بقلم: نهاد سيريس*
الكثير من الشباب الذين غادروا الوطن بسبب الحرب حملوا معهم مواهبهم الفنية، سواء أكانت في الرسم أو الموسيقى أو المسرح أو غيرها.
غادروا الوطن حيث القوالب الفنية والأدبية صعبة التطوير، والتي يجد الفنان نفسه مرغماً على مجاراتها فيفشل في التعبير عمّا يجول في ذهنه من طرق مغايرة. القوالب هي التي تصنع الذوق العام وتمنع أية مبادرة جديدة، بينما الشباب يفكرون ويحلمون بشكل مختلف! وأن تفكر وتحلم وتعبّر بطريقة مختلفة أمر يجعلك تصطدم بالرقابة وبالأساليب الفنية المكرسة أو بالأسماء الكبيرة المفروضة.
كثير من الرسامين أو الموسيقيين أو الممثلين أو الكتاب الشباب صمتوا وابتعدوا، لأنهم وجدوا أنفسهم عاجزين عن مواجهة السائد، لكن ما إن استقروا في دول الاغتراب حتى شعروا بحرية التعبير وبالجرأة في تقديم أنفسهم بالشكل الذي يرغبون. الطموح بالنسبة لهؤلاء الشباب هو إظهار ما في أعماقهم، وتقديم ما يحلمون ويؤمنون به، وهذا هو ألف باء الفن بحد ذاته.
منذ البداية اكتشف الفنان أن جهات عديدة، حكومية وغير حكومية، قد تساعده في تقديم فنّه إلى الجمهور، وكلها أماكن محترمة لها جمهورها وتقاليدها، مثل الكنائس والبلديات والمسارح والمؤسسات التي تغطي مصاريفها عادة من أسعار بطاقات الدخول البخسة. وجمهور الفن في هذه البلاد متعطش للتعرف على الفنون الغريبة، مستعد لشراء بطاقة للاستماع إلى موسيقانا ومشاهدة عروضنا. ومحبو الفن التشكيلي يقطعون المسافات لحضور معرض يقيمه فنان تشكيلي قادم من حلب مثلاً أو دمشق أو الحسكة.
ما إن زالت رهبة اللقاء الأول مع جمهور هذه البلاد حتى بدأ الفنان، مهما كان فنه، بإطلاق ما كان قد ابتكره واختزنه طويلاً وخشي من إخراجه إلى العلن، فقوبل بالتشجيع، وليس هذا فحسب بل أن الكثير من المؤسسات راحت تعرض المنح للارتقاء بالفن، أو إقامة قراءات مشتركة مع الكتاب والشعراء الألمان أو أمسيات موسيقية مشتركة ترتقي إلى مستوى التأثير والتأثر.
لقد وجد الفنان اللاجئ نفسه أخيراً في جو من حرية الابداع، ووجد السبيل متاحاً لتطوير فنه والاستفادة ممّا تقدمه البيئة الجديدة من فرص. قد لا يلمس المتابع تأثراً كبيراً بالمدارس الإبداعية الأوروبية في أسلوبه، ولكن من يتمعن في التجارب الفردية لشبابنا سيلاحظ كم استفادوا من الفرص التي تؤمنها لهم الحياة الحرة هنا.
*نهاد سيريس: كاتب وروائي سوري مقيم في سوريا
اقرأ/ي أيضاً: