- هيثم قطريب فنّان سوريّ من مواليد 1-9-1955.
- كان معتقلاً سياسيًا لتسع سنوات.
- ثم اعتقل لثلاث مرّات أثناء الثورة.
- خرج من سوريا في نهاية العام 2014، ووصل إلى سويسرا.
- وعزف مع الأوركسترا السيمفونية لمقاطعة آرغاو السويسرية.
كأيّ مناضل سياسيّ، يفتتح بالسياسة، يقول هيثم قطريب: “إن من أولويات الاستبداد خنق وإجهاض، أو حتى قتل أي فعل يساهم في تفعيل سياسي أو اجتماعي، سواء كان أحزابا أم جمعيات أهلية أم منظمات إنسانية أم أفرادًا يساهمون في تفعيل وترسيخ الرأي العام. وهذا أحد الأسباب التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه حاليا”.
اعتقل قطريب بتاريخ 24-4-1982، وبقي لمدة تسع سنوات في السجون السورية بسبب نشاطه السياسي يقسمها إلى مراحل: “المرحلة الأولى من الاعتقال كانت قاسية جدًا لدرجة أن الموت يرافقك بشكل دائم. لأن التعذيب مشحون بحقد فظيع. كانت أنواع التعذيب عديدة، بقيت في الزنزانة الانفرادية 67 يومًا، كان عرضها 90 سم وطولها 180 وارتفاعها 190 سم. ثم في الزنزانة الجماعية لمدة سنة و4 شهور، كان عرضها 190 سم، وطولها 190 سم، وارتفاعها 190 سم، مغلقة تماما، هواء التنفس كان صناعيا. بعدها نُقلت إلى مهجع واسع نسبيا”.
حوارات مع نساء داخل السجن!
عاش قبل أن ينتقل إلى “المهجع الواسع” في قبر عمودي، لأكثر من شهرين، يتابع بعدها: “الفترة في المهجع الواسع كان فيها شيء من الغرابة، حيث كان المهجع الملاصق مخصصًا للنساء، بعد فترة قصيرة، صار هناك شيء من التواصل، وتبادلنا الحديث المقتضب جدا فيما بيننا، الحوارات كانت من خلال عزف الإيقاع على الجدار. شعرنا هناك أن شيئًا من الخوف والجفاف الروحي قد تبدد”.
آلة موسيقية من قماش الملابس والبلاستيك في الزنزانة!
يبدو أنّ السجن أصبح أوسع، آليّات الدفاع عن البقاء تجعلك تبحث عن أي أمل أو فرح، يتابع قطريب: “هنا خطرت على بالي أول تجربة أن أصنع آلة موسيقية من (بِيدون) بلاستيك. تدبرت أمري وركبتُ بعض الخشب عليه، وصنعت أوتارًا من جرابات (الجوارب) النايلون، وريشةً من قطعة بلاستيك من أحد القمصان. وصرنا نعزف عليها”. إلّا أن الفرحة لم تدم طويلاً، فقد “تفاعل مع هذه الآلة من كان معي بالمهجع. لكن، وفي لحظة صمت في عموم الجناح، ولم يكن هناك إلا صوت هذه الآلة، سمعنا صوت أحد السجانين يقول: “يا أولاد القحبة، من وين هالصوت”. حينها خفنا من التفتيش، فكسرنا نغمتنا، ورميناها في سلة المهملات. كانت لحظة صعبة جدًا”.
آلة موسيقيّة جديدة وعودة للدراسة من جديد
كانت خيبة أمل أن يخسر هيثم آلته، إلّا أنه لم يتوقف وأعاد المحاولة: “رجعنا إلى فكرة الآلة الموسيقية، أول آلة بعدها، كانت من ورق الجرائد، عجنتها مع مادة الخبز، وصببتها في مقعّر دائري وهو عبارة عن (كلوب) لمصباح كهربائي، والأوتار من جوارب النايلون، والريش كما العادة؛ من قبات القمصان. وطورناها إلى أن اصبح لدينا احتراف بهذه الصناعة، هنا طلبنا من أهالينا تزويدنا بالكتب الموسيقية. خلال هذه الفترة رجعت معلوماتي الموسيقية، وخاصة في مادة الصولفيج، واهتتمت بأصول الغناء الشرقي ودرستها”.
