ليليان بيتان | محررة القسم الألماني في أبواب
ترجمة: ريم رشدان
يشكل يوم الثامن والعشرين من حزيران – يونيو تاريخًا مهمًا بالنسبة إلى الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم، فهو يشير إلى أول انتفاضة جدية ضد العنف والاضطهاد على أيدي الدولة والمواطنين.
العنف والاضطهاد لم تكن أسبابه القناعات السياسية أو المعتقدات الدينية، ولم تتجذر في الحروب أو الصراعات العسكرية. إذ كانوا يمنعون من ممارسة حقوق مواطنيتهم الكاملة، وغالبًا يتعرضون للمضايقات والضرب، وأحيانًا يعاقبون بالسجن لفترات طويلة، لأن هويتهم الجنسية أو ميولهم الجندرية كانت تعتبر “خاطئة” بالنسبة لأغلبية الناس.
ما عرف بعد ذلك باسم “مثلي الجنس”، في الوقت الحاضر يأتي في العديد من التنوعات والتصنيفات. الأكثر شيوعا هو استخدام الاختصار LGBTIQ بحيث يرمز L إلى Lisbian (النساء اللواتي يملنَ إلى النساء)، G يرمز إلى Gay (الرجال الذين يميلون إلى الرجال)، B يرمز إلى Bisexual )الناس الذين يحبون الجنسين رجالاً ونساء(، T يرمز الى Transgender )الأشخاص الذين يختلف جنسهم البيولوجي عن هويتهم الجنسية)، I يرمز إلى Intersexual )وهو الشخص الذي لا يتوافق جسده مع أي تعريف نموذجي سواء للذكر أو الأنثى) أما Q فيرمز إلى التساؤل أو عدم التأكد (ويشير إلى أي شخص ينتمي إلى أقلية جنسية أو جندرية) أما ما يشترك فيه هؤلاء جميعهم، فهو حقيقة أن هويتهم أو أسلوب حياتهم كان مخالفًا في الغالب بموجب القانون. وكان هذا هو الحال في معظم البلدان الأوروبية، وكذلك في الولايات المتحدة.
إذن ما الذي حدث في الثامن والعشرين من حزيران – يونيو؟
في أواخر الستينات، بدأ الكثير من المثليين LGBTIQ التجمع في فندق ستون وول، الذي كان يقع في شارع كريستوفر في قرية غرينتش بحي مانهاتن، مدينة نيويورك. وبما أنهم كانوا غير مرحب بهم في العديد من الحانات والمقاهي التي تستقبل بقية السكان، أثبت فندق ستون وول كونه ملاذًا آمنا لهم ومكانًا للجلوس والتحدث والشراب والرقص والاحتفال خلال أوقات الفراغ. ومع ذلك، كانت ضوابط الشرطة صارمة على أماكن مثل ستون وول، أو أي بار يبقى مفتوحًا إلى وقت متأخر من الليل، و معروف عنه أنه يرحب بهؤلاء الناس.
في الساعات الأولى من اليوم الثامن والعشرين من يونيو 1969، داهمت الشرطة مرة أخرى الحانة دون سبب واضح. ولكن بدلاً من الاستسلام بهدوء للاستجواب، التفتيش والاعتقال، كما كانوا يفعلون من قبل، بدأ رواد فندق ستون وول بالدفاع عن أنفسهم..
وما بدأ كمشادة بسيطة مع الشرطة، سرعان ما تطور إلى أعمال شغب كاملة. تظاهر هؤلاء الناس من جميع الأعراق والأعمار والطبقات، وفي كثير من الحالات قاتلوا لوضع حد للشرطة وقمع الدولة.
بالنسبة للعديد من النشطاء وكذلك المؤرخين، هذه اللحظة مثلت الشرارة الأولى لحركة حقوق المثليين في الولايات المتحدة. وفي خلال عامين، تم تأسيس مجموعات حقوق مثليي الجنس في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وكذلك أوروبا الغربية. وبناء على الوضع القانوني في بلدهم، كانوا يطالبون بعدم تجريم المثلية الجنسية، ونهاية العنف الشرطي ضد مجتمعهم، وحقوق مواطنة متكافئة بشكل عام. وقد تمت تلبية العديد من هذه المطالب من قبل المشرعين في أوروبا والولايات المتحدة في العقود المتلاحقة، وإن كانت ببطء شديد.
من أجل تذكير العامة، وكذلك السياسيين، بوجودهم ونضالهم، بدأ المثليون تنظيم “مسيرات الفخر”. أولها حدثت في نيويورك في الثامن والعشرين من حزيران – يونيو عام 1970، بعد عام واحد بالضبط من أعمال شغب فندق ستون وول. من خلال السير والرقص والاحتفال في الشوارع، في مشهد متكامل أمام سكان المدينة بأكملها، أرادوا أن يبدوا اعتزازهم بأنهم مثليون، وأن هذا لم يكن شيئًا مخزيًا. فكرة “موكب الفخر” أو “كبرياء المثليين”، كما يسمى هذا الحدث غالبًا في الوقت الحاضر، سرعان ما انتشرت إلى أوروبا.
في ألمانيا، نظم النشطاء المثليون أول مظاهرة في بدايات السبعينات، ولكن لم تكن هناك مسيرات فخر رسمية حتى عام 1979. وبدلاً من استخدام الاسم الدولي “كبرياء المثليين”، قرر النشطاء الألمان والنمساويون أن يسموا مواكبهم “يوم شارع كريستوفر”. وذلك لأن فندق ستون وول، الذي أصبح رمزًا لحركة حقوق المثليين كان يقع في شارع كريستوفر.
اليوم، يتم تنظيم العديد من “أيام كريستوفر ستريت”، أو CSD’s اختصارًا، في جميع أنحاء ألمانيا.
بعضها يجري في اليوم الثامن والعشرين من حزيران – يونيو، والبعض الآخر في وقت سابق أو في وقت لاحق من العام. الأكثر شهرة منهم جميعًا هو كولونيا برايد (في التاسع من تموز – يوليو) و CSD’s برلين (يوم الثاني والعشرين من تموز – يوليو) اللذان يجذبان آلاف الناس كل عام. في العديد من المدن، يتم حضور المسيرات ليس فقط من قبل أعضاء مجتمع المثليين، ولكن إلى حد كبير أي شخص يريد الاحتفال بالحرية والمساواة لجميع الناس الذين يعيشون في ألمانيا.
وقد أصبحت هذه الأحداث ذات شأن كبير حتى أن بعض أطراف مجتمع المثليين انتقدها بأنها باتت تجارية جدًا. لهذا ظهرت مسيرات الفخر البديلة وغيرها من الأحداث إلى جانب الاحتفالات الرسمية. معظمها يجري في تواريخ مختلفة خلال فصل الصيف. ولكن مع ذلك يبقى يوم الثامن والعشرين من حزيران – يونيو أهم يوم تاريخي في كفاح المثليين من أجل الحرية.