“كثيرون من هم بدون وطن وقلة مـن يـحملون فـي قلبهم الوطـن”، جـملة سمعتها وكررتها بيني وبين نفسي وكانت تـرتيلة حتى أَضحت مـصيراً.
اليوم أَحـمل وطنين في قلبي كميراث، فلسطيني- سوري هويتي، خـيبة فقدان الوطن مـرتين تقيم كخيمة عـزاء في روحي، لجوء ونزوح، ياسمين، أغصان زيتون، كفن شـهيد، سلام وطنـي يـبدأ بـفداك ويكتمل بحماة الديار.. كل هذا إرث من أوطان.
جــدي الذي كان يروي لنا عـن حيفا، وكيف حمله والده على كتفه وخرج به من وسط الحرب ومفتاح العودة في جيبه، المفتاح الذي علق فيما بعد على الحائط بجانب مـا مـضى. لو كان على قـيد الحياة لأخبرته كيف خرجتُ من دمشق وأنا أمسك بيد ابني، بلا بيتٍ ولا مفتاح.
ووالدي الذي أسماني أيسر وأخي أيمن، لنكون سنده وقوته كل منا يـشد أزره من جـهته، ولم يدرِ أننا تفرقنا وكان الاسم وجهة كلٍ منا.
إرثُ أَحـمله فـي وطـن ثالث لا يـشبهني، كل أَشيائي وذكـرياتي تـرافقني في حقيبة الطـرقات الـطـويلة جداً، ضـباب كـثير يـقبع فـي نهايتها، ملامح لا أألفها، وأَرقام كـثيرة بجانبها أَحـرف غـريبة تحيلني إلى العجز، تجعلني أجلس مرة أخرى أمام طاولة خـشب، ورائحة الورق تعيد لـذاكرتي قـصة الحـب الأولى فـي مــدرستي الابـتدائية، حصة الرياضيات التي كانت الأحب لي، وصديق طفولتي الذي اختفى.
رهبة الثانوية العامة، والحلم الذي كان يدق أبواب قلبي بأن أصبح مـهندساً، ويغرف لروحي اللهفة، فأشهق.. إنني في دمشق.
هناك، حيث صممت بيوتاً، منها ما أزالته الحرب، ومنها ما بقي لي كبصمة تنتظرني ريثما أعود، وأنا متأكد أنني سأعود
سأعود قوياً، أحمل معي أولادي وشهادات تعبي وغربتي وفخر بلدي.. وليس على هيئة “بـقايا حرب”، ولا صورةً بشريط أسود على زاويتها اليـسرى.
هـنا في هـذا الوطن المؤقت سـأكمل ما بدأت به، سأشارك هـذا العـالم الجديد ببصمتي، وسأُعلم ابني أَن الـوطن فـي القـلب وأَن كثيرين من هـم بلا وطن وقلة من يحملون وطنين اثنين في قلبهم .
إسلام سعود مطور