كريستين هاك*
شكرًا لكم! هذا ما أريد أن أقوله لكم جميعًا: شكرًا لقدومكم إلى ألمانيا. عندما أفكر بكل الذين جاؤوا منكم إلى بلدي في العام المنصرم أو قبل ذلك أشعر بغاية الامتنان. إن لذلك علاقة كبيرة بتاريخنا حيث أن أمتنا تتحمل المسؤولية جزئيًا أو كليًا عن بدء حربين كبيرتين وقتل الملايين من الناس بسبب آرائهم السياسية وميولهم الجنسية أو بسب عرقهم كيهود أو غجر أو غير ذلك. قبل 70 عامًا كنا أكثر أمة مكروهة على كوكب الأرض. لقد شارك كل من جديّ في هاتين الحربين، ولا أعرف إذا ما كانا قتلا أناسًا يلجأ أحفادهم إلينا الآن، أعني من يوغوسلافيا السابقة.
وبعد ذلك طلب كثير من الناس في أمتنا الغفران من الله، كما طلبوا من الأمم الأخرى مسامحتنا، وفعلنا ما في وسعنا لإصلاح بعض الضرر. حصلنا على الرحمة من الله ومن الناس؛ استطعنا إعادة بناء أمتنا واستطعنا إعادة بناء الثقة. ربما أتى بعضكم إلى بلادنا لكونها غنية فقط. لا بأس، لكنني أعتقد أن معظمكم اختار ألمانيا لأنكم تثقون أننا سنعاملكم بشكل جيد. هذا يجعلني أبكي. شكرًا لثقتكم بنا ولمجيئكم إلينا. أعلم أن هذا ليس خياركم الأول. كثيرون منكم فقدوا كل ما يملكون، الأناس الذين تحبونهم وحتى صحتكم. لا أستطيع أن أتخيل هذا الشعور حقيقة، لكني أشارككم شعوركم وأتمنى لو أنكم لم تضطروا إلى المجيء؛ ليس من أجلنا بل من أجلكم. أتمنى لو أنكم استطعتم الاحتفاظ ببيوتكم وأحبتكم ووظائفكم ومستقبلكم، لكنني أطلب منكم ألا تشعروا بالأسف حيالنا لأننا يجب أن “نتعامل مع هذا الوضع”. نعم إنه تحد أن يصبح لدينا فجأة مليون شخص جديد في بلادنا، لكننا اخترنا أن نقول “نعم، بإمكاننا فعل ذلك”. التحديات كالأثقال التي يتم رفعها. قبل 25 عامًا بوركنا بإعادة توحيد أمتنا، وبالتحديات الهائلة التي رافقت ذلك.
منذ ذلك الوقت لم نواجه أية مشاكل حقيقية، وبالنسبة لمعظمنا كان ذلك مملاً. نحن أمة من حلّال المشاكل ويصيبنا الملل إذا لم يكن هناك مشاكل نقوم بحلها. كان الناس والشباب يبحثون عن معنى، وفجأة جاء مليون شخص منكم إلى بلادنا، وكان معكم بطبيعة الحال الكثير من التحديات: السكن والتنظيم والطعام والملابس وأماكن العمل ودورات اللغة؛ ما يعني آلاف الفرص لحل المشاكل. قام طالبان من برلين بحل جزء كبير من مشكلة التعليم الجامعي من خلال البدء من جامعة كيرون. آخرون قاموا بتطوير تطبيق وتس جيرماني لتعلم اللغة، وأنشأت الجدات مجموعات حياكة لتوفير الأوشحة الدافئة. في جميع أنحاء ألمانيا قام الناس بحل جميع المشاكل الكبيرة والصغيرة في المكان.
أحيانًا نقوم بحل المشكلة لك، وهذا شيء جيد، وأحيانًا نقوم بذلك معك وهذا أفضل حتمًا. الكثير منا أصبحوا أكثر نشاطًا، أكثر وعيًا على صعيد السياسة، وأكثر حيوية كالمرأة السبعينية التي كان جل ما تريد أن تجلب بعض الصابون لمكان إقامة اللاجئين، وهناك سألها أحد العاملين في مجال المساعدة إذا ما كانت ترغب بالعناية بإحدى العائلات التي وصلت حديثًا حيث أجابت بالموافقة. قالت لي بعينين تشعان بالفرح إنها تتعلم الآن كيفية استخدام برنامج وتس آب وبرامج الترجمة وكيف تستمتع وهي تري الأطفال والأهل أماكن الأشياء في بلدتهم الصغيرة.
نعم هنالك أناس غير سعيدين وخائفون من القادمين الجدد والتغييرات التي يحدثونها. معظم الألمان يحبون الأمن والبعض يرى في هذه التغييرات تهديدًا، لكن بالنسبة للكثيرين منا فقد جلبتم لنا الغنى والمزيد من الفرح والمزيد من التحديات التي تجعلنا نشعر أننا على قيد الحياة. نتعرف على ثقافات جديدة ونلتقي بأناس رائعين ونتعلم كلمات جديدة. كلمتي المفضلة في اللغة العربية هي “الفراشة”، تذكرني بمقولة “إنها النهاية” تقول اليرقة، فتقول الفراشة: “إنها البداية”. وآمل بعد كل ما مررتم به أن نستطيع العمل معًا لنجعل منها بداية جديدة. شكرًا لجعلنا أكثر حياة، شكرًا لمجيئكم إلى ألمانيا.
*مؤلفة وناشرة ألمانية.