in ,

مطبخ من غربتي : المطبخ السوري في المهجر وتجارب السوريين هنا وهناك

في هذه الزاوية، يتحدث سوريون عن تجاربهم الغذائية والمطبخية في بلدان المهجر، ما أخذوه وما تركوه من بصمات في ذائقة البلدان المضيفة وكيف تمت عملية الاندماج على صعيد المطابخ. المطبخ السوري في المهجر في الجزء الأول من هذه السلسلة.

فرح المزين – سويسرا
عندما أفكر بتلك السنوات العشر التي انقضت منذ انتقالي للعيش في سويسرا، تحضرني الكثير من التجارب الجديدة التي مررت بها والذكريات حول أمور عدة.

ولا شك في أن أحد أكثر الأمور التي تنطبع في ذاكرة الإنسان هي النكهات والروائح غير المألوفة، التي تكون في طليعة ما يستقبل الزائر الجديد. ولهذا، أحببت أن أشارك القارئ  تجربتي حول طعام أهل هذه البلاد و عما لاقى استحساني  منه من خلال السطور التالية.

الراكليت، وجبة بسيطة لعشاء احتفالي

عندما أفكر في وجبتي السويسرية المفضلة، يعود بي الزمن إلى تلك الضيعة القابعة على  جبلٍ مكسوٍ بالثلوج عشية سبتٍ[RB2] . يصر زوجي تحت وطأة استغرابي، بأن يقوم  بتحضير العشاء بنفسه.

انظر بدهشةٍ إلى طبقين، اصطفّت فوقهما بضعة زيتونات خضراء محشوة بالفلفل الأحمر ومثيلاتها باللوز ، قطعتان من البصل الصغير المخلل وأخرى من عرانيس الذرة الصغيرة الريانة ومخلل الكورنيشون، تلك الخيارات الصغيرة المعقوفة التي تعيدنا طريقة تخليلها بالخل والسكر إلى زمن جداتنا. ‏تضاف إلى ما سبق بضع حبات من البطاطا المسلوقة، فوقها قطعة من الجبن مشوية. فغذاء الناس هنا يعتمد  وبشده على الجبن والبطاطا.

ولمن يبتغي تناول هذه الوجبة كما يتناولها السويسريون، عليه ألا يقشر البطاطا (طبعا هذا النوع السريع الطهو ، رقيق القشرة التي تجعل المرء من أكلها بسهولة) من وسط الطاولة ، كان يصل إلي وهج آلة الشواء ، وهي عبارة عن وشيعة علوية مغطاة بصفيحة معدنية ناقلة للحرارة وقاعدة تستند عليها أربع إلى ثماني شوايات معدنية بطبقة لا تلتصق بها الجبن ، كل شواية مؤلفة من مقبض وصحن مقعر صغير بحجم قطعة الجبنة ، تشبه في شكلها الراكيت (مضرب كرة التنس) يمكن إضافة بعض قطع اللحم والاستعانة بالصفيحة المعدنية التي تغطي الآلة لشوائها أو إضافة بعض انواع انواع اللحم المقدد ، أما أنا شخصيا فأفضّلها بدونه.

جلسنا ننتظر قطع الجبنة لتذوب نصبها في الصحن أو فوق حبات البطاطا ونأكل.

سويسرا بلد موارده الزراعية قليلة، شتاؤه ويل ولياليه أطول وأبرد في جبال معزولة، فتفتق العقل هنا عن إيجاد قيمة مضافة لهذين المكونين البسيطين: الجبنه والبطاطا. أدوات فارهة البساطة وآلات عبقرية تمنح دفئاً للأجواء العائلية. وصفة رائعة لوجبة شرطها الأساسي ألا تؤكل على عجل.

العشاء السويسري التقليدي هو وجبة أريدَ لها أن تكون احتفالية ليوم مليء بالتحديات والإنجازات. أما الراكليت، فكانت في البداية كانت تصنع بتعريض نصف قالب كبير من نوع خاص من الجبن إلى له الحطب و عند نضجه يتم “قحط” الجزء الذائب من سطح القالب وسكبه في طبق ، وما تنتج بعض المطاعم.
تحافظ على هذه الطريقة القديمة في التقديم. أما بعضها الآخر ، فقد استبدلها بآلات شواء كهربائية مستوحاة من الطريقة التقليدية. وما زلنا نستمتع بتلك الطريقة في الاحتفالات العامة كعيد الميلاد و يوم التخفيضات الكبرى.

 بلد الأجبان بالغرامات

لعل أكثر ما أثار دهشتي  ومازال هو الكميات. ففي بلد الأجبان تلك، يتوقع المرء أن يشاهد الأجبان ترتص بالكيلوهات على جنبات البرادات في السوبرماركت،

إلا أن الحقيقة هي بخلاف ذلك.

هنا، أكبر كمية يمكن ان يبتاعها المرء هي نصف كيلو من جبنة الراكليت المعدة للاستخدام العائلي 

فيما عدا ذلك، يتراوح وزن قالب الجبنة من أي نوع  بين ١٠٠-٢٥٠ غ 

 أصابتني الدهشة  عندما نظرت أول مرة الى تلك القوالب التي تتنافس بالصغر فيما بينها و تساءلت كم قالب منها أحتاج لعمل سندويشات الفطور.

بعد ذلك اكتشفت ان قالباً واحداً يكفي و ذلك لان كمية صغيرة من هذه الجبنة الصفراء تشعر بالشبع لشدة دسامتها و قوة طعمها. 

هنا لون الأجبان لا يمت للبياض بصلة ولا علاقة لها بالأنواع التي عرفناها وألفناها في بلادنا، وهذه على ما أعتقد إحدى اكتشافات وإضافات المطبخ السوري في المهجر.

https://www.niwa.co.nz

مجمدة طعام متناهية في الصغر

فرضت طبيعة البلاد على السويسريين بأن يكتفوا بكميات قليلة من كل شيء. حتى الوقت المخصص لإعداد الطعام لا يجب أن يتعدى 20-30 دقيقة للوجبة الرئيسية، فلا وقت لا لسيدة المنزل ولا لرب المنزل يسمح بأكثر من ذلك.
هنا كثير من الرجال يقومون بإعداد وجبات الطعام للعائلة. عندما سمعت هذه المعلومة لأول مرة لم أستطع تخيل المشهد ( تخيلته حينها يقف بمريول المطبخ يلف اليبرق مثلاً أويكوّر أقراص الكبة) كان هذا بالنسبة لي ضرباً من الخيال ثم اكتشفت مع الوقت أنه أمر بسيط، إذ يمكن لأي رجل عامل أن يساعد زوجته العاملة فالأمر لا يتطلب في في أغلب الأحيان سوى شيّ قطع اللحم ( على اختلاف أنواعها ) إما بالفرن أو على الموقد، إعداد صحن السلطة، تحضير بعض الخضار المسلوقة، سلق البطاطا أو طبق من الأرز المسلوق الذي لا يتكتل هو لا يحتاج إلى غسيل أونقع ولا يتطلب مهارة بالتحضير، فقط عيار الماء المناسب والقليل من الملح.
بالعموم يميل السويسريون إلى كل ما هو طبيعي وطازج، حتى أن الكثير من العائلات تقوم بالتسوق للطعام بشكل يومي. ولعله السبب في أن حجم البرادات متناه في الصغر طول متر وعرض أربعين سنتيمتر والمجمدة للعائلة الكبيرة ثلاثة أدراج بعمق 20 سم وللقارئ أن يتخيل حجم المشكلة التي أقع بها عندما أريد تخزين خيرات الشام من الفول إلى الملوخية أو أكياس المكدوس عند عودتي من زيارة الأهل. على المرء حتماً أن يقوم بشراء مجمدة إضافية إذا كان سورياً.

أيضاً الناس هنا تميل إلى الاقتصاد بالسكر، فالحلويات السويسرية تكاد تكون خالية من السكر في نظر البعض كذلك المشروبات وخصوصاً الغازية وأكثر ما يثير الإعجاب والتقدير انه لأسباب عديدة ولكن برأيي الأهم منها قلة الموارد وارتفاع تكاليف الطعام هنا أصبح الناس يقدرون بعموم أوروبا وبسويسرا خاصة قيمة هذه النعمة جيداً ويحرصون عليها أشد الحرص فلا يمكن لأحد مهما كانت الأسباب أن يبقي فائضاً في صحنه أو على سفرته يذهب للقمامة. أما بالنسبة لطعامنا السوري فكل ما نقدمه لهم على بساطته أو تعقيده يثير فيهم الأسئلة عن من نكون نحن السوريون ؟  نحن نمثل لهم من خلال طعامنا نموذجاً جديداً لم يألفوه. نحن لسنا فقط أصحاب الأرز والمناسف ولسنا فقط أصحاب الكوسكوسي والطواجن أو الحمص والفلافل.  نحن مزيج من كل هذا وأكثر. وهكذا بعد عشر سنوات، لم يعد للسويسريين ما يدهشونني به أما أنا فما زال في جعبتي الكثير من الأطباق  لأدهشهم بها سألتني إحدى صديقاتي عن حياتي في سويسرا بعد مضي 10 سنوات لي فيها وأخذنا الحديث إلى جوانب عديدة ومما سألتني عنه هو طعام أهل هذه البلاد وعن ما لاقى استحساني  منه ،فكانت فكرة هذه المقالة التي أحببنا أن نشارككم بها:
إن تفكيري بوجبتي السويسرية المفضلة عاد بي إلى تلك الضيعة القابعة على ذلك الجبل المكسو بالثلوج عشية سبتٍ تحت وطأة استغرابي من طلب زوجي بأن يقوم هو بتحضير العشاء أقف انظر بدهشة إلى طبقانِ مسطحان بضعة زيتونات خضراء محشوة بالفلفل الأحمر ومثيلاتها باللوز ‏قطعتين من البيبي أونيون وأخرى من البيبي كورن والكورنيشون تلك الخيارات الصغيرة المعكوفة التي تعيدنا طريقة تخليلها بالخل والسكر إلى زمن جدادتنا. ‏بضع بطاطات مسلوقات فوقهم قطعة جبن مشوية.

نعم يا سادة إن غذاء الناس هنا يعتمد وبشده على الجبنه البطاطا ولمن يريد تناول هذه الوجبة على اصولها السويسريه عليه إلا يقشر البطاط (طبعاً هذا النوع سريع الطهو قشرته رقيقة جداً بحيث يتمكن المرء من أكلها بسهولة ) من وسط الطاولة يأتيك وهج آلة الشواء وشيعة علوية مغطاة بغطاء معدني ناقل للحرارة وقاعدة تستند عليها من أربع إلى ثمانية شوايات معدنية مكسوة بطبقة لا تلتصق عليها الجبنة، كل واحدة مؤلفة من يد وصحن مقعر صغير بحجم قطعة الجبنة تشبه في شكلها الراكيت ( مضرب كرة التنس ) ‏يمكن إضافة بعض قطع اللحم والاستعانة بغطاء الآلة لشوائها أو إضافة بعضانواع اللحم المقدد لكنني شخصياً أفضلها بدونه.

جلسنا ننتظر قطع الجبنة لتنضج نصبها في الصحن أو على حبات البطاطا وناكل ‏موارد قليلة شتاء طويل وليالي أطول وابرد في جبال معزولة تفتق العقل هنا عن عمل قيمة مضافة لهذين المكونين البسيطين الجبنه البطاطا: أسماء مميزة مستوحاة بعناية.. أدوات فارهةالبساطة آلات عبقرية… أجواء عائلية.. وصفة رائعة لتناول وجبة شرطهاالأساسي ألا تؤكل على عجل العشاء السويسري التقليدي طعام لا يمكن تناوله على عجل طعامٌ أريد له أن يكون احتفالية يوم مليء بالتحديات والإنجازات في البداية كانت تصنع على شكل قوالب كبيرة تقسم إلى نصفين يعرض وجه الجبنة إلى لهب الحطب وعند نضجه يتم ( قحط ) هذا الجزء الناضج من الجبنة وإنزاله في الطبق ما زالت بعض المطاعم تحافظ على هذه الطريقة الأم بعضها الآخر استبدلها بآلات شواء كهربائية مستوحات من الطريقة التقليدية كذلك ما زلنا نستمتع بهذه الطريقة في الاحتفالات العامة كعيد الميلاد ويوم التخفيضات الكبرى إن أكثر ما أثار دهشتي ودهشتهم ومازال هو الكميات!!!

فلا يظنّن أحدٌ أن بلد الأجبان هذه، تكون فيها الأجبان مسفوحة بالكيلوات على جنبات البرادات في السوبرماركات لا يا سادة هنا أكبر كمية يمكن أن يبتاعها المرء هي نصف كيلو من جبنة الراكليت المعدة للاستخدام العائلي. فيما عدا ذلك وزن قالب الجبنة من أي نوع هو بين ١٠٠-٢٥٠ غ هذه الدهشة التي ارتسمت على وجهك الآن أصابتني بالفعل عندما نظرت اول مرة إلى هذه القوالب التي تتنافس بالصغر فيما بينها وتساءلت كم قالب منها أحتاج لعمل سندويشات الفطور؟؟؟

بعد ذلك اكتشفت أن قالباً واحداً يكفي وذلك لان كمية صغيرة من هذه الجبنة الصفراء لشدة دسامتها وقوة طعمها تشعر بالشبع هنا لون الأجبان لا يمت للبياض بصلة ولا علاقة لها بالأنواع التي عرفناها وألفناها في بلادنا هكذا هم وهكذا فرضت عليهم طبيعة الحياة وقلة الموارد أن يكتفوا بكميات قليلة من كل شيء حتى الوقت المخصص لإعداد الطعام يجب الاقتصاد فيه فلا يتعدى ٢٠-٣٠ دقيقة للوجبة الرئيسية. فلا وقت لا لسيدة المنزل ولا لرب المنزل يسمح بأكثر من ذلك، نعم للرجل هنا كثير من الرجال يقومون بإعداد وجبات الطعام للعائل.

عندما سمعت هذه المعلومة لأول مرة لم أستطع تخيل المشهد ( لم أتخيله حينها يقف بمريول المطبخ يلف اليبرق مثلاً أويكوّر أقراص الكبة ) كان هذا بالنسبة لي ضرباً من الخيال اليوم بفضل الغربة تفتقت مواهب شبابنا وأصبحوا يضاهون جداتهم وليس نحن فقط بالمهارة (وهذا أيضاً نشر المطبخ السوري في المهجر) لكن حينها كان شيئاً مما أثار استغرابي بالعودة إلى السويسران فبعد معرفتهم أكثر اكتشفت أنه أمر بسيط يمكن لأي ( رجل عامل ) أن يساعد ( زوجته العاملة ) به فهو أمر لا يتطلب في أغلب الأحيان من شوي قطع اللحم ( على اختلاف أنواعها ) اما بالفرن أو على الموقد إعداد صحن السلطة.. بعض الخضار المسلوقة… بطاطا ،أو طبق من الأرز المسلوق ( هنا بالمناسبة الرز ممكن أن يحترق لكن لا يمكن أن ( ينخبص ) ) هو لا يحتاج لا إلى غسيل ولا إلى نقع ولا لأي مهارة بالتحضير فقط عيار الماء المناسب والقليل من الملح.

تختلف مصادر ما ذكرت بين الجاهز والنصف جاهز والذي يحتاج إلى تحضير كامل وبين بالطبع الاورغان والمنتجات المعدلة وراثياً ويختلف اختيار الناس لها بحسب أذواقهم ،وقتهم، دخلهم، ومدى اهتمامهم بالمحافظة على صحتهم . لكن بالعموم هنا الناس تميل إلى كل ما هو طبيعي وطازج حتى كثير من العائلات يقمن بالتسوق للطعام بشكل يومي من هنا أتى حجم البرادات المتناهي في الصغر براد العائلة كبراد بيت( الباربي ) عندنا طول متر وعرض أربعين سنتيمتر الفريز للعائلة الكبيرة ثلاثة أدراج بعمق ٢٠ سم لك أن تتخيل حجم المشكلة التي أقع بها عندما أريد تخزين خيرات الشام من الفول إلى الملوخية أو أكياس المكدوس… هنا المطبخ مجهز مسبقاً ليس كفرنسا مثلاً على المرء أن يقوم هو بشراء الأدوات الكهربائية لكن عليه حتماً إن كان من سوريا أن يقوم بشراء فريز إضافية .

أيضاً الناس هنا تميل إلى الاقتصاد بالسكر فالحلويات السويسرية تكاد تكون خالية من السكر في نظر البعض كذلك المشروبات وخصوصاً الغازية حتى التي تحتوي على السكر منها وأكثر ما يثير الإعجاب والتقدير انه لأسباب عديدة ولكن برأيي الأهم منها قلة الموارد وارتفاع تكاليف الطعام هنا أصبح الناس يقدرون بعموم أوروبا وبسويسرا خاصة قيمة هذه النعمةجيداً ويحرصون عليها أشد الحرص فلا يمكن لأحد مهما كانت الأسباب أن يبقي فائضاً في صحنه أو على سفرته يذهب للقمامة مثلاً أن أشد عقوبة ممكن أن تطبق على الاطفال في المدارس هي لمن رفض تناول صحنه لأي سبب كان أو لمن أبقى فائضاً فيه أن يقوم على مرأى من رفاقه بسكب محتويات هذا الصحن في سلة القمامة إن هذا الأمر معيب جداً وهذه ثقافة عامة هنا لدرجة تجعل أشد التلاميذ عناداً يرضخ لما يقدم له ( طبعاً هم يراعون ما طلب الأهل تجنبه لأسباب دينية أو صحية ) وكذلكيسكب على قدر حاجته كي يتجنب موقفاً كهذا.

و بمناسبة ذكر الاطفال أوَّدُ أن أشكرهم فبسببهم تمكنت من الحصول على وصفات أصلية لأشهر أكلة سويسرا على الإطلاق ( الفوندو) معروف انها تحضر بالنبيذ أو ( الكيرش ) ولذلك لمأستطع تناولها إلى أن أعطتني صديقتي السويسرية وصفة أستطيع استبدال النبيذ فيها ب ( سيدر دو بوم ) أو بالحليب أو ببساطة عصير التفاح وقالت لي كثيراً ما نصنعها هكذا من أجل أطفالنا ياللروعة تمكنت أخيراً من طهو هذا الطبق الرائع في منزلي وبعد أن جربت كل الوصفات أفضلها الآن بالسيدر دو بوم، بعصير التفاح أصبح الطعم برأيي حلو أكثر من اللازم وبالحليب أصبحت دسمة للغاية لذلك فضلتها بطعم لاذع قليلاً وأخف من غيره حققه لي ( سيدر دوبوم )

لننتقل الآن لمشهد آخر للدهشة ولكن هذه المرة أنا وسفرتي سنكونان عناصرها دعوة لصديقة لي وزوجها على العشاء سأقدم من خلالها نفسي كسفيرة لبلد لم يعرفه معظم العالم هنا إلا من خلال نشرات أخبار الحرب، سأتحضر الليلة لأكون أميرة دمشقية بكل معنى الكلمة.

هكذا هي طريقتي للثأر من كل هذا الجهل المحيط بي عني وعن حبيبتي بلدي، في كل مرة أدعو بها أحدٌ من شتى أصقاع أوروبا تراودني هذه الأفكار تفضل يا سيدي ولا داعي لكل هذه الدهشة فأنت كما أنت ولم تتحول إلى الملك شارلومان أو إلى شهريار ولكنك ببساطة شديدة أمام طاولة عشاء لسيدة دمشقية، هي ومنذ أن خطت قدميها هذه البلاد تقود أشرس معاركها من مطبخها هذا الذي لا يستطيع أحدٌ أن يتخيل أنه مجرد حائط واحد من جدران المنزل، نعم يا سيدي هنا أخوض أعنف معاركي أستعمل كل أنواع الحنين والحب التي تعرفها والتي لا تعرفها هنا أتحدى الطبيعة والمسافات وأستحضر الأرواح والضحكات أخلط الألوان والأطباق.. القديم والحديث.. الشرقي والغربي.. مستوحية من الموزاييك الدمشقي الذي فيه من كل الأطياف تجمعه يد المهرة السوريين نوعاً جديداً يؤكل.

دفعته زوجته للجلوس وهو لا يزال يحدق بالطاولة، وكأن عيناه تحولتا إلى كاميرا خماسية الأبعاد اذا ما أضفنا اليها بعدي حاستي الذوق والشم اجلس يا سيدي وابدأ بطبق شوربة العدس وقرص الكبة المقلية ثمَّ عليك بالكبة بالصينية مع متبل الباذنجان أو مع صحن الحمص بالطحينة (هذا كل ما يعرفونه عن مطبخنا أن وجد أحد يعرفه فلافل وحمص بالطحينة)

هنا فقط لا أواجه صعوبة بالشرح وهنا حقاً أشعر بمدى تقصيرنا في التعريف والتسويق لثقافتنا والمطبخ السوري في المهجر على الخصوص ثم تناول طبق التبولة مع الكبة المشوية التبولة أول ما طلب مني أن اعلمه إياه فقلت حسناً ولكن عليك أن تعلم انها طبق لا يحضر على عجل وعليك معرفة أن هذه الأكلة هي رفيقة البهجة في جمعاتنا أنا هنا حولتها لتكون صانعة البهجة ثم بدأ بتناول اليبرق الذي أعطى مخترعه من عنده عشر نجمات ميشلين.