الخروج إلى النّور
خلال دراسته الجامعية (قبل السجن) تعلّم هيثم قطريب العزف على آلة العود على يد الأستاذ ميشيل عوض، وتعلّم أصول الإنشاد والمقامات على يد شيخ ضرير كان عازفًا مهمًا على آلة العود، وبنى على ما تعلّمه في السجن أيضًا، وخرج بعدها في 22-12-1991، يضيف قطريب: “بعد خروجي من السجن، عملت في دار الحصاد للطباعة والنشر، وبعد فترة أصبحت مدرّسا للغناء وللعود، ومعلما لفنّ الإلقاء الاذاعي والتلفزيوني. ومن خلال تعليمي لعديد من الطلاب. طلبني معهد موسيقي مهم وقتها، لكن اسمه (مرعب) “معهد الأسد لتعليم الموسيقى”، قال لي مدير المعهد: “نتمنى أن تعلّم لدينا، لكن الدورة التي ستعلمها يحب أن تكون باسمي واسمك!” طبعا رفضتُ بالصمت وعدم العودة إليه. بعدها سأل المعهد العالي إحدى طالباتي هالة ارسلان: من علمك؟ قالت: فلان، ثم أتت إليّ وقالت: رئيس الفرقة الشرقية يريدك، ذهبت إليه، وإذا به يريد وخلال نصف ساعة أن أعطيه صورة عن منهجي في التعليم. تركته بسرعة عجيبة”.
حنّ الحديد!
بقي هيثم على هذه الحالة إلى أن افتتح مكتبة في مدينته سلمية، وعمل جيدا لكن: “جلبت المكتبة لي غضب الأمن، تفتيش وملاحقة، وإغلاق بالشمع الأحمر. واعتقلت لمدة 77 يومًا على ثلاث مراحل في فرع الأمن العسكري بحماه، وفرع 215 سيء السمعة، وأمن الدولة”.
الخروج من سوريا
بعدها ترك المكتبة لشريكه وانتقل إلى دمشق واعتقل خلال الثورة السورية ثلاث مرّات، واستمرّ في التعليم إلى أن ذهب إلى بيروت، وقدم طلب هجرة ضمن برنامج إعادة التوطين، فكانت أول مقابلة بعد شهر ونصف، ومن ثم جرت وراءها أربع مقابلات آخرها كان مع البعثة السويسرية، يقول هيثم عنها: “كانت مقابلة عن ثقافة المنطقة، ودور الفكر التنويري ومدى تأثيره، وبعدها بشهر وعشرين يومًا، جاءني هاتف يقول لي: مبروك سفرك تقرر بـ 2 كانون الأول”.
المشاركة مع الأوركسترا السيمفونية لمقاطعة آرغاو السويسرية
وصل هيثم إلى سويسرا، وخلال إقامته في (الكامب) تعرف إلى صديق من حلب اسمه يسار، وهنا بدأت القصّة الجديدة، يكمل: “في إحدى المرات، قال لي يسار إنه مدعو إلى حفلة مصغّرة لاوكسترا آراو ( Aarau) عاصمة مقاطعة آرغاو(Aargau) وقال لي: هات عودك، وفعلا ذهبت، فطلب من صديقته إن أمكن أن أسمعهم صوت هذه الآلة، والأنغام الشرقية، فوافق قائد الأوكسترا، وعزفتُ وكان تفاعل الناس جيد جدا. بعد يومين كان هناك مقال عني، مع صورةٍ بجريدة آراو، وبعد أربعة أيام، تكلّم معي قائد الأوركسترا ليطلب مني أن أشارك بالحفل الموسع بشكل رسمي مع الأوركسترا، وكان ذلك. تفاجأت بتفاعل الجمهور عند سماع الموسيقا الشرقية، وكيف صاروا يعبّرون عن مشاعرهم التي تولدت بعد هذه المشاركة”.
الوطن والهوية عند قطريب
يقول هيثم قطريب: “بدون تنميق للكلام: الوطن ليس جغرافيا، الجغرافيا حاضنة يمكن أن تكون في أي مكان، لكنّ ذاكرة المكان شيء خطير يحفر بوجدانك، كثير من المسائل في الجغرافيا غير واردة. والسبب هو الثقافة المشبع بها أنت، والعلاقة اليومية مع الآخر. ترى ذلك بوضوح عند الاحتكاك بثقافة أخرى، تراها -بخاصة عند الوهلة الاولى- عدوة لك. وتظل كذلك حتى تجد الجسور، إن هذه الذاكرة المبنية على قيم نبيلة، تجعلك إنسانًا شجاعًا تجاه الآخر بفرديتك وبتكوينك الجمعي. لكن الاستبداد من أولوياته قتل هذه الحالة، وإنتاج إنسان مسخٍ جبانٍ متسلق. وانا أرى أنه ليس هناك مجتمع سيء ومجتمع جيد، بل هناك نظم جيدة ونظم سيئة. إن تفاعل الرأي العام مع السلطة هو الذي يوجد الهوية الوطنية”.
في النهاية، نجا هيثم قطريب من التعذيب والسجن والملاحقة، ووصل إلى بر الأمان، وحقق نجاحًا في فنّه، وهو يعمل الآن على مشروع نظري، وهو مجموعة مقالاتٍ حول التذوق الموسيقي والاستبداد. مع بعض الامثلة، مقرونًا بنوتات الموسيقى، لم يكن لينجزه لو أنه ظلّ هناك.