كيف تتعامل ألمانيا مع القاصرين؟ حوار مع المتحدّث الرسميّ بشؤون خدمات الشباب في هامبورغ، كلاوس بيتر بيرندت.
رشاد الهندي – هامبورغ
من هو كلاوس بيتر؟
أنا من مواليد هامبورغ، عمري 61 عامًا، أعمل في الشؤون الاجتماعية والسياسة، وفي مساكن ومؤسسات مخصصة للاجئين والمهاجرين، خبرتي مع المهاجرين واللاجئين تمتدُّ لأربعين عامًا. كما أعمل تطوعيًا كوصيٍّ للّاجئين القاصرين، وعضو في لجنة خدمات الشباب في حي ألتونا بمدينة هامبورغ.
كيف تتعامل ألمانيا مع القاصرين؟ ما وظائف هذه اللجنة وكيف يتم تشكيلها؟
بحسب القانون الألماني للشؤون الاجتماعية، يوجد في كل حي أو منطقة لجنة خدمات للشباب، وهي جزءٌ من دائرة خدمات الشباب، وتعمل سياسيًا وإداريًّا لتنظيم الخدمات في المنطقة المسؤولة عنها، وتتألف من 60% من ممثلي الأحزاب، و40% من أخصّائيي خدمات الشباب القاصرين، وأنا أمثلُ حزب اليسار في اللجنة والمتحدّث الرسميّ بشؤون خدمات الشباب في هامبورغ.
مع تدفق اللاجئين نحو ألمانيا في العامين الأخيرين وصل الكثير من القاصرين، كيف تتعاملون معهم وما هي الخدمات المقدمة لهم؟
نعمل مع القاصرين من مختلف الجنسيات ومنها الألمانية، ولدينا بالعموم فئتين:
– فئة القاصرين المصحوبين بذويهم (أحد الأبوين أو كلاهما)، وهؤلاء يتضمنون في رعاية العائلات، ولا يوجد فرق كبير بين رعاية العائلات الألمانية أو المقيمة في ألمانيا.
– فئة القاصرين غير المصحوبين بذويهم، وهي الأهم، حيث يتوجب تأمين دُور رعاية مختصة سواء للقاصرين الألمان أو المقيمين في ألمانيا. ويكمن دورنا في توظيف المصاريف المتزايدة بالشكل الأمثل كتوسيع رياض الأطفال والمدارس، وزيادة دور الرعاية والأندية والمؤسسات الاستشارية.
ما العدد الإجمالي للاجئين القاصرين غير المصحوبين بذويهم في ألمانيا وتحديدًا في هامبورغ؟
عام 2015 دخل ألمانيا نحو مليون لاجئ، شكّلَ الشبابُ القاصرُ نسبةً تقاربُ الثلث (300.000 قاصر) بينهم 30.000 غير مصحوبين بذويهم. 11.000 منهم قدموا طلبات لجوء لدى دائرة الهجرة، وفي هامبورغ وحدها لدينا 1500 لاجئ قاصر غير مصحوب بذويه والعدد بازدياد. أغلبهم يأتون من أفغانستان، سوريا، العراق، المغرب، مصر والدول الأفريقية.
كيف تتعامل ألمانيا مع القاصرين؟ الفرق بين اللّاجئ البالغ والقاصر خاصة غير المصحوب بذويه؟
إنّ متابعةَ شؤون البالغين تقع على عاتق دائرة الهجرة واللجوء حتّى البت في طلب لجوئهم، وبالنسبة للقاصر تقع على عاتق دائرة الشباب حتى يبلغ 21 عامًا. وفي حالات إستثنائية جدًا حتى سن 27، ومسؤوليتنا بالدرجة الأولى هي تأمين أماكن لهم في دور الرعاية المختصة ودمجهم بالمجتمع الألماني من خلال التعليم وبرامج خاصة. وعندها يُعاملون كبالغين، وتنتقل مسؤوليتهم إلى دوائر حكومية أخرى كمكتب العمل في حال حصولهم على الإقامة النظامية أو إلى دائرة الشؤون الاجتماعية ودائرة الهجرة في حال عدم حصولهم عليها.
ما مراحل رعاية اللاجئين القاصرين غير المصحوبين بذويهم؟
أولاً: يقوم مركز الرعاية الرئيسي الذي يستقبلهم (في هامبورغ يسمى خدمة طوارئ ورعاية الأطفال والشباب). بالتأكد من أعمارهم، إما عن طريق أوراقهم الثبوتية أو الفحوص الطبية في المشفى الجامعي بهامبورغ.
ثانيًا: يبحثُ مركز خدمة الطوارئ والرعاية عن مكانٍ مناسبٍ للقاصر في أحد دور الرعاية المختصة. مع مراعاة وضع كلّ قاصر وثقافته وشخصيته، ويتم نقل ملفه من مركز الطوارئ والرعاية إلى دائرة خدمات الشباب في الحي الذي يقطنه وتحديد موظفٍ معينٍ له من قبل هذه الدائرة.
ثالثًا: يتمُّ تعيين وصيٍّ رسميّ للقاصر عن طريق محكمة العائلات، ليقومَ بإنجاز معاملاته وتمثيله في المؤسسات والدوائر المختلفة. وهذه الوصايةُ الرسميةُ تتناول القاصرين سواء كانوا لاجئين أو ألمان. وهناك أيضًا نقصٌ في عددِ الأوصياء الرسميين، فقبل سنوات كان يتم تعيين وصيٍّ خلال أسبوع، بينما قد يستغرق الآن ستة أشهر. وقد يرعى الوصيُّ الواحد ما يقارب خمسينَ قاصرًا، وهو رقمٌ ضخم بالنسبة للمعايير الألمانية، فعلى الوصيّ متابعةُ القاصر وتمثيله في المدارس ودورِ الرعاية، وحتى مقابلته بين الحين والآخر للتواصل والتعارف.
ولكن هناك إمكانية لتعيين وصيّ خاصّ غير رسمي، من المتطوعين في المؤسسات والأندية المختصة بالشبابز وللقاصر الحق بطلب تعيين وصيّ خاص عن طريق مشرفيه الاجتماعيين في دار الرعاية. الذين يتواصلون بدورهم مع تلك المؤسسات، – وأنصح بهذا جدًا- حيث أن الوصيّ الخاص لديه الوقت الكافي لمتابعة شؤون القاصر. وفي حال وجود أقارب للقاصر في ألمانيا، يمكن تعيين أحدهم كوصيّ، ولكن بشروط، تبدأ بعدم وجود مخالفات قانونية. والقدرة على التعامل مع المؤسسات الرسمية.
رابعًا: يقوم الوصيّ بمتابعة إجراءات اللجوء أو الإقامة المؤقتة الممنوحة للقاصر. حتّى يحصل على الإقامة، وهذا شأنٌ قانونيّ تختصّ به المحاكم التابعة لدائرة الهجرة واللجوء.
خامسًا: بالتزامن مع انتقال القاصر إلى دار الرعاية، يقوم المشرف الاجتماعي بتسجيله في مركز المعلومات المدرسي. ريثما يتم إيجادُ مكانٍ مناسبٍ له في المدرسة ضمن فصولٍ تحضيرية. حيث يتعلم اللغة الألمانية بشكلٍ مكثف، بالإضافة لبعض المواد الأخرى. ليتمكن فيما بعد من ارتياد المدارس جنبًا إلى جنب مع أقرانه الألمان. ويمكن أيضًا تسجيله في دورة للغة الألمانية، وهذا يمثلُ خطوةً مهمة للاندماج مع المجتمع الألماني. حيث يتعرف على طبيعة البلد والمجتمع والنظام.
