علي مصلح – دريسدن.
شهدت صالة “شتادتايل هاوس” في مدينة دريسدن يوم الأربعاء 11 أيار-مايو، عرضًا للفيلم السوري “جليلة” للمخرج السوري عدنان جيتو. الفيلم ذو الثلاث وعشرين دقيقة، حمل طابعًا توثيقيا، للحدث الثوري في سوريا، لاسيما مشاركة المرأة السورية في مجريات الأحداث وصناعتها، منذ انطلاقة أول تظاهرة سلمية، ومشاركة المرأة الفاعلة بها، وما تلاها من تظاهرات، إلى العمل الإغاثي، ومساهمتها المؤثرة في إيصال المساعدات الغذائية والطبيّة للمدن والبلدات السوريّة المحاصرة، وأضاء الفيلم على الدور المميز للمرأة السورية في العمل الإعلامي الميداني كالتصوير ورفع التقارير الصحفية. وعرّج الفيلم على لحظة اقتحام التنظيمات الدينية المتشددة، للمشهد السوري، حيث كانت معاناة المرأة أكبر، تحت وطأة التشريعات والأحكام المتطرفة، لكنها لم تمنع المرأة من الاستمرار.
الفيلم الذي حمل عنوانه اسم الناشطة السورية جليلة الترك، ابتعد مخرجه عبر توليفة إخراجية، عن الدوران حول شخصية محورية، جاعلا كل امرأة سورية “جليلة”، دون ظهور مباشر لصاحبة الاسم. “جليلة” هو التجربة الإخراجية الثالثة للمخرج الشاب عدنان جيتو. جاء عرضه في سياق أنشطة فريق “سينالوكال” الثقافية، في مدينة دريسدن، وهو فريق يجمع شابات وشباب سوريين ومواطنين ألمان لديهم اهتمامات مشتركة، يقومون بتقديم عروض لأفلام سينمائية متنوعة في المدينة ونقاشها ومحاولة محاكاتها. على هامش عرض الفيلم التقت أبواب بالسيدة الترك وحاورتها.
تقول الترك: “أنا في ألمانيا منذ الشهر السابع 2015، اضطررت للخروج من سوريا بعد تعرضي لإصابة بالغة الخطورة نجوت منها بأعجوبة، أتيت إلى ألمانيا كسائر اللاجئين السوريين هربًا من بطش النظام، سلكت طريق البحر الذي ابتلع آلاف السوريين وأكملت الطريق سيرًا على الأقدام حتى وصلنا إلى ألمانيا، لينتهي بذلك شقاء رحلة العبور ويبدأ عذاب رحلة اللجوء”.
الترك: تعرّضت لمواقف جعلتني أتساءل: هل حقًا أنا في ألمانيا؟
وعن بدايتها الجديدة، تخبرنا: “من الصعب على الإنسان أن يبدأ من الصفر ولكنّه ليس بمستحيل، فالبدء في بيئة ومجتمع غريب هذه قمة التحدي. الصعوبات التي واجهتها كأغلب اللاجئين تتعلق بموضوع الحصول على الأوراق، البيروقراطية والتعقيدات الإدارية، بصراحة، تعرضت لعدة مواقف في بعض الإدارات جعلتني أتساءل، هل حقًا أنا في ألمانيا؟! موضوع الاندماج وتعلم اللغة لا يشكل لي صعوبة شخصية، ولكن بعض السياسات المتبعة في هذا المجال تجعله صعبًا بدلاً من تسهيله والتي باعتقادي يمكن حلها بخطوات بسيطة، ولكن علينا أن نتفهم أيضًا حجم الضغط الذي تتعرض له الحكومات الألمانية التي لم تكن مهيأة لاستقبال هذا العدد من اللاجئين، وفي هذا الصدد لا بد لنا من توجيه الشكر لألمانيا حكومة وشعبًا على استضافتهم لنا والمجهودات التي تبذل في هذا السياق، الأزمات اليوم تصبح عالمية أكثر فأكثر ولا يمكن لأحد أن يبقى بمنأى عما يحدث في بلد آخر حتى لو كان بعيد جغرافيًا”.
