ليس مستغرباً ما يتعرض له هذه الأيام فيلم “عن الآباء والأبناء”للمخرج طلال ديركي، فبعد أن كانت العيون تترقب فوزه في الأوسكار، انقلبت الآية وبدأ الهجوم المرتقب ضد صانع الفيلم شخصياً قبل التوجه بالنقد الفني للفيلم ذاته.
فيلم “عن الآباء والأبناء” يرصد حياة عائلة جهاديٍّ مقيمٍ في إدلب مسلطاً الضوء على ظلم الآباء لأبنائهم، وكيف يتحول الأطفال إلى ضحايا في محرقة الحرب والأيديولوجيا، وبالتخصيص يروي الفيلم كيف يزرع الأب العقيدة الجهادية لدى أبنائه ويزج بهم في معركته في سبيل تحقيق حلمه الإسلامي.
كان يمكن أن يُصنع هذا الفيلم في أفغانستان أو أي مكان آخر في العالم يشبه هذه البؤرة وينال ما يستحقه من رؤية عادلة، لكنه ما بين السوريين مطالبٌ بأكثر بكثير مما يقصده، فرغم أن المخرج معروف بمعارضته للنظام وكان فيلمه العودة إلى حمص من الأفلام الأولى والهامة جداً عى هذا الصعيد، لكنه على ما يبدو مطالبٌ في كل عمل بأن يعيد القَسَم والشعارات وأن يفتتح كل فيلم بأن النظام هو المجرم الأول وبعدها يروي ما يريد.
وأمام الاتهامات التي طالت الفيلم ومخرجه لا بد من طرح بعض التساؤلات:
هل يجوز تجاهل الشريك الإسلامي في الإجرام بعد كل ما ارتكبه بحق شباب “ثورة الحرية” من خطف واغتيال وتكميم أفواه، وهل الاتهام المباشر لأي مجرم ينفي إجرام النظام؟
هل ينتظر النظام حقاً ما يبرر سلوكه الإجرامي أو من يبيض صفحته؟
هل يجوز لمن خرج في ثورة الحرية أن يواصل فرض الوصاية والانتقاص من حرية الآخرين لاسيما الفنانين والأمثلة على ذلك كثيرة؟
وإلى متى سيستمر هذا التشكيك بأي مشروع بحجة الخضوع للبروباغاندا أو اتباع سياسات معينة أو تملق الغرب أو الجري وراء التمويل أو الشهرة، وتجريد صاحبه من أي أخلاقيات في العمل أو الحياة ما لم يتبع شروطاً وضعها أحد أرباب الثورة.
هل يجب بعد سنواتٍ اتضحت فيها الاصطفافات والمواقف أن تلتزم في كل مناسبة بإعادة إثبات الولاء للثورة وشتم النظام وإلا فأنت عرضة لتهمة “وهن” عزيمة الثورة أو العمالة للنظام أو تبييض صفحته؟
للأسف حين شاهدت فيلم “عن الآباء والأبناء” منذ حوالي العام توقعت أنه سيواجه هذه الاتهامات التي يواجهها اليوم، رغم أنني تمنيت العكس، ليس فقط من أجل الفيلم ذاته وإنما كان أملاً غير مبرر بأن السوريين قد يتوقفوا أو يخففوا هجماتهم الخاطفة وتبنياتهم الشعارية لكل شيء. لكنه على ما يبدو أملٌ غير قريب التحقق.