عندما نسمع كلمة النسوية، في سياق عربي ومصري، نتخيّل نمطاً واحداً: سيدة تتشبّه بالرجال، وربما كانت هذه الصورة هي السائدة منذ خمسين عاماً أو أكثر، ولكن النسوية الآن، تحمل في طيّاتها تنوعاً وأطيافاً عديدة.
كنسوية مبتدئة، واجهت نماذج كثيرة لنسويات يتصرّفن في حياتهن العملية والشخصيّة بعكس المبادئ التي ينادين بها في كتاباتهن أو أحاديثهن العامّة، فهل تختلف الحياة اليومية عن المبادئ التي ننادي بتطبيقها على الآخرين؟ ربما. هذا المقال ليس دعوة لإضفاء صبغة المثالية على النسويّات، ففي النهاية كلّنا بشر، معرّضون للتناقض، وقد لا نتسق مع ما نؤمن به بنفس تصوّرنا عن ذواتنا، ولكن يجب أن نحاول، ويجب ألا نترك الفروق شاسعة، فنتحوّل إلى منافقين.
بالنسبة لي، أساس النسوية هو مبدأ المساواة، أن أحصل على نفس الأجر، عندما أقوم بنفس واجبات زميلي، ألا يتم تكليفي المهمات التي يدخل “جنسي” في تحديدها، وأن أحصل على نفس المميزات التي يحصل عليها بالطبع، ما دمت أقوم بعملي على أكمل وجه، ومن ناحية أخرى، ألا استغل “كوني امرأة” في تحقيق مكاسب في دوائر الإدارة العليا من الرجال مثلاً، وألا أخضع للتنميط الذي يتوقع أن نجاحي مرتبط بكوني امرأة، فهاذا يساوي أنني استغل قواي الناعمة للوصول، أو التنميط المضاد من النساء: أنني أهتم بمظهري الخارجي ولون أظافري مثلاً، فأنا بالتأكيد غبية أو ذات عقل فارغ.
وبالمثل يمكن قياس الأمور في العلاقات العاطفية، فالنسوية في التعاملات والتصرفات اليومية مع الشريك، ليست أمراً صعباً ولا مفترضاً به أن يكون، إذا اتفقنا على مبدأ المساواة، يجب أن نتفق أيضاً على مبدأ الشراكة، فالمرأة النسوية طرف كامل الأهلية، يمكنه تحمل مسؤولية واتخاذ قرارات، كما لها مساحتها الخاصّة ولها آراؤها، وفي مساحتنا المشتركة نتقاسم الأعباء والواجبات والحقوق، محاولين ومحاولات الخروج من المعايير والأدوار الاجتماعية، فالتنظيف يصلح للنساء والرجال، وبالمثل الأعمال اليدوية، وطبخ وإعداد الطعام، رعاية الأطفال وغيرها من المهمات.
أما بالنسبة للسرير، فالنسوية لن تعطل سير المتعة، بالعكس -كما يتضح من اسم النظرية – فالمرأة النسوية تفهم جنسانيتها أكثر، وتؤمن أن المتعة حق، وبالتالي تعبر عن نفسها بشكل أفضل في الفراش، تعبر عن رغباتها كما هي، وتسعى لإمتاع الشريك أيضاً.
بالطبع ليس الأمر بهذا الوضوح دائماً، هناك الكثير من الاختلافات والنقاشات دائماً حول الجنس، فبعد ثورة التحرر الجنسي في الستينيات من القرن الماضي، وصل الأمر إلى الحرب – حروب الجنس النسويّة – التي قسّمت النسويّات إلى تيارين متحاربين، التيّار الأول هو “النسوية المناهضة للإباحية“، والتي تعتبر الإباحية والعمل الجنسي تشييئاً وتسليعاً للمرأة، وتعتبر شعارات موجة التحرر الجنسي محاولة جديدة لاستغلال النساء، كما كان لديهن موقف قوي ضد الممارسات والتفضيلات الجنسية “غير الطبيعية” مثل السادية والمازوخية، ويعتبرن أنها إعادة تكريس لدور الرجل المسيطر والمحرّك للجنس، والذي هو أصل كل أشكال القهر ضد المرأة.
أما التيّار الثاني، فهو “النسويّة الإيجابية جنسياً“، الذي نقد المنتميات إلى التيار الأول، واتهمهن بالبيورتانية (التطهريّة)، ودافع عن الحرية الجنسية بوصفها من أهم مكتسبات المرأة، وأن حقها في التعبير عن رغباتها الخاصة دون وصاية اجتماعية أو رقابة أبوية هو حق أصيل، واعتبر أن أي ميل أو ممارسة جنسية مقبولة ومشروعة ما دامت برضى الطرفين، فالمرأة قد تقبل هذا الفعل وقد ترغب فيه لذاتها، وليس لمجرد الرغبة في إرضاء رجل أو استجابة لمحاولات قهرها.
