل يبحث عن أسباب حياته ومقوماتها، ولا بدَّ – وفقاً لذلك – أن يحصل على إجابات صحيحة إزاءها. لذا فإن التعامل التربوي مع هذه الأسئلة، يجب أن يكون تعاملاً تربوياً سليماً من حيث سلامة المضامين والطرائق والأساليب، والتواقيت المناسبة للتعامل معها، ذلك لأنَّ أساليب المعاملة الوالديّة السليمة لأطفالهم في مرحلة السؤال لها بالغ التأثير في تشكيل الشخصية الطفليّة، ومن شأنها إنماء هذه الشخصية معرفياً ونفسياً واجتماعياً، وبالمحصلة تحقيق الأهداف الرئيسة للتربية، وفقاً للأسس العلمية الصحيحة، والإسهام في إنجاح حیاته في المستقبل.
أما بالنسبة إلى تطور هذه المفاهيم لدى الطفل، وفقاً لتطوره العمري، فإنَّه: (في سنوات 4-5 قد يبدأ الطفل بالاهتمام في هذه المسائل بمفهومها البسيط.. وقد يبدأ بالحديث عن البلوغ، ويسأل من أين يأتي الأطفال، أو لماذا تختلف أجسام البنات عن الأولاد؟. أما في سنوات 5-7 يتعلم الطفل معلومات أكثر عن الجنس.. وتعدُّ أسئلته المحرجة حاجة ملحّة تبحث عن الإشباع، تفرضها المرحلة العمرية والعقلية، ومتطلبات البيئة بميثراتها المتنوعة.)
إنَّ تزويد الطفل بالثقافة الجنسیّة تعدُّ مسؤولیة تربویّة بالدرجة الأولى، وهي تؤدي دوراً هاماً في عملية النموّ المتكامل له، ولا تقل أهميته عن أنواع التربية الأخرى كما سبق. لذا یجب على الوالدين خصوصاً أن یتحمَّلا هذه المسؤولية بوعي وإدراك كبيرين، وأن یمارسانها بأمانة وموضوعیّة، إذ ليس أفضل منهما للقيام بهذه المسؤولية والممارسة، من خلال تزويد أطفالهم بخبرات سليمة من الناحية التربوية في هذا المجال، وألا يجدا حرجاً في التعامل مع استفساراتهم وتساؤلاتهم، والإجابة عنها؛ إجابات صحیحة، بكل أمانةٍ وصدق وبساطة، وبطرق علمیّة مبسّطة ومقنعة، وألا يتركان لديهم مجالاً للحیرة وعدم الاستقرار، لأنها تمثّل حاجة معرفية ملحّة، تتضمن فهمهم لحقائق أجسامهم، وكافة وظائفه. بحسب العلماء فإنه لا توجد سنٌّ معيَّنة للتثقيف الجنسي، بقدر ما هناك التوقيت المناسب، والاستجابة المناسبة لفضول الطفل، بما مع يتناسب مرحلته العمرية. وبالرغم من اختلافهم في تحديد السن المناسبة للبدء بالثقافة الجنسية المبسَّطة، إلا أنهم يجتمعون على نقاط أساسية، هي:
– الإجابة عن أسئلة الأطفال عن الجنس بصدق ووضوح من جهة، وتلقي تلك التساؤلات بكلِّ تقدير واحترام من جهة أخرى، فالمصداقية، ثم التقدير، هما القاعدتان الذهبيتان في التعامل مع أسئلة الأطفال واستفساراتهم المتعلقة بالحنس. وإذا كان من الخطأ ترك الطفل بلا إجابة، فإنّ الخطأ الأكبر من ذلك هو الكذب في الإجابة، أو إظهار الاستهزاء والسخرية.
– إعطاء الأفكار والمعلومات العلمية بما يتناسب مع عمر الطفل الزمني، ويفضل أن يكون ذلك على مراحل وليس دفعة واحدة، حتى يستوعبها الطفل. ومن جهة ثانية إعطاؤها بطريقة هادئة، وضمن أجواء مفعمة بالودّ والثقة والاحترام، لأن ذلك يساعد في عدم لجوء الطفل لشخصَ أخر. ويفضَّل أن يتحدَّث الأب إلى ابنه، والأم إلى ابنتها، وألا يُعتمد على الصور والرسومات والفيديوهات للتحدّث معهم في هذه الموضوعات الحسّاسة.
إنَّ أفضل الأساليب والطرق التي يتَّبعها الوالدان في التعامل مع أسئلة الأبناء المتعلِّقة بهذا الخصوص، هي التعامل معها بكلِّ اهتمام، ورفدهم بالحقائق الموضوعية الموثوقة بأبسط طريقة كما سبق، ومن المهم في هذه الأمور أن يكون الأهل المرجع الأساسي للطفل، وأن يتمَّ التعرف على ما لديه من معلومات سابقة عن هذه المسائل، وتصحيح الخاطئة منها، بما يحقق له حالة الاستقرار والتوازن النفسي، ويؤثر إيجاباً – بطبيعة الحال – في نموه العقلي والانفعالي والاجتماعي، ويبلغ به إلى الحالة التربویة كما من المفترض أن تكون عليها. كما أنَّ اهتمام الوالدين ودرايتهما وحسن تصرفهما في هذا المجال، وسعيهما لتنمية الشعور بمشاركة أفكار الطفل واحترامها وتقديرها، إنما هي أساليب من شأنها زيادة ثقته بنفسه، والارتقاء بأسلوب حياته وطريقه تفكيره، وتعامله مع الآخرين من حوله.
عبد المجيد قاسم. دبلوم دمج التقانـة بالتعلـيم
اقرأ/ي أيضاً:
سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات 12: كيف تتحدث مع طفلك عن الجنس وتجيب على أسئلته؟
حماية أطفالك من التحرش.. مسؤوليتك
أدب الخيال العلمي والأطفال
كورونا يثير مخاوف من تزايد حالات العنف المنزلي وإساءة معاملة الأطفال
مركز العائلة أو مراكز الوالدين والأطفال.. النشأة والأهداف والخدمات