وائل سعد الدين
إلى قريتي السوريّة “مَسْحَرة”
هائمٌ بَيْنَ سَبْعِ سنابلَ
مَشْبُوقَةٍ في خيالي ..
وحقلٍ من الذهبِ السرمديِّ
يمدُّ أراجيحَهُ نحوَ طفلٍ بقلبي
يهدهدُهُ .. فينامُ
كأنِّي غفوتُ على زندِ أمِّي
كأنّي وصلتُ إلى تلّةٍ
في انحناءِ المدى
تستريحُ على خطفةٍ
من زوايا عيوني
كأنّ أبي قال لي:
“لا تَخَفْ يا بنيَّ”
وما زلتُ زوّادتي في يديَّ
يقينٌ أَلِفْتُ ملامِحَهُ
كلّما قلتُ لامرأةٍ:
حان وقتُ الوداعِ
كنتُ دومًا أشيرُ إلى جِهَةِ القلبِ بالقلبِ
ألمسُها دونَ سبَّابتي
وأمارسُ وَشْمَ الأسامي
على روحيَ المستمرَّةِ قبلَ ذراعي
هيّجَ الحُلْمُ وعيي
جموحٌ يَطَالُ العناصرَ
مجنونةٌ هذه الأرضُ
رغم الذي بيننا
لم تَزَلْ تستفزُّ ضياعي
سرتُ فيها كأيِّ غريبٍ
يُفتِّشُ عن صُحْبةٍ
لم أجدْ غير صوتي
صرتُ أعرفُ أنّ البلادَ
إذا استَذْأَبَتْ أكَلَتْ ناسَها ..
ولذلكَ دافعتُ بالشعرِ عَنْ فكرتي
في الخلودِ ..
أنا ضدُّ موتي
أنا ضدُّ موتي !
عانقتني الرياحُ
وداعبَ شيءٌ من الخدر الأرجوانيِّ
نورَ طريقي
شيَّدَتْ لي السنابلُ
برجًا من الضوءِ أيضًا
لِيُرْشِدَني كلّما ركضتْ قدمايَ
إلى هدفٍ واضحٍ
سوف أحدسُ حتّى أرى
فأُحسَّ بطعم مصيري
وذرّاتِ ريقي
السنابل محشوةٌ بالنبيذِ ..
وجسمي مَمَرٌّ
إلى اللذّةِ الواقفةْ
هكذا أستعيدُ ملامحَ أرضي
بكلِّ هدوءٍ
أنا ابنُ الهدوء الذي
يسبقُ العاصفةْ !
عَبَثًا أتصيّدُ صوتَ العصافيرِ
في سَرْوَةٍ آخر الحَقْلِ ..
لا شيءَ يشبهني ..
قلتُ حين أصبتُ بشاعة طائرةٍ
بالكثير من الحقدِ في قلبي الطفلِ
لا شيء يشبهُ أمِّي ..
دخلتُ إلى المشهد الدمويِّ
ولمْ أطرقِ البابَ
لمْ تأذنِ النسوةُ الباكياتُ
لظلِّي ..
وضعتُ يَدِي فوق صوّانةٍ
وتهجّيتُ أسماءَ أبنائهنَّ
هنا طارتِ الطائراتُ
هنا وقف الوقتُ مُلْتَبِسًا كالحقيقةِ
مُنْتَصِبًا دون شكلٍ
كمثل الفراغِ
بلا أيِّ رائحةٍ أو نَمَطْ
وحْدَهُ الحبُّ يجعلهُ واضحًا
جارجًا
ضدَّ هذا الغَلَطْ !
السنابلُ ليس لها لغةٌ
إنّما كلُّ حبَّةِ قمحٍ
تُقَمِّشُها قصَّةٌ
سِحْرُ أسطورةٍ
وخُيوطُ حكايا
لست أعجزُ عن حَبْكَةِ النصِّ
لكنّني
مثل روحي
شظايا
يُولدُ الآن مِنْ دقّةِ الوزنِ
.. خوفي
غدًا حين أمشي بزَهْوِ الجروحِ الصغيرةِ
بعد معاركَ فتّاكةٍ
سأقولُ لكأسي الأخيرةِ:
لا حربَ تشبهُ حربي ..
بِصحّةِ حربي ..
انتصرتُ بحجم الخسارةِ
كنتُ صبورًا
أَجَلْ
غير أنّي قويٌّ كما الموتِ ..
هشٌّ كوردةْ!
تتأسطرُ كلُّ فصولِ الروايةِ
حاربتُ حتّى خلعتُ قميصي
وَحَمّلتُهُ للخيولِ المُعَدَّةِ والمستعِدَّةْ
إنّهُ رايتي بعدَ لِينٍ وشدَّةْ
يستحيلُ على المرءِ
أنْ يفهم السِّرَّ
في لحظةِ البوحِ
والنشوةِ المستبدّةْ!
السنابلُ واقفةٌ
مثل حشدٍ رهيبٍ
من النسوةِ الفاتناتِ
أنا مخرجُ العَرْضِ
لستُ أحبُّ الستائرَ
في مسرحي
كُلُّ عَرْضٍ له نشوةٌ ..
شهوتي فرحي!
هادئًا كالندى ..
فجأةً أتدحرجُ
من موسمِ الصبحِ
نَحْوَ البدايةِ
والأغنياتِ الخفيفةِ
أمشي على ثِقَةٍ بسفوحِ حنيني
قليلاً قليلاً من اللوزِ
والمشمشِ البلديِّ
لكي أتوازنَ
بَيْنَ نقيضيْنِ ..
أعرفُ أنِّي أَجُرُّ انتمائي
وأنحتُهُ كلّما
ضقتُ ذرعًا بهذي البلادِ
وترتيبها للعيوبْ
السنابلُ بوصلتي
إن بحثتُ عن الاِتّجاهِ الصحيحِ
ولي وجهةٌ في انتظارِ الهبوبْ
والرِّياحُ التي قد تغيِّر شيئًا …
رياحُ الجنوبْ !