سعاد عباس. رئيسة التحرير
كان العنوان العريض الحب، لكننا في الحقيقة لم نتطرق للحب إلا قليلاً، كان الجميع يفكر بكيف نصل إلى تلك المرحلة؛ ما قبل الحب بقليل. فبساطة أيام زمان “نظرة فابتسامة فموعد فلقاء” تبدو نكتةً لنا نحن من تجاوزنا الأربعين، أما الأكثر صبا منا فلم يسمعوا ربما بهكذا مثل.
نساء ورجال كثر، لا أجرؤ على تخصيص وصف محدد لأن لا شيء يحددهن/م، أعمار خلفيات ثقافات أدوار واهتمامات متفاوتة، جمعني “الفيسبوك وزوم” بالبعض، ولقاءات ومشاوير في الهواء الطلق جمعني بالبعض الآخر، وهنا بعض من أحاديثنا..
هل غيّرَنا المكان أم الطريق إليه؟
الحياة الزوجية تغيرت عن السابق، تقول “وداع ألمشني”، إن اللجوء فتح أبواباً أمام النساء والرجال ليتعرفوا على أنفسهم أكثر، وصار بمقدور حتى من كان غارقاً في بلاده أن يجد هنا فرصاً للتطور والحياة بشكلٍ مختلف. المرأة والرجل هنا متساويان بكل شي ولها الحق بالتعبير عن رأيها بدون تخوفات أو نظرة متخلفة من قبيل “أنت ضلع قاصر لا يُعتمد عليكِ وتحتاجين رجلاً يسندك”.
تقول وداع: “إن الروتين والأوراق والقوانين والطلبات والمواعيد كان لها تأثير كبير، فالتقدم الملحوظ للمرأة في تعلم اللغة والاندماج والانخراط بسوق العمل أثار خوف بعض الرجال؛ هذه السرعة والشطارة ستخلق “جو نكد في البيت”، لأن هذه المرأة التي تسعى جاهدةً لتحسين وضعها “بطلت خدامة سي السيد”، وهنا وبمجرد أن تعترض المرأة على أسلوب تعامل زوجها، أو تمارس حقها في اختيار لبسها أو أسلوب حياتها، ستسمع كلمات من قبيل: “عم تطلع عن شوره، وعم تصير أوروبية”
تعتبر سارة أن رحلة اللجوء بحد ذاتها تركت آثاراً نفسية وجسدية كبيرة على الجميع: “أنت بعدها أبداً لست نفس الشخص الذي كان قبلها، فكثير من المجالات في حياتك وتفكيرك سوف تتغير ومن المؤكد أن الحب والعاطفة واختيار الشريك هي إحدى هذه المجالات. لقد تغيرت معاييري للأفضل، شخصيتي ونظرتي للحياة تطورت، وبحكم عملي كمغنية وموسيقية أنا بحاجة إلى مساحة كبيرة للإبداع والحرية ولا أريد شريكاً لا يحترم ذلك”.
قد يكون تدهور العلاقات ناتج عن وصول أحد الشريكين إلى ألمانيا مثلاً بينما استغرق وصول الآخر سنوات طويلة بسبب إجراءات لم الشمل، والأثر الكبير هنا يتبدى في أن كلاً منهما أو أحدهما قد يكون تغير كثيراً في فترة البعد هذه ومن هنا ينشأ شرخ قد يصعب ترميمه وقد يقود إلى الانفصال.
كيف أثر اللجوء والحرب والغربة علينا نساءً ورجال في خيارات الحب والزواج وقرارات الانفصال أو الارتباط؟
من جهتها شذى، تعتبر أحد أهم أسباب الطلاق هو عدم تسامح الطرفين تجاه بعضهما البعض، فكلاهما يعيشان ضغوطاً كبيرة ويعانيان الخوف من الارتباط، إضافةً إلى قلة أو انعدام الثقة بالآخر أحياناً.
هناء الأشقر تعتبر أن غياب العادات والتقاليد التي تحكم مجتمعاتنا وتقيدها، سهّل الطلاق: “كل علاقة زوجية تمر بهزات ومشاكل، لكني أرى هنا في ألمانيا أن كلمة “طلاق” هي حل لأي مشكلة مهما كان حجمها، لعدة أسباب منها أن كلمة “مطلقة” ليست كلمة معيبة مثل ماهي في مجتمعاتنا وأن المرأة هنا حرة اقتصادياً وليست بحاجة إلى أحد، ولا يستطيع الرجل هنا أخذ حضانة الأطفال كورقة ضغط على الأم”.
النقطة الثانية أن الجيل الجديد الذي عاش ويلات الحرب وانحرم من أبسط الأمور، يريد هنا أن يعيش ما تبقى من حياته وأيامه المسروقة، لذا فإنه يهرب من الزواج والارتباط ، ولكن عدا عن كل ذلك، أرى أن القلوب قست كثيراً وأصبحت أسهل كلمة على لسان الناس “اي قطاع كرت والله معو” ما يعني أنه لم يعد هناك محسوبيات إنسانية مثل (العِشرة)”.
فاروق.ف، يشرح الصعوبات التي واجهها في علاقته السابقة مع فتاة كانت تدرس في مدينة أخرى، “لقاءاتنا كانت متباعدة بحكم المسافات، ثم أصبحت اهتماماتنا مختلفة، أنا أحب السهر والحياة الاجتماعية الصاخبة والرحلات، بينما تستكين هي أكثر فأكثر للدراسة والعمل والاكتئاب أحياناً، وهذا ما لا أحتمله على الإطلاق.” لا يدعي أيهم أن خياراته أفضل، لكنه يخشى السقوط في الكآبة، ولذلك قرر الانفصال عن خطيبته، وهو أمر ما كان سيقوم به في سوريا على سبيل المثال، لأنه لن يرغب بأن تتعرض الفتاة لأي ضغوط من عائلتها ومحيطها المحافظ، أما هنا فهو لا يبالي بأن يكون هو المتهم بأنه مستهتر وغير مناسب للحياة الزوجية.
“أتمنى لو أنني جئت إلى ألمانيا قبل عشر سنوات، لما كنت تزوجت، وكنت سأعيش حياتي بالطول والعرض”، هذا لسان حال دريد اسماعيل وهو أبٌ لطفلين، ولعله رأي كثير من الشبان الذين مازال الخيار مفتوحاً أمامهم ليفلتوا من قيود الارتباط. لا يفكر بالطلاق لكنه يؤكد في كل مناسبة على أنه ليس سعيداً في حياته الزوجية، ويحاول إقامة علاقات جانبية من حينٍ لآخر، لكن هذا أصبح هنا أكثر صعوبةً، فرغم أن البلد هنا متحرر إلا أن النساء لسن بحاجة لإقامة أي علاقة لا تضمن كرامتهن وحريتهن ومستقبلاً أفضل.
تشير سارة إلى الانتقادات التي يوجهها كثير من الرجال تجاه “المرأة السورية” التي وصلت إلى أوروبا لتطالب بالطلاق، وتعلق على الأمر بأن العديد من النساء كن مضطرات للصبر على ظروف مهينة في الحياة الزوجية، وكنّ يصبرن لعدم وجود خيارٍ أمامهنّ سوى اللجوء لبيت العائلة، في حين أن وجودهنّ في دولة أوروبية يقدم لهنّ الحماية القانونية والضمان الاجتماعي للعيش الكريم لهنّ ولأطفالهنّ بعيداً عن سطوة الرجل لاسيما المعنِف. وإن إقدام عدد كبير من النساء على خطوة الطلاق إنما هو مؤشر على وجود سبب قوي وعامل مشترك أدى لهذه النتيجة.
أيها الباحثون عن الحب.. كيف تجدونه؟ وكم ضاقت بكم السبل؟
يؤثر الشعور بالوحدة سلباً على اختيار الشريك برأي دعاء الحافظ، وهذا بدوره قد يؤدي إلى “الوقوع بوهم الحب”، وقد يكون أحد أهم أسباب الزواج بالنسبة للشباب حالياً هو سد الشعور بالعزلة والفراغ والحاجة للحنية والاهتمام.
وربما يصلح كلام دعاء تماماً لتوصيف حالة أيهم الذي نجى من رحلة طويلة بعد الحرب، ولم يستطع بعد أن يستقر في عمل معين، يتطور ببطء في تعلم اللغة، وهو وحيد فيما عدا أصحاب المرح. وجود حبيبة هو أهم هاجس لديه الآن، لكن مع إغلاق كل شيء لا يعرف أين يمكنه إيجادها، لا يستطيع التودد للصبايا اللواتي يتعرف عليهنّ عن طريق أصدقاء أو في الحفلات لأنهن ببساطة قليلات وغالباً مرتبطات، يتعرف على الفتيات عبر الفيسبوك، ويقول أن شعوره كشاب مطالب دائماً بالمبادرة والبحث أنهكه، عدا عن تكرار الرفض، وها هو الآن يسير قدماً نحو تطبيقات المواعدة ويبدو متفائلاً بأنها على الأقل ستكون تجربة جديدة.
لا تبدو تطبيقات التعارف خياراً مرغوباً بالنسبة لكثير من الفتيات اللواتي التقيتهنّ، سلافة يحيى لا تثق بهذه البرامج لأنها تعتمد على المظاهر والتصنع والادعاء بشكل أساسي، وتعتقد أن الفيسبوك قد يكون مكاناً أقل سوءاً للقاء، لأنه يتيح مساحة لمعرفة اهتمامات الشخص وأصدقائه وحتى عائلته عدا عن آرائه وطريقة تفكيره في الكثير من القضايا على عكس التطبيقات الأخرى.
وبالنسبة لها التطبيقات ليست خيار، لاسيما أن مدينتها غنية بالأنشطة والفعاليات العربية التي تتيح التعارف، كالمعارض والأمسيات وحتى المكتبات العامة ومدارس اللغة أو الموسيقا والمنظمات الألمانية العربية المشتركة، كلها أماكن لقاء محتملة لبناء علاقات إنسانية.