جدير بالذكر أنّ النظام الألماني لايفرّق بين القاصر الألماني واللاجئ أو المهاجر. حيث أن كافة الفصول المدرسية مختلطة، ذكورًا وإناثًا بغضّ النظر عن الجنسية والدين والثقافة والعرق.
كيف تتعامل ألمانيا مع القاصرين؟ ما أنواع دور الرعاية وما هي تكلفتها المالية؟
لكل ولاية نظامها الخاص، لكنها متقاربة إجمالاً، فمثلاً هناك دورُ رعاية بإشرافٍ كاملٍ على مدار الساعة. وبعضها بإشرافٍ جزئي، وغيرها بإشرافٍ محدود، حيث يتحمل القاصر جزءًا كبيرًا من المسؤولية ليعتمد على نفسه.
تختلف التكلفةُ من منطقةٍ لأخرى، ووسطيًا كل قاصر يكلف دافعي الضرائب في ألمانيا نحوَ 250 يورو يوميًا. بحسب نمط وطبيعة الدار والخدمات المقدمة. فمثلاً في حي ألتونا تم اعتمادُ ميزانية 40 مليون يورو لعام 2016 في مجال خدمات الشباب، ومن ضمنهم اللاجئين.
يعمل في دور الرعاية مشرفون مختصون، ومنذ عامٍ تقريبًا قامت عدة ولايات بتوظيف مشرفين من أصولٍ عائدة لنفس بلدان القاصرين. وذلك لتسريع عملية الاندماج، حيث يعمل هؤلاء المشرفون كجسرِ عبورٍ بين الثقافتين.
هل هنالك فروق بأنماط القاصرين القادمين إلى ألمانيا، وما المشاكل المترتبة على ذلك؟
هنالك عدة أنماط من اللاجئين القاصرين: مثل لاجئي الحرب، اللاجئين لأسبابٍ اقتصادية، وهناك شريحة الأطفال المشردين. وهم قاصرون نشأوا دون عائلةٍ في بلدانهم فلم تتح لهم فرصة التعرف على نمط حياة آخر. ويعتاشون من الإجرام كالسرقات والمخدرات والدعارة.
لكل نمطٍ مشاكله الخاصة، وجميعهم بالعموم يحتاجون للرعاية النفسية. فلاجئو الفقر مثلاً غالبًا ما يسلكون طرقًا صعبةً في رحلات الهروب برًا أو بحرًا يعانون خلالها الكثير. بينما يفتقد الأطفال المشردون أصلاً لمعنى العيش ضمن نظام محدد. ولا ثقة لديهم بالمجتمع.
لكنّ مشكلتنا الرئيسية تكمن في تعامل السّاسة مع هؤلاء القاصرين، حيث تطرح بعض الأحزاب إمكانيةَ فرز اللاجئين القاصرين كما البالغين. بينما تتبنى أحزابٌ أخرى فكرة تسفيرهم إلى بلدانهم في حال ممارستهم لأعمالٍ إجرامية. وأنا شخصيًا ضد ذلك العقاب المزدوج، بمعاقبتهم حسب جرمهم ومن ثم تسفيرهم. مما لا يتناسب مع فلسفتنا القانوينة والإنسانية.
لوحظ مؤخرًا في بعض الولايات المماطلة في البتِّ بطلبات لجوء القاصرين السوريين غير المصحوبين بذويهم، ريثما يبلغون الثامنة عشرة مما يحرمهم من حقّ لمّ شمل العائلة، هل لديكم معلومات حول هذا الموضوع، وبماذا تنصح في هذه الحالات؟
لقد وصلتنا عدةُ شكاوى بهذا الصدد، وقد حدثت في دوائر هجرة محددة في ألمانيا. لا نعلم بعد إن كان ذلك متعمّدًا أم لا، لكنّ دائرة الهجرة الرئيسية في نورنبيرغ لم تصدر أية قرارات أو تصريحات حول هذا الموضوع. وبشكلٍ عام أنصح القاصر (عن طريق الوصيّ) بتوكيل محامٍ مختص بإجراءات اللجوء مدفوع التكاليف من قبل دائرة الشباب. لبحث هذا الأمر وتقديم شكوى في حال المماطلة.