أما بالنسبة للعمل الجنسي، فاعتبر هذا التيار أنه اختيار حر للمرأة، وتعبير عن جنسانيتها، دون وصاية أبوية أو خضوع للنموذج “المثالي” عن المرأة، كما أشرن أيضاً إلى أن في صناعة البورنوجرافيا، النساء يتقاضين أجراً أعلى من الرجال، وعرّف كثير من نجمات الأفلام الإباحية أنفسهن كنسويات إيجابيات جنسياً، وأصبحن عضوات نشطات في حركات اجتماعية وحقوقية نسويّة.
خرجت الموجة الثالثة للنسويّة من رحم هذه الحرب، لتنفتح على التجريب في الجنس وعلى استيعاب أكبر لتنوعات الممارسات الجنسية، ونادت بانطلاق الرغبة من داخلنا: “يجب أن نتعلم أن نمارس الجنس مع الأشخاص لأننا نحن نريد ذلك، ليس لإثبات أي شيء لهم، وليس لجعلهم يشعرون بذكوريتهم بشكل أفضل، وليس من باب الضعف أو عدم القدرة على الرفض، ولكن ببساطة لأننا نريد ذلك”* the Dialctic of Sex – Shulamith Firestone – 1968
جنسانيتنا إذن يجب أن تكون منطلقة منا وليس من تفضيلات وتوقعات الآخرين عنها، وفي السنوات التي تلت، كان هناك انفتاح لدى النساء في التعبير عن النفس، وفي فهم الرغبات الدفينة والتصالح معها، وانطلقت النسويات في التعبير عن تخيلاتهن للعلاقة الجنسية المُرضية، وعدم خجلهن من ميولهن مهما بدت متناقضة مع “ما يبدو” نسوياً، مثل الرغبة في أن تتم السيطرة عليها في السرير، أو أن تصفع على مؤخرتها من أجل مزيد من الإثارة.
إذن، فالنسويات يفهمن أجسادهن أكثر ويقدرن الحريّة والمتعة، ويعرفن ما يرغبن فيه، ويتطلعن إلى شريك قادر على إمتاعهن في الفراش، وقادر أيضاً على استقبال المتعة، والجنس بالنسبة له ليس عملية ذات اتجاه واحد، وإنما وقت ممتع وتشاركي، نسعى فيه نحن الأثنين إلى المزيد من الاستمتاع والتشبّع والحميمية والوصول إلى النشوة، دون أن يتحوّل إلى سباق إلى القمة.
وبمناسبة المساواة في الوصول إلى النشوة الجنسية، فالنسويّات لا يخجلن من الإمتاع الذاتي، ويرين فيه تواصلاً أكبر مع الجسد وتحرراً من الصورة النمطية عن “الجنس الصحيح”، وعبوراً فوق كل المعايير الاجتماعية التي منعت النساء من إمتاع أنفسهن ذاتياً بمختلف صور التحريم والتجريم، وبالتالي، ليس لدى النسويّات موقف من كل أنواع الاستمتاع، بك ومعك.
كما سيكون هناك المزيد والمزيد من الصراحة حول العلاقة الحميميّة وجدواها، وحول رضا الشريكين عنها، ليس هناك داعٍ لتزييف النشوة الجنسية او اصطناع الرضا عن الأداء الجنسي، وبالتالي، كن مستعداً للتعامل مع نِد، وليس مع طرف أقل، مهمته هي تحسين صورتك عن نفسَك.
العلاقة مع نسويّة تعني أنك مستعد للانطلاق واستقبال التوجيهات أيضاً، معظم الرجال يخجلون من الحديث أثناء الجنس، أو من تقبّل الطلبات والتوجيهات من شريكاتهم، حسناً، ربما يحتاج هذا الأمر إلى بعض التطوير الآن، فالنسويّات – والنساء بشكل عام – أصبحن أكثر قدرة على التعبير عن مطالبهن، وخصوصاً فيما يتعلّق بالعلاقة الحميميّة، ومدى رضائهن عنها، المرأة النسويّة تحتاج إلى شريك يفهم جيداً معنى أن تختصه امرأة بجسدها وأن تسعى إلى إرضائه، وبالتالي عليك أن تتفهم جيداً هذا الجسد الذي يحدّثك بلغته وبرغباته وتخيلاته الأشد خصوصيّة.
تقول إيلين ويليس النسويّة اليساريّة الأمريكية: “النسويّة هي رؤية مكوّنها الحريّة الفعّالة، والرغبات المُشبَعة، أو تكونُ هبَاءً”
هذه التدوينة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أبواب
المصدر: موقع رصيف22
اقرأ/ي أيضاً: