د. نهى سالم الجعفري*
أنت في ألمانيا، إذاً لابد من التأمين الصحي مهما كانت صفتك أو إقامتك، حتى لو كنت مجرد مسافر عابر فلابد لك من الحصول على تأمين صحي قبل الوصول، سواء كانت رحلتك للعمل او السياحة، فالتأمين الصحي أساسي ولا يمكن لشخص عادي تحمل أعباء تكاليف العلاج الباهظة في حال أحتاج طبيب لسبب أو أخر.
ونظام التأمين الصحي في ألمانيا يعتبر الأفضل على مستوى الدول الأوربية من حيث تقديم الخدمات والرعاية الصحية، وهو الأقدم أيضاً فأول وثيقة تأمين صحي في العالم تم إصدارها في ألمانيا عام 1883م.
ينصب عمل التأمين الصحي على توفير الرعاية الصحية الجيدة للشعب كافة دون تمييز طبقة أو عمر معين، ويعمل على تغطية تكاليف العلاج كافةً من حيث الفحص والتشخيص والعلاج والدعم الجسدي والنفسي. إلا أنه لا يشمل ما يتم اعتباره علاجات تجميلية وهذا يتضمن بعض علاجات الأسنان والتي غالباً ما تكون قيمتها العلاجية مكلفة جداً ولا يمكن للشخص العادي تحملها مادياً.
ولقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية التأمين الصحي شكلاً من أشكال التكافل الاجتماعي، كما أنه دليل على حضارة وتقدم الأمم وهدفه تقسيم الأعباء المادية العلاجية على جميع أفراد الشعب مقابل مبلغ مالي شهري، لذلك فهو يعتبر أحد معايير الرفاهية والتقدم في الدول المتقدمة.
تحت عدسة النقد:
وبالرغم من المزايا المتعددة لهذا النظام وتصدره لأنظمة الجوار، إلا انه تعرض لانتقادات واتهامات متكررة تتعلق بأهدافه الربحية التي تبدو أنها أصبحت واضحة للعيان. وفيما يلي نستعرض النقاط السلبية في هذا السياق ولكن بعيداً عن التعميم لاعتبارها متأتية من ملاحظات أطباء وشكايات أو تجارب خاصة، إضافةً إلى بعض التقارير الإعلامية:
- يبدو أن النظام الصحي يتحول تدريجياً إلى نظام شمولي احتكاري، حيث نجد أعداداً كبيرةً من المرضى على قوائم الانتظار للحصول على موعد عند الطبيب، وقد تمتد فترة الانتظار لعدة أشهر قبل وصولك إلى الموعد، وعندها تحصل المفارقة أحياناً حيث يتم المعاينة والتشخيص والعلاج خلال فترةٍ قصيرة قد لا يستطيع معها المريض شرح وضعه الصحي، كما لا يستطيع الطبيب تكوين تشخيص كافٍ مما يؤثر على جودة وكفاءة الأداء. المعادلة صعبة جداً بين ضيق الوقت وجودة العمل، مما قد ينتج تفاوتاً ما بين جودة الخدمات المقدمة للمريض من قبل الكادر الطبي من جهة، وتحقيق الربح الأعلى من قبل شركات التأمين من جهة أخرى.
- كما أن التركيز على الأعمال المكتبية وأهمية التوثيق أصبح أكثر أهمية من التركيز على المريض ومشكلته الصحية في بعض الأحيان.
- يشتكي البعض من أنه حتى في الحالات التي تستدعي دخول المستشفى تم تقليص أيام النقاهة الصحية للمريض بغية تقليص الأعباء المادية قدر المستطاع، فأصبحت كأنها مؤسسة تجارية تعنى بعدد المرضى دون العناية بجودة الخدمات المقدمة لهم.
- ليس المريض هو الوحيد المتضرر من هذا النظام، فلقد أثر سلباً على الكادر الطبي مما استدعى بعض الاطباء من التخلي عن وظائفهم والتوجه إلى دول اخرى طمعاً بوقت عمل يتناسب مع القدرات الإنسانية بالإضافة لرواتب أعلى، وهذا بحد ذاته أحدث فجوة كبيرة ناتجة عن تناقص عدد الأطباء وطول ساعات العمل وزيادة أكبر بعدد المرضى المراجعين.
مما سبق نجد انها حلقة مفرغة بين المريض الذي من حقه تلقي علاج مناسب دون الانتظار الطويل وبين الكادر الطبي الملزم بإجراء المعاينة بأقصر وقت ومعاينة أكبر عدد ممكن من المرضى ليبقى المستفيد الأكبر هو شركات التأمين الصحي.
*د. نهى سالم الجعفري. طبيبة سورية مقيمة في ألمانيا
اقرأ/ي أيضاً:
التأمين الصحي الشامل، نقطة خلافية أخرى في تشكيل الائتلاف الحاكم في ألمانيا
التأمين عن المسؤولية ضد “الغير” Haftpflichtversicherung
أخطاء الأطباء في ألمانيا كلّفت أكبر شركة تأمين 15 مليون يورو العام الفائت