لكن المشكلة في سويسرا على كثرة كرومها إلا أن ورق العنب هنا لا يمكن طهيه نبحث كثيراً لنحصل على كرم يمكن أخذ أوراقه واستعمالها ثم أتقصد عمل طبق باللبن ( في ذلك اليوم كان كبة لبنية ) حيث أطباق اللبن المطبوخ أولاً هي من احب أنواع الطعام إلى قلبي وثانياً أشعر بأن إمكانية التسويق إلى هذا النوع من الطعام هناممكن جداً لكثرة اللبن وجودته البعض يفضل ترويب الحليب وعمل اللبن منه انا اتبعت هذه الطريقة فترة ثم بعد أن تعودت على أنواع المواقد الكهربائية التي كانت في البداية تسبب لي الكثير من التعب بسبب اختلافالحرارة فتارتاً يحترق اللبن وتارة ( يفرط ) وأخرى ( يخّرز) وما من مصيبة قد تواجه احد في موضوع اللبن إلا وواجهتني ولكن حبي له دفعني لأن أتعلم من كل أخطائي والتي كانأهمها بسبب اختلاف الحرارة وتوزيعها وقوتها بين المواقد التي تعمل على الغاز وهذه هنا التي تعمل على الوشائع الكهربائية البعض الآخر يرى أن طريقة الترويب التقليدية تعطي اللبن الطعم الحامض الذي ننشده حيث هنا بالغالب طعم اللبن حلو.

نعود لموضوع العزيمة، يسألني كم من الوقت استغرق إعداد هذه الطاولة فأجيب بعدد الساعات الذي يعتبره ضرباً من الجنون.. وأنا أتفهمه وتعتبره زوجته ضرباً من الحب.. وأؤيدها وتبدأ هنا مهمتي بالتعريف على بلدي الخصب الخصيب من الهلال الخصيب قلب طريق الحرير النابض نعمة الجغرافيا التي جعلت الفقير منا قبل الغني ينعم بتعدد مصادر قوته وتنوعها وغناها أن هذا الذوق الذي تتكلل به موائدونا كإكليل العروس ما هو إلا قمة الهرم في التراتبية الحضارية.

نحن شعب لديه من الترف الذوقي ما يجعله يكتشف أن الفجلة والبصلة الخضراء رفيقة الشاكرية، وأن البرغل يليق بها في حين الرز الأبيض يليق بالشيخ المحشي، نعم يا سادة إن شعباً مزج أوراق النعنع بالبقدونس وأنتج التبولة هو شعب يتربع على عرش الغنى من حيث لا يدري، حقاً لست أبالغ من عاش في أوروبا وكلما اتجهنا شمالاً أصبح يدرك حقيقة ما أقول، هنا كل ما نقدمه لهم على بساطته أو تعقيده يثير لديهم الأسئلة عن من نكون نحن السوريين ؟

نحن نمثل لهم من خلال طعامنا نموذجاً جديداً لم يألفوه نحن لسنا فقط أصحاب الأرز والمناسف ولسنا فقط أصحاب الكوسكسي والطواجن نحن مزيج من أكثر من هذا وهكذا بعد عشر سنوات ما عاد لديهم ما يدهشونني به أما أنا فما زال في جعبتي الكثير من الأطباق لأدهشهم بها.

اقرأ/ي أيضاً:

المطبخ وأثره في الاندماج، ماذا أخذنا وماذا أعطينا؟! رأي يرصد حركة تبادل الثقافات عبر المطبخ
الطريق إلى قلب المرأة يمكن أيضاً أن يبدأ من المطبخ
في دور الجَنْدَرَة وطبخ المُجَدَّرَة نقاشات مفتوحة وآراء حول أدوار الرجل والمرأة في المطبخ، وانعكاساتها في ضوء الاغتراب.

ألمانيا و بيع الأسلحة.. صفقات بلا أخلاق والتفاف على حظر بيع الأسلحة للسعودية

طفل من “أب وأمَّيْن” في اليونان…إلى أين سيصل علم التلقيح الصناعي؟