وفاء صبيح
استطعنا في “أبواب” بدءًا من “باب شرقي” مرورًا بـ “باب ألمانيا” وصولًا إلى “باب العالم” خلق مساحة من بياض. فسحة لسوريات ديمقراطيات، غير مثقلات بالطائفية، ولا الهوياتية الضيقة.
يعنيهن الوطن مدنيًا يغنيه التنوع. شابات بعيدات عن أدلجة الأحزاب ذات الشعارات اليابسة؛ على الرغم من أنى سأدعو في الأسطر اللاحقة إلى نوع من “التحزب”، ينظم جهودنا المشتتة في المغتربات ويخلق من الكم كيفًا ويحوله على منصات فاعلة.
“الحزب” الذي أدعو اليه أسَميه “حزب النجاح”، وهو يقوم على فلسفة استنساخ تجارب النجاح، وأخص هنا النجاح النسوي، وأدعو إليه انطلاقًا من الكتلة الوازنة من الكاتبات والمبدعات والمثقفات اللواتي ينثرن ياسمين أرواحهن على “أبواب”.
نجحنا في “أبواب” وهو أول نجاح مهني نوعي يضاف إلى رصيد السوريات في بلدان اللجوء. أول صحيفة بمعايير الاحتراف تصدر في ألمانيا، ومن خلالها تمكنت شرائح الجمهور المستهدف من التعرف إلينا كصحافيات وكاتبات وناشطات وأديبات ومثقفات وفنانات إلى آخر قائمة التميّز.
ينطلق “حزب النجاح” (وكأنني صدقت نفسي) من شعارات متواضعة قابلة وسهلة التنفيذ، ويمكن استنساخها لاحقًا في تجمعات السوريات أينما كن.
ابتعدت السوريات طيلة فترة وجودهن في أوروبا عن صناعة مشاريع تقوم فلسفتها على العمل وتنظيم الجهود الجماعية، لخلق أشياء ذات معنى، ولا يهم مضمون المشروع بقدر أهمية صناعة ثقافة العمل الجماعي التي خرجنا من سوريا دون أن نعرف منها إلا الاسم.
يؤمن الحزب (الأممي) أن العمل الفريقي هو مؤشر لدرجة تحضر الإنسان، ومقياس لمدى ديمقراطيته وإيمانه بالحرية. وهو في النهاية انفتاح على الآخر وتفاعل معه، بما يفضي إلى مخرجات من شأنها تخصيب الحياة العامة والخاصة للمشتغلين ضمن المجموعات الواحدة.
يدخل السوريون عامهم السادس في الدول المضيفة، لكن مخرجات العمل الجماعي تكاد تلامس مستوى الصفر. كم مشروعًا ثقافيًا تضامن السوريون في دول الاغتراب لتأسيسه؟
أشعر بعد ست سنوات أن كثيرين يلوكون مقولات الفشل والاتكالية وإلقاء اللوم على الغير. بعد ست سنوات من توفر “مستلزمات الإنتاج” و”الدعم” والتمكين” و”إتاحة الفرص” لجميع السوريين خارج بلادهم، بعد كل ذلك لا نسمع أو نقرأ إلا اخبارًا متقطعة عن “فلاش موهبة” هنا وتميز هناك، دون أن ننضم إليها لتوسيعها وتأصيلها وتكريسها.
نحن نشكّل ثلث عدد اللاجئين في العالم (13 في المئة يحملون الإجازة الجامعية والربع يحمل الثانوية العامة) ومحصلة الجهد، والأثر الذي نتركه في المجتمعات المضيفة صفر، والعمل الجماعي صفر أيضًا.
أدعو إلى العمل الجماعي الذي ينظم طاقات الإنسان السوري اللاجئ، دون أن يمنعه ذلك من إتمام عملية الاندماج في وطنه الجديد، كما لا يعد دعوة إلى الانغلاق بذريعة الخصوصية و”الحفاظ على الهوية”.
علينا أن ننجح حيث نحن. إذا لم ننجح حيث نكون، فلن ننجح في أي مكان في العالم. نحتاج إلى جمعيات وروابط وغيرها من هياكل المجتمع المدني لتنظم جهودنا وتعبّر عن إمكاناتنا وتطلعاتنا أيضًا، وكلمة السر في كل ما سبق هي الميل إلى العمل الجماعي، واختبار هذا النوع من التجمعات التي افتقدناها عقودًا، وها هي الآن متاحة أمامنا، في وسط وبيئة يغريان بخوض غمار التجربة.
“حزب النجاح” يدعو إلى المجاميع، البعيدة عن الفردانية. العباقرة كانوا فرادى، ونحن نرحب بهم في حزبنا لكن لا نضع توفر الميزة شرطًا للانتساب، يكفينا أن تتمتع المنتسبة بحلاوة العمل. في بريطانيا يقولون إن حزب رئيس الحكومة تيريزا ماي خسر الانتخابات البرلمانية لأنها استخدمت عبارة (بياني الرسمي) كثيرا، في تعبير لا ينم عن الجمع.
في “أبواب” نعمل ونكتب فرادى، لكن همّ المشروع ونجاحه واستنساخه جماعي، وقد يكون ذلك مردّ الصدى الطيب لـ “أبواب” بين السوريين في المغتربات والداخل. السوريون الذين يمجدون التجارب الجماعية ويدعمونها بالثناء الطيب، ولا يقولون مقولة الثعلب: هذا حصرم رأيته في حلب.