in

العنف اللغوي والثقافي وتأثيره على لاوعي المجتمعات

Mira Dancy - Blue Exile 2016

ريما القاق: ماجستير في إدارة النزاعات بين الثقافات المختلفة

يشكّل حصر تعريف العنف بالعنف الجسدي خطورة كبيرة، تتجلى بممارسة أنواع العنف الأخرى دون وعي بأثرها النفسي والاجتماعي، والخطورة تكمن في تقبلنا لهذه الأنواع من العنف دون إدراكها وإدراك عواقبها، ما يجعلنا ضحايا لها.

تتناول سلسلة المقالات هذه مفهوم العنف وتصنيفاته، فقد تم الحديث في المقال السابق عن العنف المؤسساتي وفي هذا المقال سأتحدث عن العنف الثقافي والتمييز ضد المرأة.

يلعب العنف الثقافي دور المشرّع للعنف المؤسساتي والمباشر، حيث عرفه عالم الاجتماع النرويجي غالتونغ: ”نعني بالعنف الثقافي تلك الجوانب الثقافية والمجال الرمزي لوجودنا والمتجلية في الدين، الأيديولوجية، اللغة، الفن، والعلوم التي يمكن استخدامها لتبرير أو تشريع العنف المؤسساتي“.

تتجلى أكثر أشكال العنف الثقافي تأثيراً في اللغة المحكية والوسائط الفنية المنتشرة بشكل كبير بين العامة، لأنها تعكس الثقافة الشعبية من جهة، وتلعب دوراً  في تشكيل ما يمكن تصنيفه عامةً بالـ”مقبول“، ”طبيعي“، ”مرفوض“ أو ”عنيف“ من جهة أخرى.

ثقافة دونية المرأة على المستوى الشعبي:

تسوّغ بعض الأمثال الشعبية في المجتمع السوري التمييز السافر ضد النساء، وتعود مرجعية كثير من الأمثال للموروث أو النصوص الدينية، وهنا بعض الأمثلة وأثرها النفسي المحتمل:

  • أخت رجال: لوصف المرأة القوية، وتشبهها بالرجال في حال كانت على قدر المسؤولية، مما يرسخ صورة الرجل كمثال أعلى وجنسه كجنس متفوق.
  • لا تكون متل النسوان/ شو انت مرة؟/ لا تبكي متل البنات: على العكس تماماً يتم وصف الرجال بالنساء كمذمة فهي كالشتيمة بالنسبة للرجل، أي افتراض النساء كجنس دوني، بل قد تتعدى ذلك لتكون إهانة.
  • النسوان بنص عقل: تعميم افتراض عدم كفاءة المرأة مما يسوغ عدم سيادة العدالة الاجتماعية في مجالات مختلفة.
  • المرأة ضلع قاصر: ترسيخ افتراض ضعف النساء وعدم قدرتهن على الاستقلالية.
  • همّ الممات للبنات: النساء مخلوقات ضعيفة تحتاج إلى الاهتمام والمساعدة دوماً ومسببة للمشاكل.

على الرغم من انتشار الوعي بقضية المساواة الجندرية إلى حد ما، إلا أن مثل هذه الأمثال أو معانيها تتكرّر في وسائط منتشرة بكثرة، مثل الأحاديث المتداولة يومياً أو المسلسلات الدرامية. تسوغ وتكرس هذه الثقافة الشعبية مفهوم الذكورية، وتنشر فرضية تفوق جنس على آخر بشكل تلقائي دون اعتراض يذكر، والتي ربما تتحول لقناعة عند كلا الجنسين.

تكثر أيضاً النكات والمواد الكوميدية التي تتحدث عن ”عدم كفاءة النساء في الرياضة أو قيادة السيارات مثلاً“ أو ”غباءها“ أو ”كثرة حكيها“ أو ”قلة عقلها“ أو ”كيدها“ وما إلى ذلك من صفات سلبية يتم تعمميها بشكل جاهل على النساء حصراً وانتشارها لتصبح أمراً اعتيادياً غير مرفوض أو مستهجن.

تؤثر هذه الصورة المغلوطة على ثقة الفتيات بأنفسهن وإدراكهن لقدراتهن، مما يحدّ طموح الكثيرات ليكون محصوراً بالزواج والإنجاب. كما تغذّي هذه الصور التفوق في لاوعي الفتيان، وتعطيهم الحق والشرعية في قمع النساء مستقبلاً.

التمييز الجنسي ضد النساء (Sexualism)

يقصد بالـ”Sexualism“ السلوك الاجتماعي المنضوي على معاملة النساء على أساس دورهن الجنسي وإنتاجهن في التكاثر فقط. تنتشر هذه الظاهرة اليوم في العالم أجمع، ففي الكثير من الأوساط السينمائية، التلفزيونية والأدبية، يتم تصوير المرأة على أنها سلعة أو مستهلك جنسي بشكل حصري مع إهمال لإنسانيتها أو إبداعها. كما ينتشر ما يسمى ”ثقافة الاغتصاب“ والتي تنمّط التحرش اللفظي بالمرأة كفعل اعتيادي، وتجعل من التحرش فعل قد يستهان به من خلال إسكات الضحية بطرق مختلفة مثل: السخرية، عدم التصديق، اللوم، التهديد بالفضيحة وإلحاق العار.

وقد برزت الكثير من الدعوات والحملات الداعية لتوقف هذه الظواهر أو توجيه أصابع الاتهام لها على الأقل، مثل الحركة النسوية والحملات المناهضة للتحرش. تطالب هذه الحركات بالعدالة الانسانية للجميع، والتعامل مع المرأة كإنسانة أولاً مع اعتبار لمكانتها الوظيفية أو الأدبية، وعدم النظر إليها حصراً من زاوية جنسية أو حسب الصورة النمطية في التصور الجمعي أو الثقافة الشعبية.

يؤشر عدم وجود مصطلح موازي في اللغة العربية لمصطلح  Sexualism أو حتى شبه انعدام استخدامه على المستوى الشعبي إلى غياب شبه تام لثقافة مناهضة التمييز الجنسي ضد النساء أو الوقوف في وجه ثقافة الاغتصاب في الثقافة والذهنية الشعبية العربية. على العكس تماماً، يوجد مقاومة واضحة لكل ما يمت بصلة للحركة النسوية أو ما يوصف بالـ”نسوي“ عن طريق التنمر والتندر وتسمية النسويات بالـ”مسترجلات“ أو ”كارهات الرجال“ أو ”خرابات البيوت“. في الوقت نفسه تجد ثقافة التمييز الجنسي الطريق ممهداً أمامها لتتمادى وتتوسع بشكل يومي وخلال مختلف الوسائط.

مثلاً، قد يعتبر التغزل بامرأة في مشهد عام أمراً عادياً ومشروعاً، بل يوجد تشجيع جمعي عليه وذلك من خلال بعض الأغاني على سبيل المثال. عادة ما يعرض موضوع ”التلطيش“ كمادة للنكات أو المزاح أو المسلسلات الكوميدية. كما يتم التندر على من لا يتمتعن بالصفات ”المرغوبة“ عادةً مثل العمر، اللون، الشكل الخارجي لتكون هدفاً لأبشع التعليقات المسيئة والمتنمرة. تشكل هذه الحالات أنماطاً ثقافية على المستوى الشعبي تكرس العنف اللفظي والمعنوي ضد المرأة، وتسوغ العنف الجسدي والتمييز ضدها شرعاً وقانوناً.  

من الممكن البدء بالانتباه لما هو مؤذي أو مهين في لغتنا وسلوكنا، مما يساعدنا على إدراك أثر الكلمة والأغنية والنص والصورة والتعليق، وبالتالي تحمل المسؤولية اللازمة للوقوف في وجه هذه الانتهاكات، أو على الأقل عدم تكرارها كي لا نكون جزءاً من حلقة العنف.

خاص أبواب

اقرأ أيضاً للكاتبة:

العنف كمفهوم… هل أنا ضحية دون أن أعلم؟

هل أنا ضحية دون أن أعلم؟ الجزء الثاني: العنف المتواري خلف اللجوء

المرأة والرجل، أين كنا وأين صرنا؟

الأبقار السويدية تقضي إجازتها على شاطىء البحر هرباً من الحر

هكذا تتنحّى الأحجار لكي تعبر الموسيقا… الجمال في مواجهة الهَمَجية