تعرّف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه “أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة“.
ويشكل العنف جزءًا كبيرًا من مشكلات النساء ومجال عمل الحقوقين، حيث أن التمييز ضد المرأة بكل الأشكال يفضي إلى أنواع مختلفة من العنف، سواءً بتساهله مع هذا العنف، أو كونه أداة له. ولعل العنف يرتبط بأذهان النساء، بمعظم الأحوال كمرادف للإيذاء البدني، بينما يمكننا تصنيف العديد من أنواع العنف ضد النساء كالعنف النفسي، الجسدي، الاقتصادي، القانوني، والاجتماعي، الجنسي، بالاضافة لاستخدام العنف ضد النساء كسلاح حرب خلال النزاعات، كما أن أنواع العنف قد تتداخل من حيث النتائج، أو يفضي أحدها إلى الآخر، بحيث تصبح مسألة حل هذه الكتلة من العنف الموجه ضد النساء، أمرًا ضروريًا، حيث تعاني النساء وإن كان بشكل متفاوت على هذا الكوكب، من شتى أنواع العنف.
العنف القانوني
يمكننا تعريف العنف القانوني على أنه: التمييز ضد النساء على أساس النوع الاجتماعي، في الدساتير أو القوانين الوطنية، مما يخلف أذية للنساء، فبالإضافة لعدم عدالة هذه القوانين ومساواتها للجنسين، فإنها تكون السبب بحد ذاتها بضرر نفسي، أو جسدي، أو اقتصادي، أو جنسي ..إلخ، ويظهر هذا التمييز بأوضح أشكاله في قوانين العقوبات، والأحوال الشخصية، خصوصًا في المنطقة العربية التي لم تحقق حتى الآن، تقدمًا ملموسًا في الحد من التمييز ضد المرأة.
وتعتبر المحامية والحقوقية السورية ملك قاسم أن: “المساواة بين الجنسين ضرورية لإعمال حقوق الإنسان بالنسبة إلى الجميع، إلا أن القوانين التمييزية ضد المرأة ما زالت موجودة في كل مكان، ويجري سن قوانين تميزية جديدة، ولا تزال الكثير من القوانين في جميع الأعراف القانونية، تعين للنساء والفتيات وضع المرتبة الثانية فيما يتعلق بالمواطنة، الجنسية، التعليم، الصحة، الحقوق الزوجية، حقوق الوالدين وحقوق الميراث والملكية، ولا تتوافق هذه الأشكال من التمييز ضد المرأة، مع تمكين المرأة”.
أسباب التمييز ضد المرأة
وعن الأسباب التي سمحت بهذا التمييز ضد المرأة ضمن القوانين، تضيف القاسم: “صادقت عدة دول عربية على اتفاقية سيداو، ويجب أن تكون بنود الاتفاقية سارية المفعول، كجزء من القانون الوطني. ولذلك فهي تعتبر قانونًا داخليًا يتوجب على القضاء تطبيقه، بل وترجيحها (الاتفاقية) على القوانين الوطنية في حال تعارضهما.
إلا أن معظم الدول العربية المصادقة على الاتفاقية، والقاصرة في تحقيق المساواة بين الجنسين في قوانينها الوطنية، تتحفظ على عدة بنود أساسية في اتفاقية سيداو، وتعطيل هذه البنود يكون بالاعتماد على مبرر خصوصية المجتمع، وكذلك الشريعة الاسلامية”. وتعتبر اتفاقية سيداو ببنودها الثلاثين، إحدى أهم المواثيق التي سُنت للقضاء على التمييز ضد النساء، كما “أن الحاضنة الاجتماعية والسياسية التي تولد هذه القوانين، والبيئة السياسية “الفساد” وغياب الديموقراطية، انتهاك حقوق الانسان …، أثرت بشكل رئيسي على المجتمعات العربية، وأدت في كثير من الأحيان إلى مصادرة حقوق كانت تتمتع فيها النساء سابقًا”، تضيف القاسم.
التمييز في القوانين والمواد الدستورية
يمكننا تناول العديد من القوانين والمواد الدستورية، التي تظهر تمييزًا واضحًا ضد المرأة، تتابع المحامية القاسم: “تنص المادة (6) من الدستور الأردني على: “الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق، أو اللغة أو الدين.” إلا أنه وبسبب عدم إضافة كلمة “الجنس” على هذه المادة، لم يتحقق الإنصاف للمرأة الأردنية، ولم تعتبر مواطنة كاملة الحقوق أسوة بالرجل، وهذا ينطبق على الدستور السوري”.
وبالطبع فإن هذه المواد الدستورية التمييزية، تنعكس على قوانين أخرى، تجعل من المرأة غير كاملة الحقوق كمواطنة أمام القانون.
وتقدم القاسم نماذج عن تلك القوانين: “في سوريا والأردن كما سائر البلدان العربية، يمنع القانون المرأة العربية المتزوجة من أجنبي، من منح جنسيتها لزوجها أو أبنائها، كما تنص معظم قوانين العقوبات العربية، على نصوص مخففة لعقوبة القتل، في حال كان الجاني رجلاً قتل زوجته، أو سيدة من ذويه، تحت أعذار مخففة لمبررات كالغضب، والشرف. وتنص معظم هذه القوانين، على مواد تعفي المغتصب من جريمته، إذا عرض الزواج على ضحيته المادة (522) من القانون اللبناني، المادة (508) من السوري، وينص القانون اليمني مثلاً في المادة (42) على أن: “دية المرأة نصف دية الرجل”.
التمييز في قوانين الأحوال الشخصية
وتعامل قوانين الأحوال الشخصية العربية، المرأة بتمييزية أيضًا، إذ تنص في معظمها على انتقاص شهادتها، وعلى ضرورة موافقة ولي أمرها في حال زواجها، حيث “تعتبر المرأة تابعة للرجل بمجرد زواجها منه، كما تبيح هذه القوانين تعدد الزوجات، وتمكين الزوج إرجاع الزوجة بعد أن يطلقها، دون موافقتها أو حتى رضى أوليائها، وبالتالي، فالطلاق حق للرجل يستخدمه كما يشاء”.
وتضيف القاسم عن تساهل القانون مع العنف الجسدي، والجنسي، الزوجي ضد المرأة “فينص القانون العراقي مثلا في المادة (41)، على أنه لا جريمة إذا وقع الفعل استخدامًا لحق يقره القانون، وينطوي تحت ذلك مثلاً: تأديب الزوج لزوجته في حدود ما هو مقرر شرعًا، أو قانونًا، أو عرفًا.”
إن هذه القوانين بحد ذاتها، تتواطأ مع العنف ضد النساء الجنسي والجسدي، بالإضافة للآثار النفسيةن فيما يخص تقليص حرية النساء المكفولة بالقانون، وعدم التعامل معها كمواطنة متساوية مع الرجل، فهذه القوانين تنعكس على صحة المرأة، وأمانها الشخصي، وقدرتها على الإنتاج والفاعلية بشكل أكبر في المجتمع، ووضعها الاقتصادي، وتمتعها بالحد الأدنى من الحريات الشخصية والأهلية.
وتنعكس هذه القوانين على مشاركة النساء السياسية، حيث أن هذه القوانين تتكافل مع المجتمع، الذي يمارس عنفًا آخر على المرأة، من خلال التنميط والأعراف والتقاليد، وعن هذا تقول السيدة قاسم: “إن مشاركة المرأة السياسية، التي حصلت على حقوقها السياسية، بقوة الدساتير وقوانين الانتخاب، في بعض المجتمعات العربية، لم تتح لها الفرصة لتشارك بفعالية أكبر في مجال العمل الحزبي واتخاذ القرارات”.
تعقيد الإجراءات القانونية المتعلقة بتنفيذ الأحكام
كما أن هناك مشكلة تعقيد الإجراءات القانونية بحد ذاتها على المرأة، لأسباب تتعلق بصعوبة، وجور هذه القوانين، ونفقات المعاملات، كما تعتقد القاسم أن النساء: “يعانين من صعوبة في تنفيذ الأحكام المتعلقة بالنفقة وسواها، كما تضاف صعوبات تنفيذ هذه الأحكام في المناطق الخاضعة لتقسيمات عسكرية وسياسية مختلفة، وتدني وعي أفراد الشرطة حول قضايا المرأة، واستنادهم إلى صورة نمطية راسخة في الأذهان، تصعب من الإجراءات بحق المرأة.”
وتختم القاسم حديثها حول هذه القوانين: “ما ذُكر كان بعض الأمثلة على أن كافة التشريعات، والقوانين في الدول العربية تحوي على تمييز، ولا تحقق المساواة، وتكون أداة من أدوات تعنيف المرأة.
نحتاج إلى ثورة تشريعية، للقضاء على مظاهر وأشكال العنف ضد المرأة. لا حقوق بدون قوانين وتشريعات ضامنة لها”.
مواضيع ذات صلة: