علياء أحمد*
للوهلة الأولى قد يبدو العنوان غريباً، فهل يملك اللاجئون أساساً، نساءً كانوا أم رجالاً، الحقّ في المشاركة السياسية في البلدان التي تستضيفهم حتى يمكن قياس هذه المشاركة وتقييم فعاليتها؟
للمشاركة السياسية أشكال مختلفة تبعاً لنوع الأنظمة السياسية في الدول، ويتناسب اتساع المشاركة وتعدّد مجالاتها طرداً مع وجود قوانين تحفظ حقوق الإنسان وتضمن الحريات، كما أنّ العلاقة متعدية بين طرفي المعادلة، حيث أن فعالية الأنشطة التي يقوم بها المواطنون في الشأن العام، بصورها المختلفة، تؤثر على الوضع السياسي والقرارات الحكومية في الدول التي تتيح للأفراد حرية التعبير عن آرائهم، وترجمتها إلى وقائع ومشاريع ملموسة على الأرض، عبر الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والحركات الثقافية وحملات المناصرة، وغيرها من الآليات التي تساهم في صنع القرار السياسي.
على ذلك، لاتنحصر المشاركة السياسية في شكل واحد كالانتخابات، وهو شكل الممارسة السائد الذي اعتاد مشاهدته كثير من القادمين الجدد في بلدان أوروبة الغربية كألمانيا. حيث تسود في أذهان الكثيرين فكرة خاطئة بأن المشاركة السياسية محصورة بحق الترشّح والانتخاب والانضمام للأحزاب السياسية، الأمر الذي لم يكن يجري في أطر من الحرية في بلدانهم، وإنما ضمن لعبة هزلية لا تعدو كونها تمثيلية سياسية سمجة.
ورغم تواجد عشرات آلاف اللاجئين في ألمانيا، إلا أن تأثيرهم في عملية صنع القرارات المتعلقة بهم ضعيف للغاية، لاعتقادهم بأن مشاركتهم بلا جدوى وغير فعالة، وأنهم لايملكون الحق في الإدلاء بدلوهم، فتنحصر همومهم بتفاصيل حياتهم اليومية مثل دورات اللغة ومتابعة الأمور البيروقراطية في مركز العمل “الجوب سنتر” أو مكتب الأجانب “الأوسلندر بيهورده”. فبرغم وجود مئات المنظمات التي تعمل لأجل اللاجئين والمشاريع الكبيرة التي تستهدفهم، إلا أن انخراطهم في هذه المشاريع ومشاركتهم فيها دون المستوى المطلوب، وتكاد تنحصر في الأنشطة الترفيهية كالرحلات والحفلات!
لا يدرك كثير من اللاجئين أن حضور اجتماع أولياء الأمور في مدارس أطفالهم، والمشاركة في انتخاب المجلس المدرسي مثلاً هي من أشكال المشاركة السياسية، وأن المشاركة في المظاهرات ضد العنصرية أو سياسة الترحيل، هي أيضاً من الممارسات السياسية الضرورية للتأثير والضغط على صنّاع القرار. المفارقة أن مشاركة اللاجئين في المظاهرات الداعمة لهم والمطالبة بحقوقهم ضئيلة، وغالباً مايكون الألمان المشاركون في المظاهرة أكثر من اللاجئين.
أما فيما يتعلق بمشاركة النساء فتظهر أبعاد أخرى للمسألة أكثر تعقيداً، إذ تعيق عوامل كثيرة مشاركة النساء اللاجئات وانخراطهن في الحياة العامة للمجتمع الجديد، بدءاً من حضور الاجتماعات المدرسية، وليس انتهاء بالتظاهر، ومن أهمها تعمّق السلطة الذكورية وترسخ محمولاتها العنفية ضد النساء، إذ وجدت غالبية اللاجئات أنفسهن محاصرات بالقيود ذاتها التي رافقتهن من المجتمع الأصلي إلى بلدان اللجوء، بل إن قيوداً جديدة فرضت على الكثيرات لمنع انفتاحهن على المجتمع الجديد الذي تمتلك المرأة فيه حرية أكبر على الصعيد القانوني والاجتماعي.
مامن شكّ أن الجمعيات والمنظمات المعنية بحقوق النساء والهادفة لتحقيق العدالة لهن، تتحمل قسطاً من المسؤولية أيضاً لأسباب عدّة، منها ضعف آلياتها في قياس وتحليل واقع النساء واحتياجاتهن، وبناء البرامج والخطط بعيداً عن مشاركة النساء أنفسهن بشكل منظم وجدّي في وضعها. لكن حتى عندما يجري تنظيم فعاليات هامة تصبّ في مصلحة تعليم النساء وتمكينهن من حقوقهن، أو إرشادهن إلى كيفية الحصول على فرص دراسة أو عمل أو مساعدتهن في تيسيير بعض أمور حياتهن اليومية، تأتي النتيجة الصادمة بعدم مشاركة النساء وضياع كثير من الجهود والأموال سدى، في مقابل مشاركة أعداد كبيرة منهن في الأنشطة الترفيهية أو لقاءات المرح والتسلية! هذا يعكس خللاً كبيراً في العلاقة بين المنظمات وفئتها المستهدفة، يجب ملاحظته ومعالجته بشكل منهجي يساهم في رفع وعي الذات عند نساء رُبّينَ ونَشَأْنَ ضمن قوالب تسعى للإبقاء عليهن محدودات الأفق، “قاصرات أبديات” لايملكن من أمرهن شيئاً مالم يقرّه الرجل، أباً أو زوجاً أو أخاً أو حتى ابناً.
تجدر الإشارة إلى وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في هذا الموضوع، فقد باتت تتحكم إلى حد كبير في توجيه الرأي العام وتسيطر عليها العقليات الذكورية، فساهمت بقوة في محاربة مشاركة النساء، وعملت على ترهيبهن والتحريض ضدّهن. الأمثلة العنفية التي راحت ضحيتها نساء في بث حي ومباشر لاتخفى على أحد، وكذلك التعليقات المؤيدة لهذه الجرائم والتبريرات الذكورية للمجرمين لا تقل جرمية عن الفعل. كما أن تسليط الأضواء على حالات نساء تمرّدن بشكل صارخ على المجتمع لتقديمهن كنماذج “سلبية” عن تحرر النساء و”انفلاتهن” في المجتمع الجديد، يساهم في انحسار الغالبية الصامتة من النساء، ويدفعهنّ للتراجع خطوات خلفاً.
ثمة نساءً كثيرات يكافحن في مسارهن الخاص سواء في تعلّم اللغة أو الدراسة والعمل، إلا أن نسبتهنّ الأكبر بعيدة عن المشاركة في الحياة العامة والسياسية أو في النضال النسوي، فتقتصر جهودهن على الإنجاز الشخصي، لا لضيق الوقت بقدر الشعور بعدم الانتماء لهذه القضايا، أو عدم الثقة بأن المشاركة ستكون مؤثرة ومفيدة، وأحياناً الخوف من المشاركة.. هذه وغيرها مسائل تستدعي البحث والتفكير فيها.
* باحثة ومدرّبة في قضايا المرأة والطفل
خاص أبواب
اقرأ/ي أيضاً للكاتية: