عبد الكريم الريحاوي
تمثل الحريات الشخصية في حقيقتها وجوهرها ومضمونها نقطة الارتكاز لجميع الحريات الأخرى.
ومن هذا المنطلق تأتي الحريات الشخصية في مقدمة الحريات العامة باعتبارها ضرورية للتمتع بغيرها من الحريات، بل تعد شرطًا في كثير من الأحيان لوجود غيرها من الحريات، إذ لا قيمة لإقرار حق الترشح أو الانتخاب لفرد لا يتمتع بحقه في الأمان والسلامة الشخصية في المجتمع على سبيل المثال.
الحريات الشخصية بمعناها الدقيق؛ هي حرية لصيقة بالشخصية الإنسانية، بحيث تتيح لها قيادة نفسها في الحياة الخاصة، وتمنكنها من المساهمة بإيجابية في الحياة الاجتماعية، فهي حرية غائيه (أي أن غايتها في ذاتها) كما أنها تسري على كل إنسان بصرف النظر عن موطنه أو مكان إقامته، ولا يجوز حرمان الفرد منها مطلقا تحت أي ذريعه، ولا يتطلب التمتع بها شروطًا خاصة بإستثناء نقص الأهلية (فقد الأهلية يقيد عادة معظم الحريات الشخصية حفاظا على الفرد والمجتمع بموجب معظم القوانين).
وحتى تصبح الحريات الشخصية فعالة وإيجابية واقعيا في المجتمع يجب أن تستند إلى مبدأين أساسيين (الحرية – والمساواة) فمبدأ الحرية يعني هنا القدرة على الاختيار الحر للأفعال الإيجابية والقدرة على ممارستها بالطرق والوسائل التي يراها الفرد مفيدة في زمن ما ومكان ما بشكل فردي أو بالتشارك مع أفراد آخرين، وهنا تبرز أهمية مبدأ المساواة الذي يتيح لجميع الأفراد فرصًا متكافئة لممارسة هذه الحريات، ويضمن لهم المساواة أمام القانون والمساواة في الرعاية والحقوق كافة.
لذلك باتت الحرية الشخصية ركيزة أساسية مهمة في الأنظمة السياسية الحرة القائمة على إرادة الشعب صاحب السلطة، وفي هذه الأنظمة السياسية تسعى الحكومات للحرص على حماية وصون هذه الحقوق بموجب القانون.
وغالبا ما نرى تشريعات واضحة تحمي هذه الحقوق في مواد الدستور في معظم الأنظمة السياسية (حتى الأنظمة الشمولية) غير أن الفرق يبدو جليًا في آليات التطبيق والحرص على سن قوانين تتوافق مع روح وجوهر المواد الدستورية أو تعطيلها وتقييدها.
وفي مقارنة بسيطة بين الدستور الألماني والدستور السوري النافذ تبدو الأمور واضحة جدا في هذه النقطة: جاء في الدستور الألماني:
“المادة 2 | الحريات الشخصية
- كل فرد له الحق في بلورة شخصيته بحرية، طالما أنه لا ينتهك حقوق الآخرين ولا يخل بالنظام الدستوري أو بالآداب العامة.
- كل فرد له الحق في الحياة، وفي سلامة شخصه، ولا يجوز انتهاك حرية الفرد، ولا يسمح التدخل في هذه الحقوق إلا بناء على قانون”.
وجاء في الدستور السوري:
“الحقوق والحريات | المادة (33)
1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم
2- المواطنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوق وواجبات يتمتع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون.
3- المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة .
4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين”.
وجاء في المادة (54 )
“كل اعتداء على الحرية الشخصية أو على حرمة الحياة الخاصة أو على غيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة، ولا تسقط الدعوى الجزائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم”.
لا يحتاج أي عاقل للكثير من الوقت ليدرك الفرق بين نظامين سياسيين تكاد المواد الدستورية المتعلقة بالحريات العامة والشخصية فيهما متطابقة، قام أحدهما بتقييد كافة الحريات المصانة دستوريا خلال الخمسين سنة الماضية بموجب حالة الطورائ التي أعلنها ما يسمى مجلس قيادة الثورة بالأمر العرفي رقم /2/ تاريخ 8 آذار 1963 وحتى نيسان 2011 ثم استعاض عنه بقانون مكافحة الإهارب سيئ الصيت، والذي لايزال النظام يحاكم بموجبه خيرة شباب البلاد بتهم تتعلق بممارستهم لحقوق دستورية تمت مصادرتها بموجب قانون ظالم.
ومن الواضح أن معظم الأنظمة الديكتاتورية في العالم (وبشكل خاص الدول العربية) تحرص على صياغة دستور يحتوي الكثير من الحريات الشخصية بمواد مشتقة غالبًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم تعود لسن قوانين محلية تصادر جميع هذه الحقوق، والدستور السوري النافذ حاليا خير مثال على ذلك، فجميع المواد الواردة في الفصل الرابع المتعلق بالحقوق والواجبات مشتقة ومتوافقة مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، لكن استلام حزب البعث للسلطة وقيامه بتعطيل العمل بالمواد الدستورية الخاصة بالحريات العامة وإحتكاره للنشاط والتمثيل السياسي والأهلي أدى إلى تصحر كامل في الحياة السياسية والاجتماعية وساهم في وأد الوعي الجمعي للمواطن السوري بأبسط حقوقه الأساسية المصانة دستوريا.
أما في الدول ذات الأنظمة السياسية الحرة كألمانيا، فإنها ترى في النصوص الدستورية الناظم الرئيسي لعملها، ويبدو الالتزام المطلق والاحترام الكامل لمواد الدستور من ضمن المبادئ الأساسية للمواطنة وبالتالي التمتع بممارسه كافة الحقوق والحريات الواردة فيها.
مقالات ذات صلة: