ستيفاني غانم*
هل تحلمون بعلاقة عاطفية تدوم مدى الحياة مع شريك يؤمّن لكم كل حاجاتكم العاطفية والنفسية والإجتماعية؟ علاقة يكون بطلها شخصاً واحداً تعيشون معه سنين طويلة من الحب والغرام فتتشاركون العائلة والمشاعر والأحلام والأفكار والآراء… فكرة رومانسية ما زال يسعى إليها الكثيرون.
لكنهم عند تحقيق ذلك الحلم سرعان ما يصطدمون بواقع الملل والخيبات المتتالية، فيذوب الشغف بعد سنين الزواج الطويلة وتصبح الاحتمالات محدودة: إما الخيانة أو الانفصال من أجل حبّ جديد أو العيش في حال من الإنكار والتخفي لتمرير الوقت.
إن كان التعلّق بشخص واحد واستثمار حياتكم فيه ومعه خطيرَيْن وأشبه بلعبة الروليت الروسية، فماذا لو اختبرتم نوعاً آخر من الحب الصادق غير المشروط أو ما بات يعرف ب “البولياموري Polyamory”؟
الحب اللّا أحادي أو البولياموري Polyamory: ما هو؟
يقال إن القلب لا يستطيع أن يحب عدّة أشخاص في وقت واحد. لكن الواقع أننا لا نحب شخصاً بذاته بل نحب الشعور الذي نحسّ به في وجوده. نحب ما يؤمنه لنا هذا الشخص من حاجات عاطفية، نفسية، اجتماعية… وعندما يتوقف عن تأمين تلك الحاجات، تتحوّل مشاعر الحب لدينا إلى ندم وحسرة وربما كره. وتتحوّل العلاقة من تعلّق مطلق إلى خسارة مطلقة.
قد تفاجأون إن علمتم أن عدم التعلق بالشريك مفيد لكم وللعلاقة، وليس ذلك فقط بل هو صحّي وضروري لحياتكم على كل الأصعدة وليس على صعيد العلاقة فقط. قد تظنون أنه كلما تعلقتم بالشريك وألبستموه ثوب سعادتكم ليصبح مسؤولاً عنها وعن تلبية حاجاتكم، حققتم بذلك السعادة في الحب. لكن الواقع مختلف تماماً ونسبة الطلاق المرتفعة خير دليل.
لا يمكن لشخص واحد أن يكون حبيبكم وصديقكم وبديلاً عن أهلكم وأخاً لكم ومعالجاً نفسيّاً. لا أحد يستطيع تجسيد كل تلك الأدوار. ماذا تفعلون إذاً إن كنتم بحاجة لكل ذلك معاً؟ هل تنتقلون من علاقة إلى أخرى بحثاً عمن يجسّد حاجاتكم أم تكتفون بالموجود؟
ظهر مصطلح Polyamory أول مرّة عام 1990 في مجلة Green Egg Magazine في مقال عنوانه ” A Bouquet of Lovers ” أو باقة من العشاق. يتحدّث المقال عن العلاقات العاطفية المفتوحة أو ما يعرف بالـOpen relationships والمختلفة التي تتخطى المفهوم الأحادي المتعارف عليه للعلاقات العاطفية الأحادية.
ويناقش التأثيرات النفسية والاجتماعية على الشريكين وعلى الأولاد، مستنداً إلى أبحاث ودراسات أثبتت أن العلاقة الأحادية ليست بالضرورة الحلّ الأمثل لضمان الاستقرار العاطفي للشخص، وأن بعض الأشخاص قد يلجأون إلى خيارات أخرى أكثر توافقاً مع قناعاتهم ويكون ذلك خياراً لديهم بعد تجارب عاطفية مرّوا بها.
Polyamory تعني إقامة علاقة عاطفية وحميمة مع أكثر من شخص واحد في الوقت نفسه بعلم وموافقة مختلف أطراف العلاقة. أي أن لشخص قادر أن يحب أكثر من شخص في آن واحد، فيقيم معهم علاقات بعلم من شريكه ورضاه. يختلف ذلك عن الـPolygamy أي العلاقات التي يسمح تعدد الزواجات فيها، لأن في الأخيرة يكون رجل واحد يقيم علاقات مع أكثر من امرأة.
