دينا أبو الحسن
يعد عمل المرأة واستقلالها المادي شرطًا أساسيًا لحريتها واستقلالها الذاتي، إلا أن البحث عن عمل في بيئة غير مألوفة يصطدم بمصاعب كثيرة، تبدأ باللغة ولا تنتهي بإيجاد فرصة عمل مناسبة.
لمساعدة اللاجئات واللاجئين الباحثين عن فرصة عمل في ألمانيا أنشئ في برلين مركز جوب بوينت، الذي يقدم خدمات مجانية للراغبين في العثور على وظيفة في سوق العمل التنافسي في العاصمة.
فكرة المركز ليست جديدة، فقد كانت هولندا سباقة إليها، وفقًا للسيدة روكان ملص، المستشارة المهنية المتنقلة في المركز. تقول روكان: “طريقة العمل هنا تشبه التسوق في محل تجاري، إلا أنه يهدف إلى مساعدة الزبائن في البحث عن عمل. تستطيع الشركات الإعلان لدى المركز عن الشواغر المتوفرة لديها مجانًا، ويتم تعليق هذه الإعلانات على لوحة الحائط، حيث يمكن للزائر الاطلاع عليها والبحث عن وظيفة مناسبة والتقديم عليها.”
كما يوفر المركز للمراجعين خدمة المدربين التوظيفيين، الذين يقدمون استشارات فردية للباحثين والباحثات عن العمل ممن يحتاجون إلى تعلم كيفية التقدم للوظائف وتقديم أنفسهم بشكل جيد، وتشمل هذه الخدمات تعليم المتقدمين كيفية كتابة السيرة الذاتية ومساعدتهم في تحديد ميولهم ورغباتهم الوظيفية. يساعد المدربون أيضًا في اختيار الوظائف المناسبة للمتقدم، وتحضيره لمقابلة العمل.
مع ازدياد عدد اللاجئين واللاجئات في برلين في الفترة الماضية، استحدث المركز وظيفة “المستشار المهني المتنقل”، حيث يقوم هذا المستشار أو المستشارة بزيارة اللاجئين في أماكن إقامتهم في المخيمات لتقديم الاستشارات لهم هناك، حتى قبل حصولهم على الإقامة. تم تعيين ستة مستشارين متنقلين من الجنسين، اشترط أن يكونوا من المتحدثين بالعربية للتواصل مع اللاجئين بلغتهم، وبحيث يحملون نفس الثقافة ليكونوا أكثر قربًا من اللاجئين وهمومهم.
يعود المركز إلى شركة تحمل اسم غيسبت، وهي تنقسم إلى قسمين، أحدهما يقدم الاستشارات بشأن متابعة التعليم والتدريب، والآخر وهو جوب بوينت، يساعد في العثور على فرصة عمل في ألمانيا إذ تنحصر مهمته في اللقاء مع اللاجئين ومحاولة إيجاد عمل لهم يتناسب مع ميولهم وما يودون القيام به، ويوجد للمركز ثلاثة فروع، في نيوكولن وشارلوتنبورغ وبرلين ميته.
ضمن نطاق عمله، يهتم المركز بمساعدة اللاجئات بشكل خاص، كونهن كثيرًا ما يحجمن عن العمل لما سمعنه عن الصعوبات المتوقعة في العثور على وظيفة. تعمل في المركز والشركة الأم 29 امرأة مقابل 20 رجلاً، فهم يدركون حاجة النساء إلى التواصل مع امرأة قد تكون أكثر قربًا إليهن في أحوال كثيرة.
تلتقي روكان ضمن عملها بعشرات النساء في المخيمات، وتبدي بعضهن الرغبة في العمل، وهنا تنصح بزيارة المركز، ويتم تحديد موعد لها. تقول روكان: “عندما تأتي امرأة لتبحث عن عمل عن طريقنا، فإن أول ما نقوم به هو الاطلاع على نوعية إقامتها، حيث يسمح بالعمل لحاملات إقامة اللجوء، بينما يتطلب ذلك موافقة قسم تسجيل الأجانب (أوسلاندر بيهورده) بالنسبة اللاجئين الذين يحملون أنواع أخرى من الإقامات.” وتتابع: “بعد ذلك، نطلع على مؤهلاتها وما تحمله من شهادات دراسية وشهادات خبرة، ونقوم بالبحث ضمن قاعدة البيانات الضخمة للوظائف المتوفرة عن فرصة عمل ملائمة، حيث يتوفر لدينا حاليًا نحو 2500 وظيفة شاغرة”.
بعد حصر الفرص المناسبة واتخاذ صاحبة الشأن قرارًا بشأن ما ترغب في تقديم طلب توظيف إليه، تقدم لها المساعدة لكتابة سيرتها الذاتية بشكل مهني، لأن السيرة الذاتية تعد أول نقطة اتصال مع الشركة التي يرغب الشخص في العمل لديها، وفرصته الأولى في ترك انطباع جيد لدى أصحاب العمل ومدراء شؤون الموظفين في الشركات. وإذا طلبت الشركة مقابلة شخصية مع المتقدمة، يتم تحضيرها لهذه المقابلة، كما يمكن لإحدى الموظفات في المركز مرافقتها إلى أول لقاء مع صاحب العمل إذا لزم الأمر.
أما عن متطلبات العمل، فتفيد روكان إن أهم المتطلبات تبقى دائمًا الحد الأدنى من إتقان اللغة الألمانية، أي إلى مستوى A2 أو B1 على الأقل، حيث لا يمكن دونها العثور على عمل لائق أيا كان نوعه.
“لا بد أن يتمكن المدراء والزملاء في العمل من التواصل مع الموظفة أو الموظف بشكل جيد، وهذا غير ممكن دون التمكن من اللغة. كل عمل وكل خطة عمل في ألمانيا لا بد أن تبدأ من اللغة، ويحاول الألمان كثيرًا مساعدة من يبدي محاولة جادة لتعلم اللغة”.
وتنصح روكان الراغبين والراغبات في تعلم اللغة بممارسة حياتهم اليومية باللغة الألمانية قدر الإمكان. “عليهم الاستماع إلى اللغة الألمانية بشكل دائم، مثلاً عبر الراديو والتلفزيون في المنزل، ومحاولة الإصغاء حتى أثناء القيام بأعمال أخرى. هذا يساعد في تمرين الأذن على سرعة التحدث وتمييز المفردات والقواعد والتآلف مع اللغة بشكل عام. كما أن عليهم الحديث قدر الإمكان بالألمانية دون القلق من ارتكاب الأخطاء، فهذا أمر طبيعي ومقبول في الفترة الأولى إلى أن يتقن المتحدث اللغة بشكل جيد”.
يمكن أيضًا زيارة أي مكتبة عامة والاشتراك بها، حيث تتوفر مجموعة هائلة من الكتب لكافة المستويات، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الصوتيات والأفلام التي يمكن مشاهدتها. هذه الكتب والأفلام تساعد إلى حد كبير في ترسيخ ما تعلموه في دورات اللغة، والتقدم في هذه الدورات بشكل أسرع.
وتنصح روكان القادم الجديد بعدم تأجيل تعلم اللغة، بل الإسراع في ذلك قدر الإمكان، دون أن يثنيه عنها ما سمعه من صعوبة هذه اللغة. “فكر دائمًا في أن غيرك قد تعلمها وأتقنها، وبالتالي تستطيع أنت ذلك، بل إنك قد تجد متعة في تعلمها”.
وهي تؤكد أن “الألمان”يفضلون التعامل مع من يتحدث بألمانية ضعيفة على من يتحدث باللغة الإنكليزية بطلاقة، مثلاً، فهم يحترمون مجهود من يسعى لتعلم لغتهم”، ولذا قد يجد من يتحدث الألمانية فرصًا أكبر في الحياة وإيجاد فرصة عمل في ألمانيا وتقبلاً أكبر من الآخرين.
أما بخصوص فرص العمل المتوفرة للنساء، فهي تكثر في مجال الرعاية الصحية كالتمريض ورعاية المسنين ورعاية الأطفال والتدريس، وهناك عدد كبير من الوظائف الإدارية التي تتطلب إلمامًا بالكومبيوتر بالإضافة إلى المعرفة باللغة طبعًا. وتقدم الشركات دائمًا فترة تدريب للموظف الجديد كي يتعود على طريقة سير الأمور في الشركة.
يمنع القانون الألماني التمييز بين الرجال والنساء في فرص العمل والرواتب، لكن بعض التجاوزات تحدث أحيانًا من قبل أصحاب العمل. كما يمكن لذوي الاحتياجات الخاصة التقدم لفرص عمل موائمة لقدراتهم، حيث يمنع القانون أيضًا التمييز على أساس الإعاقة، كما لا يجيز التمييز على أساس العرق أو الدين أو المظهر، كالحجاب مثلاً.
وتختتم روكان: “في حال تعرض المتقدم للعمل إلى تمييز من أي نوع، فبإمكانه اللجوء إلى القضاء، إلا أنه قد يكون من الصعب إثبات حدوث هذا التمييز بالفعل. يبقى أن متابعة المحاولة ضرورية، فقد لا تأتي الوظيفة من أول طلب أو مقابلة، وهذا لا يعني أن الشخص غير مؤهل، بل أن عليه مواصلة المحاولة لحين إيجاد العمل”.
صحافية سورية.