د. بسام عويل – اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية
يشعر البعض بالانجذاب للجنس الآخر بينما ينجذب آخرون لأبناء جنسهم نفسه، وهناك من يجذبهم كلا الجنسين أو لا يشعرون بشيءٍ تجاه أي جنس.
تسمى الجاذبية الجنسية أحياناً “السحر الجنسي”، ويمكن وصفها بأنها قوة غامضة تثير اهتمامات الشركاء الجنسية ورغباتهم تجاه بعضهم، وهي ميزة أو مجموعة ميزات موجودة عند كل جنس لتجذب إليه الآخر، وجود هذه الميزات عند امرأةٍ ما يجعلها جذابة للرجال ولهذا الجذب بصمة جنسية مميزة تجعل من تلك المرأة شريكاً جنسياً محتمل للرجل الذي وصله النداء الجنسي منها.
تختلف الصفات التي تعدُّ “جذابة” عند الذكور والنساء رغم وجود بعض الصفات المشتركة بينهما. وهي الصفات التي تجعل الذكورة والأنوثة تطفوان على السطح وتطغيان على الصفات الأخرى من وجهة نظر الآخر. ولهذا الأمر خصوصية فردية من ناحية الإدراك والتقييم فالمرأة التي يعدُّها أحدهم جذابة جداً “طافحة بالأنوثة” قد يقيمها الآخر بمستوى أقل انطلاقاً من معايير تفضيلية مختلفة لديه، والأمر ينسحب على تقييم النساء للرجال أيضاً.
“شرارة الاعجاب”
تقييم الجاذبية يتم عادةً بالنظر إلى صفات جسمية كالرشاقة أو حجم الأثداء، لون الشعر والعينين والبشرة الخ، كما تلعب حاسة الشم دوراً مهماً جداً في الانجذاب الجنسي فالرائحة تؤثر سواء كانت طبيعية أي رائحة الجسد، أو اصطناعية كرائحة العطور. وكذلك بالنظر إلى صفات نفسية كالإيماءات وطريقة الكلام أو الضحك، وكذلك المرح والانفتاح وطريقة اللباس والجلوس والمشي ونغمة الكلام الخ.
وهناك عملياً عدد كبير من الأسباب والصفات ونقاط الانطلاق لما يسمى “شرارة الإعجاب” التي تشعل الشعور بالانجذاب نحو الآخر. بعض هذه الصفات تتخذها مسابقات ملكات الجمال كمعايير لانتقاء الأجمل (الأكثر إثارة) من وجهة نظر الرجال بدايةً والنساء لاحقاً، ومنها: السن والطول والوزن وحجم الأثداء ومحيط الخصر وتناغم ملامح الوجه وكذلك حجم الأنف والفم والأسنان إلخ. ويستمر الأخذ بهذه المعايير لأن لجاذبية المرأة عند الرجال صفات ثابتة تنبع من تحفيزها للرغبة الجنسية التي يشترك فيها الكثير من الرجال.
المرأة.. أجمل المخلوقات
ديسموند موريس في كتابه “المرأة العارية” ينطلق في وصفه لصفات الإثارة الجنسية للأنثى من البناء الجسمي للمرأة ليحاول تفسير معناه التطوري والبيولوجي، ويعدُّه معيار الرجل في الانتقاء الجنسي لأجل التكاثر وتحسين النوع. ويرى الباحث المفتون بجمال المرأة التي يعدُّها أجمل المخلوقات، أن طول الشعر مثلاً يرتبط بصغر السن، إذ إنَّ معظم الفتيات يمتلكن شعراً طويلاً، كما أن الشعر الطويل والكثيف واللامع هو دليل على الصحة والعافية ويثير الرجال جنسياً. ربما من خلال هذا التفسير يمكننا فهم حظر بعض الديانات على النساء فرد شعورهن وخاصة أثناء أداء الصلاة المشتركة مع الرجال.