أنت في مدينة تعتبر معقل اليمين المتطرف، هل واجهتِ أية اعتداءات أو مضايقات؟
أن أكون في مدينة تعتبر معقل اليمين المتطرف لم يكن خيارًا لي، حاولت اللجوء إلى الغرب ولكن لم أنجح في ذلك، وهذا أيضاً تحدٍ آخر بالنسبة إلي. بصراحة لم أواجه اعتداءات شخصية مباشرة من أحد، مع تحفظي على بعض المضايقات التي أتعرض لها بين الحين والآخر كوني محجبة كأغلب النساء السوريات، وأعتقد أننا كسوريين في هذه الظروف الصعبة بتنا مرهفي الحس أكثر، على سبيل المثال رأيت في أحد المرات مظاهرة لليمين تحمل أعلام روسية وكم تألمت حين رؤيتي لهذا المشهد وكلنا يعلم ماذا تفعل الطائرات الروسية في بلدنا. ولكن بنفس الوقت علينا أن لا نغفل حقيقة أن اليمين في هذه المدينة هم أقلية حسبما رأيت، والمنظمات والجمعيات التي تنشط في مساعدة اللاجئين هي بازدياد دائم، ويكاد لا يخلو يوم في المدينة من نشاطات تعنى باللاجئين، وكان عرض فيلم “جليلة” والإقبال الجيد على حضوره، وغيره الكثير من النشاطات دليل على ذلك.
فيلم “جليلة” لإيضاح حقيقة ما يجري في سوريا
في هذه الأيام أعمل مع بعض المواطنين الألمان واللاجئين من سوريا على إيضاح حقيقة ما يجري في سوريا ولماذا يجري ومن المتسبب بذلك؟ وكان عرض فيلم “جليلة” في هذا السياق، ولكني بصراحة لم أضع خطة طويلة الأمد لوجودي في ألمانيا، حيث أنتظر كأغلب السوريين الذي قابلتهم بفارغ الصبر اليوم الذي أستطيع فيه العودة إلى وطني ومدينتي ومنزلي، وإلى جانب ذلك أطمح أيضًا في استكمال دراساتي في مجال العلوم السياسية.
بالحديث عن الوطن والعودة، كيف تعرف جليلة الوطن والهوية؟
يحضرني قول الشاعر أحمد شوقي: “وطني لو شغلت بالخلد عنه\ نازعتني إليه بالخلد نفسي”. كتب شوقي هذه الأبيات في منفاه الأندلسي، وكم يماثل واقعي اليوم المشاعر التي كان يعيشها. الوطن تعريفًا هو البلد الذي تسكنه أمّة ويشعر المرء بارتباطه بها وانتمائه إليها، وبالنسبة إلي الوطن هو نحن، تاريخنا، ثقافتنا، حضارتنا التي تعود إلى آلاف السنين، وكسوريين؛ الوطن لا ينفكّ يعيش فينا أينما حللنا. سؤالك هذا مهم للغاية خاصة في هذه المرحلة التي تمرّ بها منطقتنا والتي تعاني من أزمة هويّة حيث تتصارع فيها الأديولوجيات، ولم نصل حتى اليوم للأسف لتحديد واضح ومرضي للجميع لهذه الهوية، بالنسبة إليّ؛ الهوية هي موقفنا من الوطن والمواطنة والتي يعرفها الفرد ويصوغها حسب نضج وعيه وعمله الذاتي وخياراته.
جليلة الترك: سورية من مدينة دمشق لاجئة حاليًا في ألمانيا، ناشطة سياسية معنيّة بحقوق المرأة خاصة وبحقوق الإنسان عامة، عضو في حزب الشعب الديمقراطي السوري وفي إعلان دمشق لقوى التغيير الديمقراطي.