أسست رانيا رفعت شاهين مسرح البرجولا للعرائس في القاهرة عام 2011، وهو مسرح ينتقد الواقع السياسي والاجتماعي، والانتهاكات الحقوقية في مصر، ويطرحها للنقاش بطريقة تفاعلية مع الجمهور. تعمل رانيا اليوم بالإضافة إلى ذلك وبالتعاون مع مجلس شيوخ برلين (Sinat Berlin) وبعض المؤسسات والجمعيات الألمانية على تقديم تجربة مستمدة من عروض مسرح البرجولا للمتحدثين باللغة العربية في برلين، وتعريفهم بالقوانين والحقوق المدنية في ألمانيا.
في مسرح البرجولا للعرائس، ترغب رانيا في رفع وعي المواطنين، وإثارة نقاش بين الجمهور الذي من شأنه أن يؤدي في النهاية إلى الحلول للمشكلات الاجتماعية التي يواجهها الناس. حيث ترى أن الفن عامل تغيير. التقينا في أبواب مع رانيا شاهين للخوض في القضايا التي تناقشها الدمى على مسرحها والتعرف أكثر عليها وعلى هذا النوع الفريد من الفن الذي تقدمه.
- كيف خطرت لك فكرة إنشاء مسرح البرجولا للعرائس؟
أنا أعشق المسرح منذ طفولتي. في المرحلة الابتدائية، شاركت في مسرح المدرسة بالتمثيل والرقص والغناء. وحينما كنت أعود إلى البيت كنت أقدم العروض المسرحية مع أخوتي لجيراننا في المبنى، كانوا هم أول جمهور لي، كبرت وكبر معي حب التواصل والرغبة في التعبير من خلال خشبة المسرح، فمن خلال المسرح أطرح عصارة أفكاري وأحاسيسي، إنه انفجار ايجابي لما في داخلي. وقناعتي بأن هذا هو ما أريد تقديمه في الحياة.
ترسخت قناعتي في ذلك بعد تجاوزي للتحديات التي واجهتني في مسيرتي المسرحية، وتخلصي من حالة الشك التي تصيب أغلب الفنانين قبل الإيمان بموهبتهم. اليوم أصبحت أشد اقتناعاً بأن المسرح هو مكاني، وطردت حالة الشك التي كانت تؤرقني، حدث التحول الأهم في مسيرتي المسرحية، عندما وجدت نفسي مضطرة لإخراج إحدى المسرحيات (قبل مسرح البرجولا) بنفسي، حينها لم أتمكن من التعاقد مع مخرج، كان تحدياً كبيراً، خرجت منه بإيمان بموهبتي المتكاملة في المسرح، وقدرتي على الإبداع، وتخلصت من مرحلة الشك تماما، وفي عام 2011 قررت إنشاء مسرح البرجولا للعرائس.
- تجربة المسارح في مصر تجربة عريقة، ماذا يعني لك المسرح ككاتبة من مصر؟
المسرح هو الأساس، المسرح ليس فناَ سهلاً بتاتاً، التواصل المباشر مع الجمهور له رهبته ومتعته، رهبته لأن كل الأشياء تبدو على حقيقتها، بدون فلاتر، هو اختبار حقيقي لموهبة الفنان. لكنه في الجانب الآخر ممتع بقدر صعوبته، حيث تكمن جمالية المسرح باستقبال ردات الفعل مباشرة والتواصل بين الفنان والجمهور.
- لماذا اخترت أبطال مسرحك من الدمى؟
أنا “مدمنة” عرائس، العرائس فيها حرية كبيرة، وهي خارجة من كل التصنيفات والأحكام، وتناسب كل الأعمار والشرائح. العرائس غير محدودة بملامح بشرية، لا تتركك لا تتخلى عنك ولا تسافر ولا يصيبها داء الغرور.
- هل تبكي وتضحك وتتفاعل الدمى كالأبطال البشر؟
حينما يكون الفنان مبدعاً، يصبح قادراً على بث الحياة في الخشب. بالنسبة لي كل عرائسي تحس وتتنفس، أتحدث إليها وأغطيها عند النوم (تضحك رانيا)،على المسرح خلف العرائس يقف 15 شاب وشابة، هذه الدمى لا تعيش وحدها، هناك جهود كبيرة تبدأ من الديكور والتصنيع والإضاءة إلى الحوار والمؤثرات الصوتية، كل ذلك لتعيش هذه الدمى وتتفاعل مع الجمهور، لعرائس البرجولا روح خليط من أرواح الفريق جمعاً.
- ماهي أهم المواضيع التي تعالجينها في مسرح البرجولا؟
بدأ مسرح البرجولا عام 2011، عالجت القضايا السياسية حتى عام 2015، وبعدها بدأت بالتحدث عن الانتهاكات الحقوقية والمشاكل الاجتماعية، تحدثت عن قضية أطفال الشوارع، وعن التحرش الجنسي بالأطفال، والتنمر. وغالباً تكون معالجة الأحداث الدرامية بالفكاهة، أحب معالجة القضايا بالكوميديا، ربما لأني من مصر ونحن في مصر نحب الكوميديا والضحك (تضحك رانيا) .
