ولاء خرمنده
بوجه لطيف الملامح وعريض الابتسامة تطل عليك لونا الرفاعي من كل صورها، تارة تحمل صحن فلافل، وأخرى قافزة في الهواء، وثالثة مرتدية أنف مهرج أحمر، وستتنقل بين عشرات الصور مبتسما دون قصد أمام شخصية ظريفة، مرحة وعفوية، سيتضاءل ميلها للمزاح فقط في الصور التي التقطت لها في لحظة غناء، حيث الفم مفتوح والحاجبان ملتصقان بما يشي بدرجة “سلطنة” عالية، ورغم أن انطباعاتك الأولية هذه لن تخطئ إلا أنك ستكتشف أبعادًا أخرى كلما قشرت الوقت في الحديث معها والبحث عنها، كالقوة، الفاعلية، التوازن، روح المبادرة والكثير غيرها.
ولدت لونا قبل 24 عاما في الأردن لأم سورية وأب عراقي كانا قد التقيا في ليبيا.
بجانب تعليمها الأكاديمي بدأت بتعلم الموسيقا في عمر مبكر، ولاحقا درست عزف البيانو، ثم بدأت بإعطاء دروس أثناء دراستها الجامعية، وكانت عضوا في كورال “آمان” لتنفصل عنه لاحقا تحت ظرف السفر، كما أنها تعمل مع موقع “إعزف. كوم”، وهو أول موقع عربي على شبكة الانترنت يقدم دورسًا مصورة في العزف يمكن للمهتمين أن يشتروها الكترونيا، “الموسيقى غذاء روحنا، وثورة تمنحنا الحياة” وصف لونا هذا قد يبدو ممجوجا لولا تبنّيها الواضح له في حياتها اليومية، فقد شاركت بالعديد من الورشات التطوعية التي حاول القائمون عليها تقديم الدعم النفسي للأطفال السوريين في مخيم الزعتري في الأردن من خلال الفنون، كما أنها جزء من مشروع “بتمنى” الذي بدأته الناشطة الإسبانية إليسا مارفينا بالقيام بورشات لأطفال من عدة جنسيات يكتبون فيها رسائل للأطفال السورين ثم تنظيم ورشات في الأردن ليكتب الأطفال السوريون ردودا عليها، لاحقا تطور الأمر ليشمل ورشات متعددة تعليمية وترفيهية، في الرسم والموسيقا والتصوير الفوتوغرافي وكذلك في الزراعة، وقد كان دور لونا في ورشة الموسيقا التي تقوم على جعل الأطفال يألفون أغان من كلماتهم وألحانهم وتساعدهم على صقلها باستخدام الأكورديون كما تشكل كورال صغير من مجموع الأطفال، وهي تتابع العمل مع “بتمنى” حتى بعد وصولها لألمانيا، حيث أقيم معرض يخبر الناس بنتاج هذه الورشات التي أقيمت في دول الجوار لسوريا في برلين أواخر شهر فبراير الماضي، وأكدت لونا أنها ستتابع عملها هنا بتقديم كل مساعدة ممكنة للاجئين، وهذا ما سبق وفعلته في الأردن أيضا حيث لم تقتصر جهودها على تقديم الدعم النفسي بل كانت جزءا من مجموعة “عهد سوريا” التي شكلها طلاب جامعيون لتقديم الدعم الإغاثي للأسر السورية في مدينة أربد عن طريق جمع التبرعات، فقد تزامن بدء تدفق اللاجئين السوريين مع دراستها الجامعية للهندسة المعمارية. لاحقا قررت لونا السفر إلى ألمانيا للحصول على درجة الماجستير في الهندسة، ورغم أن المعيق الوحيد الذي واجهته أثناء التقدم على تأشيرة السفر كان صعوبة حجز موعد من السفارة الألمانية في عمان التي استنفذت كل المواعيد الممكنة لشهور طويلة قادمة بسبب ضغط المراجعين الشديد، إلا أنها كانت محظوظة أن لا يكلفها هذا الإجراء الروتيني التخلف عن فصول دراسية كثيرة كما يحصل مع العديد من الطلبة، لكن هذا الحظ سيتخلى عنها فور وصولها لألمانيا نهاية العام الماضي، حيث تعرضت لوعكة صحية كانت قد أخرتها عن المباشرة بالدراسة كباقي زملائها في الوقت المحدد وبالإضافة لهذه البداية المتعثرة، كان عدم إتقان معظم محيطها للغة الانكليزية أيضا أحد المحبطات، فهي ترى أن على أي طالب يطمح للدراسة في ألمانيا تعلم أساسيات اللغة الألمانية كحد أدنى لتسهل عليه متابعة بعض الإجراءات كالتسجيل في البلدية والجامعة وإيجاد سكن واستخراج تأمين صحي.
حياة لونا الغنية وشخصيتها شديدة الحيوية ستجعل من الصعب عليك أن تلحقها دون أن تلهث، أو أن تحيط بكل جوانب نشاطها وحياتها، فمثلا، أصرت على أن أخذ الوقت الكافي في مقابلتي التي أجريتها معها عبر مواقع التواصل لوجودها في الأردن الآن لقضاء العطلة، لأنها ستكون مشغولة في اليوم التالي بمساعدة صحفيين أسبان سيزورون عائلات سورية هناك بهدف القيام ببعض التقارير، لأكتشف أنها تتحدث الإسبانية بالإضافة للانكليزية والعربية، ورغم بدايتها المتعثرة في ألمانيا يبدو أنها بدأت ليس فقط بالانسجام مع محيطها هنا فحسب، بل استأنفت عملها مع اللاجئين من خلال التطوع مع جامعتها ، ومازالت جزءا من مشروع “بتمنى” وتابعت عملها كمدرسة للعزف عن بعد، وأما عن خططها هنا في ألمانيا، فهي ترغب أن تجيد اللغة الألمانية وتستقر أكثر، وستتابع شغفها بالموسيقى، حيث تنوي متابعة تعلمه هنا أيضا، وعن تجربتها في ألمانيا حتى الآن: “أي شخص يشق طريقه وحيدا في مكان جديد، يلزمه الكثير من القوة والثقة وهذا ما أؤمن بقدرتي عليه إيمانا مطلقا، والصبر ضروري في البداية فقد كانت بدايتي مليئة بالمحبطات والعثرات، وحتى تلك البسيطة منها وضعتني في مواجهة مع نفسي لابتكار الحلول، حاليا مازلت في طور اكتشاف هذا المحيط المختلف، ولا أعتقد أني سأعاني من صعوبات في الاندماج لاحقا”.
وأشاركها أيضا هذا الاعتقاد، فهي سريعة الانسجام مع كل من حولها رغم وضوح تنوعهم الشديد، وقد أكون متحيزة لأقول إن ذلك ليس فقط لانفتاحها الفكري الشديد على كل مختلف وتقبلها لكل آخر، بل لأنها شخصية متفردة حقا بما يجعل من الصعوبة بمكان أن تقتصر علاقاتها على من يشبهها.
وفي النهاية تقول لونا:
“أريد أن أضيف شيئًا مفيدًا في هذه الدنيا، مهما كان صغيرا، أريد أن أعيش بأمان، وأنجح بكسر أي حواجز سخيفة تشكلت بمجتمعنا باسم العادات والتقاليد”.