أما في الـPolyamory فالهوية الجنسية للأشخاص غير مهمة، والارتباطات العاطفية ليست مفروضة على أحد. منذ ذلك الحين لم تتوقف الدراسات حول مساوئ العلاقات الأحادية والضغوط النفسية التي تحملها وفشلها في تأمين حاجات الأشخاص وتوفير حال من الاستقرار العاطفي والسعادة لهم.
في مقال نشر عام 2013، عددت المعاجة النفسية الأمريكية وصاحبة كتاب Love without Limits ديبورا أنابول، بضعة عوامل ساهمت في انتشار تلك الظاهرة في الغرب والدول الأوروبية وخروج العديد من الأشخاص عن المفهوم النمطي للعلاقة العاطفية.
منها أن المبادئ التي قامت على أساسها العلاقة الأحادية أثبتت عدم صلاحيتها في أيامنا هذه، فهي لم تعد تحمي من الغيرة أو الوفاء أو حتى انتقال الأمراض الجنسية للشريك. فرغم تورط الأشخاص بتلك العلاقات وبناء حياتهم على أساسها، فإن أبرز المشاكل تنتج عن الغيرة والخيانة الجنسية وتصل إلى الطلاق في أحسن الأحوال.
النقطة الثانية متعلقة بالنساء. تعتبر أنابول أنهن لسن رافضات لمبدأ تعدد العلاقات بالمطلق إنما هن يرغبن أن يعاملن بعدل دون الاضطرار إلى إخفاء هويتهن الجنسية أو التعرض للكذب والخداع من قبل الشريك إن رغب أن يكون مع أخرى.
وفي النقطة المتعلقة بتأثير خيارات الأهل على الأولاد، تعتبر أن المهم بالنسبة للطفل أن يكون محاطاً بالأمان والحب وأن يعيش في جو خالٍ من المشاحنات والمشاكل بين الأهل. لا يهم الطفل أن يعرف تفاصيل حياة والديه الجنسية حسب أنابول، بل ما يهمه هو أو لا يشعر أن أحداً منهما يكذب عليه أو يستمر في العلاقة الأسرية رغماً عنه.
ليست الـPolyamory خياراً سهلاً، خصوصاً في المجتمعات العربية ذات الطابع الديني المشجع على الشريك الواحد والعمل على استمرار العلاقة حتى الجهد الأخير. وليست خيارًا لكل الناس عموماً مهما اختلفت توجهاتهم الدينية والإجتماعية. تربّي معظم المجتعات الشخص على مبدأ الحصرية في الحب. وأن الحبيب يجب أن يملك قلب حبيبه ليصبحا شخصاً واحداً ويسعى إلى إحاطته بكل ما هو بحاجة له.
ليست تلك الظاهرة حكراً على المجتمع الغربي فحسب، فهناك العديد من الأشخاص في العالم العربي يتوافقون مع ذلك المعتقد ويطبقونه في علاقاتهم ولكنهم لا يتحدثون عنه علناً خوفاً من الحكم عليهم واعتبارهم شاذين عن القواعد الدينية والإجتماعية. ولكل منهم تجربته الخاصة وتفسيره الخاص لمفهوم التعدد الصريح.
فمنهم من يحصره بالتبادل العاطفي مع شريك دون التورط بعلاقة جنسية وبعلم الشريك طبعاً ومنهم من يذهب أبعد من ذلك. الأساس في الأمر ألا تكون العلاقة مبنية على الكذب والمداراة. فالصدق هو السمة الأهم فيها.
السؤال الذي قد يدور في أذهانكم الآن هو كيف يمكن لشخص يحبّ شريكه فعلاً أن يتقبّل فكرة وجوده مع شريك آخر دون أن تحرقه الغيرة والخوف من خسارته؟
ربما يكون جوابكم “لا يحبّه بصدق. لذلك يتقبل وجوده مع غيره”. ماذا لو كنتم مخطئين؟ ماذا لو كان يحبّه بالفعل؟ ماذا لو كان يحبّه بحرية؟ يحبّه لدرجة أنه يريده أن يكون سعيداً حتى ولو كانت سعادته الآن مع غيره. حتى ولو استطاع أحد غيره أن يلبي واحدة من حاجاته. هو لا يشعر تجاهه بذلك التعلق المرضي ولا يريده أن يبقى حصرياً في تلك العلاقة رغماً عنه أو أن يكبت رغباته من أجله. هو يريده أن يكون نفسه دون تمثيل أو تخفّي.
هل يجب لكل العلاقات أن تنتهي إن كان أحد الطرفين يشعر بنقص ما في العلاقة أم أن البحث عن ذلك النقص خارج العلاقة دون ضرورة اللجوء إلى العلاقة الجنسية إن لم يتفق على ذلك الطرفان؟ لا يختلف اثنان على أن الصدق هو العنصر الأساسي في إنجاح أي علاقة، والعنصر الثاني الذي لا يقل أهمية هو أن تستطيع أن تكون أنت، كما أنت في العلاقة كما خارجها.
تعتبر إليزابيت شيف صاحبة كتاب When someone you love is Polyamorous في مقال لها أنه ليس من السهل اعتماد ذلك الخيار. لكن لا شك أن تلك الظاهرة تحوي دروساً يمكن أن تكون مفيدة لأي شخص سواء كان أحادي العلاقة أم لا. منها الحوار بصدق وانفتاح في العلاقة مع الشريك دون الحكم عليه وعلى أفكاره حتى لو لم تشبه أفكاركم.
الحوار الخالي من الأحكام يفتح آفاق علاقتكم على احتمالات جديدة قد تزيدكم سعادة. التعلق بالشخص الآخر والبقاء معه رغم المشاعر السلبية التي تشعرون بها قد يؤذي العلاقة والأولاد وقد يؤذيكم أنتم على الصعيدين الشخصي والعملي.
ربما لا تريدون الانفصال لأنكم ما زلتم تحبّون شريككم أو لأنكم تكنون له المودة والاحترام أو أنكم تريدون تربية الأولاد معاً.. كل تلك الاحتمالات قد تأخذكم إلى خيار جديد لم يكن في الحسبان أو ببساطة إلى إعادة النظر في حاجاتكم. الخوف من أن يخونكم الشريك جنسياً والعمل على منع ذلك سواء بمراقبته أو التحول إلى أداة جنسية لإرضائه أمران في غاية الخطورة.
في العلاقات الأحادية يكون التركيز على هذه المسألة كبيراً. لذلك ينتهي الأمر بالخيانة هروباً أو انتقاماً. من المهم إذاً كسر المحظور حول التفاهم الجنسي والتحدث بانفتاح تام عن رغباتكم الجنسية أمام الشريك. والنقطة الأهم هي أن تكون سعادة الشخص وتطوره الذاتي أولوية بالنسبة لكم كما هي سعادتكم أنتم وألا تحاولوا التمسك به رغماً عنه أو عنكم.
لا شك أن مثل هذه الظاهرة جديدة وربما تكون غريبة للكثيرين. ولكن تكوّنها يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة العلاقات العاطفية في زمننا هذا في ظل المتغيرات التي نعيشها والضغوط التي نواجهها. لذلك من المهم والمفيد أن ترجعوا لأنفسكم الآن وتسألوا هل أنتم سعداء في علاقتكم العاطفية كما هي؟ هل تسمح لكم أن تتقدموا في الحياة؟ إن كان جوابكم لا فلا تنتظروا كثيراً قبل إعادة النظر بخياراتكم وقبلها في مفاهيمكم.
*ستيفاني غانم – أخصائية في علم النفس العيادي والتحليل النفسي.
المصدر: موقع رصيف 22
المادة تعبر عن وحهة نظر كاتبها فقط وليست وجهة نظر جريدة أبواب.
اقرأ أيضاً:
المتهم الأول… المرأة: رأي السوريين في أسباب الطلاق
نتحدث كثيراً عن المعشوقات في التاريخ العربي… ماذا عن الرجال؟
تموت الحبيبة، ينكسر القلب، يموت الحبيب: زوج يلحق بزوجته بعد وفاتها بساعات
الحب والهرمونات من النظرة الأولى إلى الحب الحقيقي