مها حسن. روائية سورية مقيمة في فرنسا
برلمانيات، طبيبات، فنانات، كاتبات، وزيرات، صحافيات، جمعيات نسوية، وكثير من الشخصيات العامة والمؤثرة في المجتمعات، تبذل يومياً جهوداً مكثّفة للتخفيف من العنف الواقع على النساء، لحماية المرأة من “تشريع” الاعتداء عليها، وفق عاداتٍ وتقاليد تاريخية راسخة، تعامل المرأة كسلعة أو أداة، يسهل تداولها وإيذاؤها.
بيانات وحملات ومطالبات تضامن مع النساء من ضحايا العنف، التحرش والاعتداء الجنسي. ورغم كل هذه الجهود العالمية، التي تحظى بدعم إعلامي ومؤسساتي وسياسي وقانوني، ما تزال النساء، خاصةً في البلاد العربية، يخضعن لعنف قد يؤدي إلى موتهن مع نجاة القاتل من العقاب.
بالبحث عن حملة “Me Too – أنا أيضاً”، وجدت صفحة التعريف بالحملة في موقع الويكيبيديا، بعدة لغات؛ ألمانية، إسبانية، إنكليزية، برتغالية، صينية وغيرها، ولكن، ليس باللغة العربية. رغم أن الصفحة تشير إلى وجود “هاشتاغ” (أنا كمان) في العالم العربي. لحسن الحظ في الموقع ذاته توجد صفحة بالعربية، تتحدث عن الوسم “الهاشتاغ”، وتشرح قليلاً عن نشأته.
إذا كانت هذه الحملات الواسعة تقوم في الغرب، الذي قطع أشواطاً طويلة في مجال حقوق المرأة، قياساً مع العالم العربي، الرازح تحت استبداد العادات والأنظمة التي تكرّس نظاماً سياسياً شمولياً، آخر همّه الدفاع عن النساء، فيمكننا إذن تخيّل الأوضاع الكارثية لحقوق المرأة في عالمنا.
ختان البنات وزواج القاصرات
“ماتت ندى، طفلة في الثانية عشر، إثر نزيف حاد بعد تعرضها لعملية ختان، في منفلوط، جنوب القاهرة”.
هذا الخبر ليس قديم، ماتت ندى في السادس من شباط هذا العام، وتزامن موتها مع اليوم الدولي لعدم التسامح إزاء تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، هذه العادة سارية حتى اليوم رغم إدانة مجلس الإفتاء المصري واعتبار الختان محرماً في الإسلام.
لن تكون ندى لسوء الحظ، آخر ضحايا هذه العادة ورغم تصدي القوانين ومجلس الإفتاء معاً لها ماتزال النساء يتعرضن لتشويه أجسادهن وخطر الموت، وما تزال هناك آراء تدافع عن هذا السلوك وتبرره.
أما الخبر الثاني فيقول: “نشر طالب بجامعة يلدز في تركيا، مقطع فيديو لأستاذ علم الاجتماع يقول فيه بأن الزلزال الذي ضرب شرق البلاد نهاية كانون الثاني/يناير وأودى بحياة 41 شخصاً كان عقاباً إلهياً، بسبب تحديد سنّ قانونية للزواج”.
يدافع أستاذ جامعي عن زواج القاصرات في زمننا رغم وجود حملات عالمية مناهضة لهذه الظاهرة. في مراكز التنوير كما يُفترض، في قلب الجامعة، ثمة من يردّ كوارث الطبيعة إلى قوانين تسنّها السلطات لحماية مواطنيها.
سبق وانتشرت أخبار العديد من هذه الزيجات الصادمة، وثمة طفلات فقدن حياتهن في الليلة الأولى، لعدم تحمّل أجسادهن لعنف العلاقة الجنسية مع زوج في عمر الأب أو الجدّ، وتحفل مواقع الإنترنت بصور مقززة، عن رجال مسنين برفقة فتيات صغيرات يعتبرونهن زوجات.