في ألمانيا يوجد ما يعرف براتب الأطفال (كندرغيلد)، كيف يتم الحصول عليه، وما المعدل الوسطي؟
راتب الأطفالِ حقٌ لكلّ قاصر حاصل على الإقامة أو الجنسية في ألمانيا حتى بلوغه الثامنة عشر. ويختلف مقداره من ولايةٍ إلى أخرى، يتم التسجيل عليه عبر صندوق العائلات، ولكن يتم خصمه في حال كان الأبوان عاطلين ويحصلان على مساعداتٍ من مكتب العمل، أما في حال ممارسة أحد الأبوين لعملٍ ما، فيتم صرفه كاملاً، لتشجيع الأهل على العمل.
ليلةَ رأس السنة حصلت اعتداءاتٌ وتحرشات جنسية جماعية في كولونيا وهامبورغ ومدنٍ أخرى، ويُعتقدُ أنّ بعضَ المعتدين من طالبي اللجوء، وشريحة كبيرة منهم من الشباب، ما رأيك بالموضوع، كيف نواجه هذه المشاكل؟ وكيف ترى المزاج العام الألماني بعد الاعتداءات؟
مجتمعنا يعتبر المساواة بين الرجل والمرأة من المقدسات، التي لا تحتمل أيّ استثناء يستند إلى الثقافة أو العرق أو حتى الدين، ويدافع لأقصى الحدود عن حقوق المرأة، ويرفض العنف بكافة أشكاله، بالتالي لا يمكن قبول أو تفهم هذه الاعتداءات من أيٍّ كان، شخصيًا أعتبر هذه التحرشات فاشية ذكورية ولا يمكن تبريرها بمقولة إنها نتاج ثقافات مختلفة، نحن هنا نتحدث عن حقوق الإنسان مهما اختلفت ثقافته. المزاج العام متوتر، وما حصل سيؤثرُ سلبًا على الانتخابات هذا العام، حيث تحاول الأحزاب اليمينية استغلال الاعتداءات في مناهضة اللاجئين، وهناك أيضًا نقاشٌ حادّ على المستوى السياسيّ بخصوص تشديد قوانين اللجوء في ألمانيا، وللأسف لست متفائلاً مع تقدم الأحزاب اليمينية في كامل أوروبا.
لذلك على الجميع بمن فيهم اللاجئين إنشاء مبادرات توعية ضدّ الاعتداءات، وهنا أُذكّر أننا استطعنا في ألمانيا تجاوز الجزء الفاشي البغيض في تاريخنا، حيث شعر كل شخص -بغض النظر عن دوره- بالمسؤولية تجاه ما حصل، وعمل على نبذ العنصرية.
من المؤسف أنّه لم يصدر عن ممثلي الجاليات العربية والمسلمة والمؤسسات الدينية موقف واضح وصريح من الاعتداءات، ورغم ثقتي بأن أغلبهم ضدها، لكنّ دورَهم تجاه اللاجئين لم يكن فاعلاً، لذا أنصح بتكثيف تواصل هذه المؤسسات معنا لتقوم بدورها بتمثيل جالياتها، وتطوير المنظماتِ الداعمة للاجئين وتعزيز اندماجهم. ونظرًا لأهمية الدور الديني، لابدّ من توجيه خطاب المساجد نحو هذه القضايا، خاصةً أن الإسلام يرفض بشكلٍ قاطعٍ الاعتداء على المرأة. من جهةٍ أخرى أحثّ اللاجئين على التواصل مع النشطاء الألمان المعنيين بحقوق الإنسان والمرأة، والمشاركة بفعالياتهم المختلفة لاسيّما المقامة حاليًا ضدّ الاعتداءات، خاصةً أنّ هؤلاء النشطاء يدافعون عن حقوق اللاجئين ضد العنصرية والأحزاب اليمينية.