ويسترسل الباحث في تفاصيل تصفيف المرأة لشعرها والذي برأيه له دلالته وارتباطه بالحياة الجنسية. فحين يكون الشعر منحلاً على نحو فضفاض يرمز للحرية الحياة الجنسية والانفتاح، بينما الشعر الملفوف بإحكام يرمز إلى ضبط النفس والثبات، كما أن التسريحة التي تغطي جزءًا من الجبهة قد تخفي التجعدات التي تدل على كبر السن. بالنسبة للون الشعر فاللون الأشقر أكثر جاذبية بسبب نعومة ملمسه وهو بالتالي أكثر إثارةً، كما أنه مؤشر إلى لونه في كامل الجسد، عدا عن أن المرأة الشقراء تبدو أصغر سناً.
ربما هي تعميمات بسيطة جداً، ولكن من المستغرب أنها في كثير من الأحيان تتفق مع الواقع وتدركها النساء جيداً ولذلك يحاولن بصباغة الشعر وتسريحه أن يزدن من جاذبيتهن الجنسية.
أما العينان، فجاذبيتهما الجنسية تأتي من اتساعهما بالدرجة الأولى، وتبديان أكثر إثارة إذا ما اجتمعتا مع أنف صغير وشفاه مكتنزة. والعيون الكبيرة أكثر أنثوية لأنها ترمز إلى البراءة والسلبية والتبعية كما هو الأمر عند الطفل، والأمر ينسحب على الخدود الوردية الناعمة. ولعلنا نجد أن اهتمام المرأة بمكياج الوجه ووضع الكحل على العيون واستخدام طلاء الشفاه، والمساحيق له حوافزه ودوافعه في رفع نسبة جاذبيتهن لدى الرجال.
الإثارةالجنسية بين الثقافات المختلفة
ولكن من المفيد أن نذكر هنا أن بعض النساء أو الذكور بصفاتهم الجسمية قد لا يثيرون الآخر/الأخرى للوهلة الأولى، ولكن بعد التقارب والتعرف على الصفات النفسية أيضاً يُغيّر البعض من تقييماتهم لجاذبية ذلك الشخص ايجاباً أو سلباً. فالانطباع الأول والتقييم العالي لمستوى الجاذبية قد يتغير وينخفض مع الاقتراب والاحتكاك بسبب الصفات النفسية أو بعض الصفات التي لم تكن واضحة بدايةً؛ كرائحة الجسد أو الفم أو حتى طريقة الكلام، ونغمة الصوت الخ. من جهةٍ أخرى الجاذبية الجنسية لشخصٍ ما قد لا تعود فقط إلى صفاته الجسدية أو النفسية بقدر ما تعود إلى الحالة النفسية والانفعالية لمن يقوم بالتقييم، إضافة إلى سماته الشخصية وتوازنه الانفعالي وربما اللحظي أو بتأثير الظروف الآنية.
ولابد أيضاً من الإشارة إلى الفوارق الثقافية في تقييم مستوى الجاذبية، فمقاييس الإثارة ومعاييرها لها طابعها الذي يختلف من ثقافة لأخرى، فما يعدُّه الرجل الشرقي عند المرأة الأوروبية جذاباً قد لا ينظر إليه الرجل الغربي والعكس صحيح أيضاً.
ومع كل ذلك فإن مصطلح الجاذبية الجنسية ومفرداته يبقى على قدر كبير من الغموض والديناميكية وخاصة في ظل الانفتاح الثقافي بين الشعوب وكذلك العولمة الإعلامية التي تروّج المنتج الثقافي ليصبح موحداً، ووسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت تزيل الحواجز أو تبني الجسور بين الأفراد وتجعلهم يتعرفون على نماذج جديدة، ويشكلون توجهات جديدة أو يصححون السابقة بالنسبة للآخر وفق منظور جديد.
مواد أخرى من سلسلة في الجنس وعن الجنس:
في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات 4 / الثقافة الجنسية و متطلبات العصر – استحقاقات وتحديات
سلسلة في الجنس وعن الجنس 3: صحتك النفسية في متناول يديك فحافظ عليها
سلسلة في الجنس وعن الجنس 2: في مفهوم الصحة الجنسية وتطوره عبر العصور
سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات -الجزء الأول-