- وكيف تكتبين مسرحياتك؟
حينما أريد كتابة مسرحية، أبحث عن أصحاب القصة التي تدور حولها مسرحيتي، أراقب أصحاب القصص بشكل عميق، حركاتهم ،ملامحهم، وتفاصيلهم، وأتصت إلى أسرارهم وأدخل عوالمهم، أنا لا استمع إلى حكايات أصحاب القصص فقط، بل أمتصها في داخلي لأمنح لجمهوري متعة مشاهدة مسرح حقيقي وعميق. مثلاً عندما كتبت مسرحيتي عن أطفال الشوارع (الشارع مملكة يا أخينا)، ذهبت إلى أطفال الشارع حيث يعيشون، ومكثت معهم طويلاً، استمعت بإنصات إلى تفاصيل حياتهم، تأثرت بما سمعت،وعرفت أسباب وجودهم بالشارع والحلول التي يرغبون بها، وعندما انتهيت من كتابة المسرحية قرأتها لهم، وسعدت كثيراً وهم يسمعونها ويتفاعلون ويضحكون، كنت أريد أن أعرف إذا ما كانت مسرحيتي تمثلهم، وفي النهاية سألتهم “هل ترون قصتي تعبر عنكم؟”ولما قالوا: نعم، شعرت حينها بأن نص مسرحيتي أصبح جاهزاً.
اقرأ/ي أيضاً: الأخوان ملص.. من أصغر مسرح في العالم إلى خشبات المسارح العالمية
- هل غيرت الثورة في العروض المسرحية التي تقدمينها؟
الثورة غيرتني في كل من فصليها “الربيع” كما “الخريف”. ربيع الثورة جعلني أتكلم في السياسة والحرية بصوت عالي، ووجد مسرحي مكاناً جديداً بين الناس في الشوارع والأحياء، قمت حينها بكتابة وإخراج مسرحية “فتح عينك تاكل ملبن”، والتي طرحت فيها سؤال يوازي مطالب الثورة، وهو كيف تقوم الدولة المدنية كبديل للدولة العسكرية؟
شاهد العرض 20 ألف مصري ومصرية في قلب ميدان التحرير، ووصلنا إلى أحياء فقيرة جداً، في الثورة عشت متعة حقيقية أتمنى أن تعود، لقد ضحك آلاف البسطاء وتفاعلوا معي وأحبوا عرائسي. هذه الوجوه أعطتني دافعاً كبيراً، لأبدا تجربة مسرح البرجولا القانوني ومهمته رفع الوعي القانوني للمواطن البسيط حول القضايا والعلاقات الاجتماعية، والحقوق والواجبات. أما خريف الثورة فعلمني أن الثورة الثقافية هي الثورة الحقيقية ولهذا يخاف الحكام من المفكرين والمفكرات.
- ما هي أصعب المشاعر التي أصابتك كفنانة مسرحية في السنوات الأخيرة؟
أولاً مشاعر الخوف، من أن أجبر على الالتفاف على أفكاري، الخوف يقتل الإبداع، ويسلب الحق في التعبير، وذلك أصعب ما يمكن أن يواجهني كفنانة. وهو مؤلم جداً.
- يقدم مسرح البرجولا عروضه في العاصمة الألمانية برلين. هل كانت تجربة مختلفة عن تجاربك في مصر؟
استقبلت دعوة من مؤسسة (روزا لوكسمبوغ) الألمانية للقدوم إلى برلين، ثم قمت بعمل شراكة مع معهد مسرح العرائس (شاوبوده) ومجلس الشيوخ في برلين (Sinat Berlin)، وبالتعاون مع نساء في برلين سبق لهن أن عشن تجربة اللجوء من سوريا، قمنا بعمل مسرحية “فينا نكمل” وهي مسرحية اجتماعية للحديث عن العنف الأسري، ورفع الوعي القانوني. والتعاون مستمر إلى اليوم لعمل المزيد في ألمانيا وأوروبا، فتجربة التغيير من خلال المسرح يمكن صياغتها في كل مكان، وزمان.
- ما هو أجمل مافي مسرح البرجولا؟
إن أجمل مافي مسرح البرجولا للعرائس هو قدرته على التنوع والاختلاف بحسب الزمان والمكان والموضوع والجمهور. ولأنه كذلك، تولدت لدي رغبة شديدة في تعريف الناس بتلك التجربة والتي يستطيعون تطبيقها في أماكن عديدة، حيث قمت بتأليف كتاب “مايصحش كده”، والذي تُرجم للانكليزية والألمانية بالتعاون مع (Sinat Berlin) وشاركت فيه ضمن معارض كثيرة في المنطقة العربية والأوروبية، ومنها معرض الكتاب العربي الأخير في برلين، وهو متاح لكل من يريد الوصول إليه، ورقياً والكترونياً.
أنصح بأن يكون الكتاب في مكتبة كل عائلة عربية، لأنه خلاصة تجربة حقيقية، وهو تجربة مرنة وممتعة، أتمنى من خلالها أن يصبح المسرح صديق كل عائلة، فهي تجربة تثمر مزيداً من التواصل بين أفراد الأسرة وتساعدهم على التعبير عن المشاعر والأفكار والحب!
- ماهو التحدي الأكبر لك في عملك المسرحي؟
أن أستمر بالكتابة رغم معرفتي بأننا مجتمعات أغلبيتها لا تقرأ، وأن أكتب حقاً ما أريده دون الخوف من أي انتقاد أو تهديد.