خالد سلامة
معظم الوافدين الجدد إلى ألمانيا لا يجيدون الألمانية، مما يضطرهم لدفع مبالغ طائلة للمترجمين. ثلاثة شبان مصريين طوروا خدمة ترجمة عن طريق الهاتف الجوال. ما الذي يجعل تلك الخدمة متفردة؟ وما الصعوبات التي تعترض آفاق تطويرها؟
منذ أكثر من سنة ونصف رُزق المصري محمد الطباخ (30 عامًا) وزوجته بابنتهما سارة. أثناء تواجدهما في قسم التوليد في المستشفى في مدينة نورينبرغ الألمانية، هرعت إليهما ممرضة طالبة العون في الترجمة للاجئة سورية لم تكمل أسبوعها الأول في ألمانيا. “كان الفريق الطبي تحت ضغط الوقت؛ إذ يجب أن تخضع السيدة لعملية قيصرية مستعجلة. ولا يمكن للأطباء إجراء العملية دون إمضاء الزوج على الموافقة الخطية”. سأل محمد نفسه: “ماذا لو لم يكتب القدر لنا التواجد في المستشفى في تلك اللحظة لمساعدة هذه الأسرة؟ هنالك مليون لاجئ في ألمانيا، كم موقف مماثل يحدث يوميًا معهم؟ كم مرة يقع أحدهم في العجز عن تلقي خدمة طارئة أو إنسانية بسبب مشكلة اللغة أو التواصل؟” تلك التساؤلات هي مخاض الولادة لفكرة مشروع ETCall، وهي اختصار لـ Emergency Translation Call ترجمة هاتفية في حالة الطوارئ.
مزايا عديدة
بالتعاون مع زميل دراسته الجامعية، خالد علي أبو شادي (26 عامًا)، ومهندس الكمبيوتر، محمد الصباغ (28 عامًا)، تم إطلاق تطبيق EtCall وهو موجود حاليًا في متجر Google ويمكن تحميله مجانًا على الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد. يوضح خالد علي أبو شادي، الذي اختارته مجلة الأعمال الشهيرة “فوربس” وهو في الثانية والعشرين من عمره من بين أكثر 30 شخصية مبادرة في أفريقيا، في حديث مع “مهاجر نيوز” الفلسفة الكامنة وراء مشروعهم: “رؤيتنا لا تقوم على مساعدة اللاجئين فقط، بل خلق وسيلة عملية وسريعة ومجانية وموثوقة لتمكين البشر من مساعدة بعضهم البعض”. وأكد خالد أن هدفهم ليس اللاجئين فقط، ولكن كل من يحتاج مساعدة بالترجمة من الوافدين والمهاجرين. ومؤخرًا انضم للمجموعة متطوع للعمل في المجال التقني ومتطوعين للمساعدة بالتواصل مع الهيئات الألمانية.
أُطلقت النسخة التجريبية في يناير/كانون الثاني 2017. “تطوع أكثر من 100 مترجم حتى الآن، ويستفيد من الخدمة حوالي 1000 مستخدم”، يؤكد محمد: التطبيق سهل الاستخدام ولا يحتاج لاتصال بالانترنت. ولا يكلف إلا مكالمة اتصال تلفونية عادية. كما أنه يمكن تحميله بسهولة على الهاتف الجوال ويوفر ترجمة في الحالات الطبية وفي الدوائر الحكومية والمؤسسات الاجتماعية ومجالات أخرى أيضًا.
