نزار ابراهيم صحفي سوري مقيم في ألمانيا
اضطر كثير من اللاجئين السوريين والعرب في ألمانيا إلى اللجوء إلى “العمل الأسود”؛ وهو العمل بلا عقد أو أوراق رسمية والذي يعتبر تحايلاً على قوانين العمل الألمانية.
فادي خوري، طالب في جامعة بوتسدام في برلين، لجأ في أولى سنواته في ألمانيا إلى العمل بالأسود في ملهى ليلي كساقي/ بارمان لمدّة عشرة ساعات ويزيد يومياً. يحدّثنا فادي عن هذه التجربة، فيقول: “من الناحية المادّية، كنت في العمل الأسود أتقاضى قرابة عشرة يورو في الساعة، وهو نفس المبلغ الذي كنت أتقاضاه عندما عملت في السينما كمسؤول عن ماكينة للفوشار بعقد قانوني. لكنّ المشكلة في العمل الأسود أن رب العمل/ المشرف يحكم قبضته عليك تماماً، ويتحكّم بك؛ فلا تشعر كعامل بالأمان، أيْ أن بمقدوره طردك من العمل في أيّة لحظة، ولا تستطيع أنت بدورك فعل شيء حيال الأمر؛ لأنّك ببساطة لا تملك عقداً. وغالباً ما تشعر بعدم الاستقرار إلا إذا كان المشرف رجلاً طيّباً، حينها تستطيع تدبّر الوضع”، ويضيف “بذلت جهداً كبيراً في العمل الأسود، لكن لم أسمع كلمة شكر واحدة، أو أيّة عبارة تشجيعية؛ فبدأت أشعر أن الجهد الذي أبذله يروح هباءً”.
من ناحية أخرى يعتبر فادي أن بيئة العمل هي الأهم سواء كان العمل أسود أو قانوني، فالأساس هو إدارة المؤسّسة، الشركة، أو الجهة التي يعمل معها الفرد، فهو مثلاً وخلافاً للحالات الأخرى، لم يتعرّض للاستغلال خلال فترة عمله بالأسود كما يقول لنا: “لم أتعرّض للاستغلال أبداً، في حين أنني في العمل الأبيض شعرت بالاستغلال؛ ففي القانون الألماني يحقّ لرب العمل طردك في الشهور الستّة الأولى حتّى لو لم يكن هناك أسباب واضحة للطرد أو الفصل؛ هذا ما يدفع بالعامل إلى الشعور بالتهديد وعدم الاستقرار طوال هذه الفترة”. يقول فادي إنه طُردَ جراء غلطة واحدة، مع أنّ الأمر كان مجرّد سوء تفاهم؛ “لقد طلبوا مني تقريراً طبّياً واعتذرت عن إحضاره لأنّ الوقت كان متأخّراً ويليه يوم كامل من العمل، شرحت للمشرف على العمل وضعي لكنّه لم يتفهّم، طلبني إلى مكتبه في اليوم التالي وطردني من العمل ببساطة”.
ويتابع فادي: “ليس من السهل علي كطالب جامعي أن أعمل، إلا أنّ الحكومة الألمانية تقدم لنا العديد من التسهيلات: لا ندفع الضرائب تقريباً، تأمين صحي بمبلغ ضئيل، وغيرها من الأمور. مع ذلك، أنا مضطر للعمل 20 ساعة كحدّ أدنى لدفع فواتير الماء والكهرباء والإيجار والطعام”.
عواقب العمل الأسود في القانون الألماني
وفي سعينا لفهم البعد القانوني لظاهرة العمل الأسود وتبعاته على الأطراف المستفيدة، التقينا في أبواب بالمحامي السوري “حسام محمّد” المقيم في ألمانيا؛ والذي حدّثنا في البداية عن وجه الاختلاف بين العمل الأسود ونظيره القانوني بقوله: “إن من يلجأ إلى العمل الأسود هو دائماً مُستغَل، وبعض الأجانب ممّن لا يملكون الإقامات الضرورية لمزاولة العمل يقبلون أن يتم استغلالهم من قبل أرباب العمل لأنّه ما من طريقة أخرى لكسب الرزق. والاستغلال هنا له أشكال عديدة: ففي ألمانيا يعمل الشخص في اليوم ثمانية ساعات ونصف كحدّ أقصى إلا في ظروف معينة، لكن في العمل الأسود يلجأ رب العمل إلى جعل العامل يعمل مدّة 10 ساعات في النهار مثلاً. هناك أيضاً نقطة أخرى، أنه حسب القانون الألماني يتوجَّب على رب العمل أن يدفع للعامل كحدّ أدنى 9 يورو و60 سنت أو 50 سنت، لكن في حال كان العامل أجنبياً ولا يملك سماحاً بالعمل فقد يدفع له رب العمل 5 يورو، وهذا مخالف للقانون”.
أما عن عواقب العمل الأسود في القانون الألماني، يقول المحامي: “من الجانب القانوني فإن حصل وقبضت السلطات على رب العمل هذا فإنه يغرم بغرامة مالية كبيرة جداً قد تصل إلى مئة ألف يورو. أمّا العامل فيغرم بغرامة بسيطة نسبياً مقارنة برب العمل، ويبلغ حدها الأقصى 5000 يورو”.
لاشك أن وعي المهاجرين واللاجئين في ألمانيا تجاه ما يتعرضون له من استغلال في هذا النوع من الأعمال يزداد، ويتجه الكثيرون بعد فترة إلى البحث عن عمل آمن يضمن لهم الاستقرار والاستقلالية والأمان الوظيفي للمستقبل.
اقرأ/ي أيضاً:
العمل بالأسود في ألمانيا: إلقاء القبض على أجانب يعملون بدون وثائق قانونية
دراسة: واقع سوق العمل ما بين شطري ألمانيا يكشف تفاوتاً مستمراً