هذه السلوكيات تجد من يدافع عنها من “علية القوم”، فهي ليست فقط عادات دارجة في المجتمعات الجاهلة أو المتخلّفة، بل يتكسّب كثير من الرجال خاصة الأثرياء، من هذه العادات، ويبررونها بمراجع دينية، وحق الزواج من الفتاة ما إن تحيض. ثمة طفلات يحضن في الثامنة، وبهذا يكون هذا الزواج شرعياً وغير قابل للمناقشة أصلاً. كحال الطفلة اليمنية “نجود” التي أجبرت على الزواج وهي في الثامنة. نجود لاقت دعماً عالمياً بعد هربها من بيت زوجها الذي كان يضربها، ولكن هناك آلاف الفتيات كنجود، لا يجدن سبيلاً للهروب والنجاة.
العنف الجسدي والعنف اللغوي
لم يشعر أحد الروائيين المعروفين بالخجل، وهو يعلن على صفحته في الفيسبوك، بأنه ليس ضد ضرب الزوجة، وبرر بطريقة معيبة بأن النساء يرغبن بالضرب، وأن العلاقة مع الزوجة تصبح أكثر جمالاً ومتعةً بعد الصلح.
هذا موقف كاتب، يُفترض أنه يؤلف الروايات ليقدم المعرفة والجمال ويساهم في تنوير المجتمع، والدفاع عن الضعفاء والمهمشين، لكنه يعبر عن استمتاعه بالتصالح مع زوجته، بعد ضربها.
وفي نظرةٍ سريعة على التاريخ العربي، يجد هذا الكاتب ما يسوغ حقه بضرب زوجته، ويبني في وجوه المنتقدين لهذا السلوك المتعارض مع حقوق الإنسان، جداراً صلباً، يستند إليه بقوة: انظروا إلى التاريخ، واقرأوا! ألم يرد ضرب الزوجات كعقاب تنصح به الأديان؟
هكذا يستطيع حتى أبناء الطبقة المتعلمة تبرير العنف، لأن الموقف الثقافي لكثيرٍ من العرب، مع وجود استثناءات دون شك، مُؤسس على ذهنية تلقائية، تحتقر المرأة وتعتبرها متأخرة عن الرجل، والنصوص التاريخية والقانونية والدينية، تحفل بهذا التمييز، وتعتبر المرأة ناقصة عقل، وهو ما لم تستطع الثقافة السطحية، التغلغل إلى التكوين النفسي العميق للرجل، ليؤمن بصدق، بأهمية المرأة وإمكانية تفوقها عليه حتى.
مشكلة المرأة في العالم العربي، ليست فقط مع القوانين الرجعية، والأنظمة الاستبدادية، وليست فقط مع المجتمع العادي المليء بمقولات وأمثال دارجة تحطّ من قيمتها، وتشرعن ضربها وتعنيفها “المرأة مثل السجادة، بدها نفضة من وقت للتاني”، أو “المرأة مثل الزيتون، مابيحلى إلا بالرصّ” وغيرها الكثير، بل المشكلة الأعمق للمرأة، هي مع الرجل المثقف، المتنّور، الذي يُفترض أنه شريك ومطّلع على تاريخ العنف ضد شريكته، ومن البديهي أن يقف لمناصرتها، كما يناصر القضايا العادلة الأخرى.
الكلام عن حقوق النساء في بلادنا، يتطلب الكثير من الجهود الجماعية، وتفكيك أنظمة الاضطهاد المُمارسة على المرأة، عبر القوانين الوضعية، والعادات الرائجة، ولكن حتى اليوم، لا يزال الطريق صوب الحرية طويلاً وشاقّاً.
اقرأ/ي أيضاً:
ماذا يعني أن تكوني امرأة تعيش في الشرق؟
جدران هذا القفص