حفظ الخصوصية
يشتكي الكثير من المتطوعين لمساعدة اللاجئين من عدم مراعاة واحترام بعض اللاجئين والقادمين الجدد لأوقاتهم وخصوصيتهم، إذ يقوم بعضهم بالاتصال بأوقات غير مناسبة وإعطاء أرقامهم لآخرين ووصل الأمر في بعض الحالات للإزعاج. مما دفع ببعض المتطوعين للكف عن تقديم العون للاجئين والوافدين الجدد. “لا يعرف المترجم والمستخدم رقم الآخر. ولا يتم الاتصال بالمترجم إلا في الأوقات التي تكون مناسبة له ومتفق عليها معه مسبقًا”، يوضح محمد آلية عمل البرنامج. المترجم المتطوع طارق حريري يضيف من وحي تجربته: “عندما تردني المكالمة، يتم التعريف أنها مكالمة من الخدمة ويُطرح علي السؤال: هل لديك الوقت للترجمة الآن؟ ولا يخلو الأمر من بعض سوء التفاهم؛ فقد يقوم المستخدم بإعطاء الجوال للطبيب أو الممرض دون أي مقدمات. وأحيانًا يكون الجوال بشاشة غير نظيفة. والألمان لديهم حساسية عالية وخوف من العدوى”.
وأشادت إحدى المستخدمات للخدمة وهي سورية وتُدعى غزالة بالبرنامج. وقالت في تصريح لـ”مهاجر نيوز” إنها والكثير من أصدقائها ومعارفها يستفيدون منه وإنها تستعين به عدة مرات في الأسبوع وأحيانًا مرتين في اليوم. “يجب أن يكون المترجم أمينًا ومحل ثقة؛ لدى زيارة الطبيب يطلع المترجم على أدق خصوصيات الإنسان. والخدمة توفر ذلك كون أن الشخصين لا يعرفان بعضهما البعض ولا يتبادلان الأرقام” تعلل غزالة سبب إقبالها على البرنامج.
القانون سيف ذو حدين
أكد بعض مستخدمي التطبيق رفض دوائر حكومية كـ “مكتب الأجانب” و”مكتب العمل” التحدث مع مترجم عبر الهاتف وتصر تلك الدوائر على إحضار مترجم بشكل شخصي، مما يرتب أعباء مالية لا قدرة للاجئ على تحملها. في حين أكد البعض الآخر أن بعض تلك الدوائر متعاونة في هذا الشأن. ويبدي الأطباء استعدادًا كبيرًا للتعاون في هذا المضمار، حسب آراء المستخدمين. “نعاني من عدم القدرة على صياغة المشروع بشكل قانوني ومؤسسي تقبله الهيئات الحكومية والخدمية الألمانية”، يعرفنا محمد بأكبر معضلة تواجههم. ويؤكد زميله خالد “إعجاب وانبهار” كل المؤسسات بالمبادرة، غير أنه “غالبًا ما يُطرح السؤال: ما هو الإطار القانوني والضمانات للحفاظ على الخصوصية”.
سعي دَؤوب لفتح آفاق جديدة
يؤكد القائمون على البرنامج أن “لا أهداف ربحية” لديهم. وهم يبذلون جهدًا ووقتًا كبيرين للتواصل مع هيئات حكومية وغير ربحية لتوسيع نطاق الخدمة وتطويرها. وعرض خالد المشروع في برلين بنهاية شهر مايو/أيار الماضي ضمن فعاليات The Think 20 Summit Berlin: GLOBAL SOLUTIONS. وهي فعالية قدم فيها شبان أفكار ورؤى لقادة مجموعة العشرين لمواجهة المشاكل والصعوبات التي تعترضهم. وحضر القمة وزير الدولة الألماني بيتر ألتماير. التقى خالد في المؤتمر بعدد من المسؤولين الحكوميين وفي مؤسسات المجتمع المدني و”أبدى الجميع انبهاره بالمشروع، إلا أنهم لم يقدموا وعودًا ملموسة”.
ومن وحي تجربتها ومعاناتها كلاجئة، تدلي السورية غزالة بدلوها: “حبذا لو يتم توسيع نطاق الخدمة وتطويرها لتشمل ترجمة رسائل البريد. يمكن إنشاء منصة تُرفع عليها الرسائل ليقوم المترجمون بإفهامنا مضمونها وكيفية الرد عليها”.
نشرت المقالة في موقع مهاجر نيوز