برأي عبدالإله زرار، صعوبات اللقاء ناتجة عن المسافات المتباعدة، الأشخاص الذين نتشارك معهم الأفكار تهجروا إلى أصقاع الأرض، وإيجاد شريك يشبهنا صعب جداً ضمن فئات لا تشبهنا. نحن هربنا من بعض الفئات في سوريا لأجدها هنا أمامي، ولا يمكن أن تتطابق أفكارنا مع بعضنا.
وهنا المرأة حرة لن تقبل بأي كان، في سوريا من لا تعجبه ابنة خالته يتزوج من ابنة عمته. ولأن أعدادنا هنا قليلة تقل فرص إيجاد الشخص المناسب.
أنا متدين أحاول حماية ديني وتقاليدي، ويفاجئني أن المرأة السورية هنا تخلت عن هذه القيم، أنا أحترمها بالطبع ولكن لا يمكنني الزواج بها، ولن نستطيع أن نبني عائلة معاً. يخطط عبد للزواج من فتاة في سوريا، تعرف عليها على الفيسبوك عن طريق معارف مشتركين، يعرف أن إجراءات لم الشمل معقدة وقد تستغرق سنوات، لكنه مع ذلك سيقدم على الأمر، فهو بالنسبة له خيارٌ مضمون لمستقبل عائلي مريح أكثر من احتمالات أن يجد هنا فتاةً تناسب تفكيره. “أريد فتاةً لم ولن تغيرها أوروبا، تفهمني”
تعتبر وداع أن فكرة الزواج بحد ذاتها أصبحت أنضج، وهذا انعكس على الطرفين رجالاً ونساءً في صعوبة إيجاد الشريك، لأن معنى الشراكة تغير، فالمرأة خرجت من الدائرة وأصبحت تقول أنا لا أريد (ذكراً) إنما أريد شريك حياة بما تحمله الكلمة من معنى “فهي تبحث عن زوج يشاركها الحلوة والمرة وليس عن زوج يهديها “دبدوب أحمر” ويقول بعدها (حطيلي صحن الاكل وضبي صحن الاكل)”. وفي المقابل ستزداد الصعوبات أمام الشباب الذين يرفضون التغير ويتشبثون بفكرة “الصبايا غيرتهن أوروبا”.
تعتبر يمان. أ أن خيارات الارتباط في سوريا كانت محكومة بنسبة كبيرة بالناحية الاقتصادية والمادية، فالشاب والصبية كانا متفقان على أن الرجل يجب أن يكون مستقراً مادياً إلى حدٍ ما. في حين أن التواجد في ألمانيا منح مرونةً أكبر للطرفين، بسبب الأمان المادي النسبي، والذي من ناحيةٍ أخرى أتاح للمرأة التخلي عن أي علاقة لا تناسبها مهما كانت الأعباء المادية.
تعتقد عروبة صاصيلا أن هناك حلقة مفرغة يبحث عنها جيل الشباب المهاجر من الشباب والصبايا، وهي معرفة الآخر بشكل جيد على اعتبار الظروف هنا غير مهيأة للتعارف: “العديد من الشبان في ألمانيا يعانون من صعوبات في الارتباط، بسبب صعوبة الالتقاء بالدرجة الأولى، ألمانيا كبيرة والجالية السورية توزعت على امتدادها، والعلاقات بالغربة ليست بالسهولة التي كانتها بسوريا فهناك يوجد فرز اجتماعي طبيعي، وبالتالي تلتقي كل شريحة مع بعضها بسهولة. الفتيات من جهتهنّ لا يرغبن بالزواج ويفضلن الاستقلالية، عدا عن الطلبات المادية التعجيزية التي يطلبنها، ولا يمكن الاستهانة بمسألة المهور والمبالغ الضخمة التي قد تصل إلى 20 ألف يورو”. وهنا تشير عروبة إلى أن كثيراً من الرجال يفضلون التمسك بفكرة المهر أو القوامة لما في ذلك من حماية لسلطتهم أو “دورهم البطولي الذي اعتادوه بغض النظر عن مستواهم وثقافتهم، فالموروث أقوى من العوامل الأخرى”
هل يأبه الحب بجنسية أو لغة أو ذاكرة؟
تستبعد سلافة.يحيى أن تتمكن من الارتباط بشخصٍ لغته مختلفة، في الحب لا شيء أهم من طريقة التعبير، يصعب دوماً ترجمة المشاعر وبذل جهد لترتيب وترجمة جملة قد تكون غير مهمة. وهذا لا ينفي أن هناك علاقات بلغات وجنسيات مختلفة قد نجحت.
سارة: “أكيد الحب لا يعرف جنسية أو ذاكرة.. بس للأسف يعرف لغة” أثناء أي نقاش أو انفعال قد يعجز المرء عن إيجاد كلمات معبرة عن المشاعر.