المعتصم خلف
مثلما سار الأنبياء دون صلاة، تركنا وضوءنا في الماء، لنقاسم الظل حصتهُ من الضوء، وعرفنا الحرمان أمام اللحن الصاعد من العتبات، لأن المقبل على ميناء ثنائيات الوطن والنسيان؛ من الطبيعي أن يكون كالأصمّ المنتظر لوقت الصلاة، ونحن لا نقود الخطا دفاعًا عن الخطأ، ولا لنحتل الرصيف الفاصل بين أن نكون أو لا نكون، بل أقصى ما نحيا به هو التمثيل الماهر لدور الوجود الذي أتقنّاه منذ أن تحمّسنا لصوتنا القادم من تحت الأنقاض.
بعد اللجوء نهاية أخرى، ونقول حتى النهاية ولدت من البداية، ولبدايات الراحلين شغف الغافين في ميناء لا يفضي إلى يابسة، وكأنهم فصل احتل آخر، واختلط الاثنان في طريقة فرض المطر في موسم الجفاف، فلا دليل يعزز أن الموت واحد، وتعدد الأسباب يكفي لنصدق نمط التمسك بالحياة.
واقعيّون من دون أي خطأ ونحبّ الحياة كما هي، نحبّ الحياة التي تكون كالحياة دون أي كناية أو تشبيه، ونحبّ أن تكمّلنا الحياة لكيلا نصاب بعلّة النقصان التي تلعن الأجساد، ونحب أن نكون ذوي أهمية ولنا مبدأ وعادات وبيوت كثيرة الشبابيك، ولنا جدران لنعلّق عليها صورًا عائلية كثيرة الأفراد، ونحن هنا نحب أن نصرخ على الخطأ ونحب أن نلعن المسيء، لا نعرف الصمت أبدًا، فمن سيشفينا من أمراضنا كلما امتلأ الهواء بالغاز المسيل للحنين.
ومثلما يمهل الصيادون قرب النبع الغزالة فرصة ثانية، عرفنا أن نهايات الصيف تبشّر الشعب بموت مجاني لصالح أكثر من إله وأكثر من اجتماع، مهمتهم تأجيل موتنا قليلاً أو تحديد مصيرنا على طريقتهم…
لذلك على أجسادنا اتكلنا وبحثنا عن دعوة لعدم اللقاء ولبينا نداء البعيد، وعرفنا أننا شعبٌ كان في الماضي أما الآن فهو تحت أنقاض المباني يشرب الشاي ويتنبّأ بتفتح الزهور.