د. بسام عويل اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية
ليس بالضرورة أن تكون التفضيلات الجنسية المختلفة مرادفة لمفاهيم الانحرافات السلوكية الجنسية المتعلقة بالشعور بالإثارة، أو الحصول على الإشباع الجنسي نتيجةً لمحفزات ذات طبيعة غير جنسية.
لماذا يجب الحديث عن الانحرافات الجنسية وتمييزها عن الميول الجنسية؟
الانحرافات السلوكية الجنسية هي اضطرابات الميول الجنسية التي لا تتوافق مع المنبهات والمثيرات الجنسية المتفق عليها بشكل عام، والمعترف بها كمحفزات جنسية مثيرة. والانحرافات السلوكية الجنسية ليس نسجاً جديداً ناتجاً عن حضارة وثقافة القرن الحادي والعشرين، والأهم من ذلك لا ينبغي مطلقاً مقاربتها أو مساواتها بالتوجه الجنسي للأفراد، كما يحدث للأسف غالباً باستخدام هذه المقاربات في شن الهجوم على الأشخاص الذين يتمتعون بالهوية الجنسية المثلية الجنسية، أو ازدواجية الميول الجنسية والتي لا تعتبر انحرافات.
ما هو الانحراف السلوكي الجنسي؟
وفقًا للتعريف، فإن الانحرافات الجنسية هي أساليب وطرق غير تقليدية (بالنظر إلى الأعراف الاجتماعية والثقافية السائدة)، تهدف إلى الحصول على الإشباع الجنسي. يشمل هذا النوع من الاضطراب الزوفيليا، مجامعة الميت، الولع بالأطفال، التعري والفتشية.
إلا أنه يتوجب التمييز بين الانحرافات الجنسية المرضية المؤذية وبين الانحرافات غير المؤذية. فوفقًا لآراء معظم الاختصاصيين في الصحة الجنسية من سيكولوجيين وأطباء، فإن أي تفضيلٍ جنسي لا يرتبط بالعنف والإكراه كما لا يطبَّق على الأطفال والقصر، وكذلك لا يسبب التشويه والمعاناة الجسدية والنفسية للشخص نفسه أو للشريك الجنسي، يمكن اعتباره خارج دائرة الانحرافات السلوكية الجنسية المرضية، وإن لم يعتبر تفضيلاً سوياً وطبيعياً تماماً.
وبالرغم من أن الخط الفاصل بين الميول الجنسية الفردية اللاسوية ولكنها غير مرضية، وبين تلك الانحرافات السلوكية الجنسية اللاسوية المرضية، ضعيفٌ للغاية لكن هذا لا يعني أن الأشخاص الذين لديهم تفضيلات جنسية تختلف قليلاً في نوعها أو شدتها عن تلك التي تفرضها المعايير المجتمعية السائدة أو المعايير الدينيّة، يجب أن يُدرَجوا أو يُزَجوا أو يُحشروا بالضرورة في مجموعة المنحرفين جنسياً.
الاهتمامات والتفضيلات والسلوك الجنسي في ضوء الانحراف الجنسي السلوكي المرضي
مصطلح “الانحراف الجنسي” والمصطلح المرادف له الأكثر شيوعاً ” الشذوذو الجنسي” عادةً ما يُساء استخدامه لسببين على الأقل، وهما: أولاً، بسبب الجهل والتزمت وبالتالي الاعتقاد بأن كل ما هو مختلف يجب أن يكون شاذاً أو مرضياً أو على الأقل خطًا. ثانياً، غالباً ما تكون الأسباب في سوء الاستخدام هذا ذات طبيعة أيديولوجية بحتة، تقف وراءها الرغبة في تشويه سمعة “الآخرين” من حيث ميولهم وتوجهاتهم الجنسية. هذه الطبيعة الأيديولوجية غالباً ما تكون مرتبطة أو مستندة إلى الدين والعقائد السياسية والنفور الاجتماعي والجهل.
لا يجوز تصنيف السلوكيات الجنسية على أنها منحرفة أو شاذة عندما نتكلم عن الميول والاتجاهات الجنسية للأشخاص البالغين عمرياً، والناضجين عقلياً، والذين يقومون بسلوكيات جنسية معينة واعية يوافق عليها الشريك الجنسي البالغ والناضج أيضاً، ويشعرون بالمتعة الجنسية من خلال ممارستها، مع التأكيد دائماً على عدم وجود الإكراه أو الابتزاز أو التهديد بالقمع أو العنف أو إلحاق أية إساءة جسدية أو نفسية أو بدنية أخرى لهذا الشريك.
التفضيلات الجنسية التي لا تعتبر انحرافات جنسية
علينا أن نكون واعين إلى أن التفضيلات الجنسية للشخص هي ذات طبيعة متغيرة ومتبدلة ومتطورة مع الوقت، بمعنى أنها ليست ثابتة. وهناك بعض السلوكيات المتعلقة بالتفضيلات والميول قد تم استبعادها منذ فترة طويلة من تصنيفات الأمراض والاضطرابات. يتعلق الأمر في المقام الأول بالمثلية الجنسية والازدواجية، أي التوجهات الجنسية التي قد لا يقبلها جزء من المجتمع والكثير من العقائد.
وعلينا أن نعرف أيضاً أنه من الطبيعي أن يرتكب بعض الأشخاص ذوو الميول والتوجهات الجنسية المخالفة للعرف الاجتماعي والخارجة عن المفهوم التقليدي، أفعالاً غير مقبولة وأحياناً محظورة مثلهم مثل الأشخاص المغايرين جنسياً أي أولئك أصحاب التوجهات والميول التي تدعى “السوية”.
كما أن استخدام الأدوات المثيرة والإكسسوارات الجنسية المختلفة التي قد نستخدمها عن طيب خاطر لتنويع حياتنا الجنسية، هو وإن اعتـُبر سلوكاً انحرافياً جنسياً لا سوياً ولكنه ليس مَرضياً، والأمر ينسحب أيضاً على ممارسة الجنس في الأماكن اللاتقليدية (العامة مثلاً أو في السيارة)، إذ لا يمكن تصنيفه ضمن قائمة الانحرافات الجنسية المرضيّة على الرغم من أنها قد تكون سلوكيات لا تتوافق مع العرف الاجتماعي ويعتبرها البعض مسيئةً لهم أو لذوقهم أو حتى غير مقبولة اجتماعياً.
الخلاصة، هي أنه دائما علينا التفريق تشخيصياً بين “اللاسوي” غير المَرضي الذي لا يتسبب بالأذى، و”اللاسوي” المَرضي المؤذي بطبعه، بمعنى أن كل ما هو “لا سويّ” وفق الأعراف والتقاليد ونظرة غالبية المجتمع ليس منحرفاً ومرضياً بالضرورة ومؤذياً بطبيعته طالما أنه لا يتسبب بالضرر النفسي والجسدي للذات وللشريك الناضج دون إكراه أو عنف أو ابتزاز.
اقرأ/ي أيضاً:
سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات 14: مفارقات الرغبة الجنسية
سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات 13: ماذا تعرف عن علاقة المريخ بالزهرة؟