د. بسام عويل اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية
مقارنة الشهوة الجنسية بلهيب النار ليس مصادفة. فاللهب يطفو عندما يبدأ الأوكسجين بالنفاذ، وهو يشبه بذلك الرغبة الجنسية التي تبدأ بالإنطفاء مع ضيق مساحة التفاعل بحرية. من الطبيعي أن نرغب بالقرب من الشخص الذي نحبه، ومع ذلك، فإن العلاقات الشخصية مليئة بالمفارقات. فكلما اقتربنا من بعضنا البعض، كلما كان من الصعب علينا الإبقاء على شعلة الشغف في السرير.
سابقاً كانت الأمور تختلف
كثير من الناس يسألون أنفسهم السؤال “ما الذي يجب القيام به لنبقى كما كنّا من قبل؟” والمقصود هو فترة بداية العلاقة، والتي كانت مصدراً كبيراً للانجذاب، إن كان بالرغبة بالتعرف على الشخص الآخر، وقضاء الوقت معه، وممارسة الجنس بنهم، كان كل ما نفعله مليئًا بالإثارة، والتي لسوء الحظ تتضاءل مع استمرار العلاقة.
فمع الوقت يصبح الشريك قريبًا جدًا، نعرف عنه كل شيء تقريباً، وعادةً يصبح من النادر أن يفاجئنا بجديد، وهو إضافة لذلك في متناول اليد. فمن ناحية، نريد للعلاقة أن تمنحنا الشعور بالأمن والاستقرار والانتماء، ومن ناحية أخرى نحن بحاجة إلى التجارب المثيرة والخبرات الجديدة. ولسوء الحظ، فإن الإثارة الجنسية والرغبة تجلب معها طاقة تختلف عن مثيلتها التي تصاحب التقارب الحميمي والشعور بالرفاه. والمشكلة برمتها هي أن نكون قادرين على إيجاد حل وسط ذهبي بمقدوره التوفيق بين هذه الاحتياجات المتضاربة، وإلا فإننا نفتح النافذة ليدخلها الضجر ويعبق برائحته غرفة نومنا.
مطب التقارب الحميمي
إن تضحية المرء بحريته الفردية في العلاقة الزوجية هي ظاهرة شائعة تنطوي على خلط خطير النتائج ما بين الحب والاندماج في كتلة واحدة مع الشريك. من المؤكد أننا غالبًا ما نغار من الأزواج الذين لا ينفصلون عن بعض، ويقضون طيلة الوقت مع بعضهم ويتبادلون الحنان والعطف، دون أن يخطر ببالنا التفكير بأن الجنس في مثل هذه العلاقات قد لا يكون له مكان مرموق لأن الرغبة الجنسية بحاجة إلى مساحة، بعض من الانفصال والغموض، وليس دائماً سرير مرتب بعناية وبيجامات دافئة.
كيف يمكن إثارة الرغبة ؟
كثير من الناس يفترضون بالخطأ أن الشغف سوف يستمر بذاته لا بل يجب أن يستمر، رغم مرور سنوات على العلاقة. ولهذا السبب نجد هؤلاء لا يفعلون أي شيء لتزويده بالوقود وتجديد حيويته، ولكن عندما تبدأ معالم الأزمة بالظهور من فتور بالرغبة الجنسية، فإن معظمهم يبدأ يشعر بالهلع والقاء اللوم على الذات أو الشريك أو البحث عن مشجب آخر لتعليق الفشل. من الأهمية بمكان أن ندرك ديناميكيات علاقاتنا، ولكن من المهم أكثر أن نعرف ما الذي يمكن عمله لضمان الحفاظ على جذوة الرغبة الجنسية وعدم انطفائها.
فضاؤك الخاص بك
في العلاقات بين الشريكين غالباً ما يكون هناك نقص في المساحة بسبب الغمر الذي تسببنا به في البداية، وفي بعض الأحيان أيضاً يكون هناك رفض من أحد الشركاء بامتلاك الشريك مساحة خاصة به، وهنا تبدأ المشكلة التي سنعاني منها فيما بعد في السرير مع الشريك. إن كل ما من شأنه أن يحفظ لكلٍ من الشريكين فضائه الفردي الخاص من التمتع بهواياته، ولقاء الأصدقاء أو تحقيق النجاح المهني وتطوير الذات والمهارات والشخصية، سيكون له تأثير إيجابي على الحفاظ على الجاذبية المتبادلة، كما كان عليه مصدر الافتتان في بداية العلاقة.
لذا دعونا نفكر في آخر مرة قمنا فيها بشيء من أجل أنفسنا وما إذا كنا لا نضحي مصادفةً بدون وعي باسم العلاقة بحريتنا الشخصية، بتخلينا عن تفردنا وخصوصيتنا، وعمّا نحتاجه لأنفسنا وعمّا نفعله لنشعر بالسعادة. دعونا نسمح أيضاً للشريك بأن يحافظ على تفرده وعلى مساحته الخاصة.
إن موضوع الحيّز الشخصي قد يسبب أحيانًا صراعات أو شعورًا بالتهديد للألفة والحميمية، لذا يجب مناقشته والتفاوض عليه بين الشريكين بشكل مسبق وواعي، بما يجعل مردوده على العلاقة ايجابياً وليس سلبياً فيما لو تم على حساب حاجات الشريك.
العمل على الفضاء المشترك
الحيّز الفردي الخاص لا يعني التخلي عن قضاء الوقت معًا. ومع ذلك، هناك شيء مهم يجب معرفته وهو أن إشعال الشغف ممكن من خلال القيام بأشياء جديدة ومثيرة معاً من شأنها أن تنقذنا من براثن الضجر والروتين في العلاقة. لهذا يتوجب إعادة النظر في طريقة وطبيعة قضاء الوقت معاً، إذ عادة ما يكون أكثر من 90٪ من الوقت الذي يقضونه الشركاء معًا هو تكرار لنفس الأنشطة التي كانا يقومان بها دون تغيير لسنوات، كمشاهدة التلفزيون، التسوق، مجالسة الأطفال، الأعمال المنزلية، تناول الوجبات. هذه الأنشطة الروتينية، مع كل ايجابياتها في توفير الإحساس بالقرب والإستقرار، إلا أنها تحرمنا من مصدر أساسي ومهم للتحفيز الجنسي. لذلك إذا أردنا إثراء الرغبة الجنسية، علينا أن نقوم بشيء جديد ومختلف معًا.
فضاء العلاقة الجنسية
الأمر الآخر المطلوب هو إغناء الفضاء الجنسي الذي يجمع الشريكين وتبني موقف منفتح من جنس يرفده بالحياة عبر التجديد ليس في الوضعيات الجنسية أو أساليب المداعبة وإنما في نمط الحياة الحميمية المشتركة. من الضروري فهم أن المداعبة ليست فقط ما يحدث في غرفة النوم، وإنما جملة الإيماءات الصغيرة المتراكمة طيلة اليوم والحافلة بالإغراء والمزاح والملامسات والتي من شأنها الإثارة والاشتياق للقاء والالتحام بالشريك.
مهمة هذه المداعبات هي أن تدس روح الإيروس في العلاقة وتجعلها تشتاق للممارسة الجنسية. إذا لم نقم بإنشاء هذه الفسحة لممارسة الجنس فقد لا يجد مكان لنفسه في علاقتنا.
لذلك دعونا لا ننتظر حتى ننطفىء جنسياً تجاه الشريك، ولنبدأ بإعادة النظر في علاقتنا به والتخطيط الأمثل حسب وضعنا للحفاظ بدايةً وافساح المجال للإثارة مع الوقت في علاقتنا.
مواد أخرى ضمن سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات:
سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات /6 – الفروق بين الاستمناء الطفولي ومثيله في المراهقة والكبر