بعضهن احتجن 15 عاماً لفهم أنهن كنّ ضحايا ابتزاز جنسي ونفسي تم داخل الكنيسة. قصص نساء فرنسيات تحدثن لشبكة سي إن إن الأمريكية عما تعرضن له قبل سنوات من “اعتداءات جنسية ونفسية وروحية مدمرة” داخل جماعة القديس جون بفرنسا.
أنشئت مجموعة “راهبات القديس جون” في منطقة لْوَار في فرنسا أوائل الثمانينات، وهي واحدة من ثلاثة فروع أنشأها الأب ماري دومينيك فيليب الذي يعتبره مؤمنون “قساً صاحب كاريزما”.
عبودية جنسية بالكنيسة
وفي عام 2013، بعد سبع سنوات من وفاة مؤسسها، كشف إخوة القديس جون عن “ارتكاب الأب فيليب أفعالاً مضادة للعفة بحق العديد من النساء، بينهن راهبات”. تأكد الأمر لاحقاً، وتبين أن لسنوات عديدة تعرضت راهبات لاعتداءات جنسية على أيدي كهنة المجموعة بالإضافة لمؤسسها.
لكن الغطاء رفع بالكامل عن هذه الفضيحة، حين اعترف البابا فرانسيس قبل أيام، ولأول مرة، بتعرض الراهبات لاعتداءات جنسية من قبل الكهنة والأساقفة واصفاً ذلك بأنه “مشكلة” للكنيسة.
وفي ما يتعلق بما حدث داخل جماعة القديس جون تحديداً، قال البابا:”وصل الفساد حد العبودية الجنسية”، لافتاً إلى أن هذا ما دفع سلفه، البابا بنديكت السادس عشر، إلى حل فرع الجماعة بإسبانيا في عام 2013.
وبعد تصريحات البابا، أصدرت الجماعة بياناً اعترفت فيه بالأمر، مشيرةً إلى “تعرض العديد من المعتدين للمحاكمة”، مشددةً عزمها على “عدم السماح بتكرار هذه الإساءات مجدداً”.
غسيل أدمغة
لوسي، اسم مستعار، كانت في الـ16 عندما انخرطت في الجماعة الدينية الكاثوليكية. تقول: “كنت أشعر بوحدة كبيرة، في البداية وجدت لديهم دفء الأسرة”، وبينما كانت تتأهب لنذر نفسها للدير، تعرضت لاعتداء جنسي من كاهن كبير كانت تعتبره “أباها الروحي”.
لكن وبعد بعد 15 عاماً، استوعبت لوسي أن ما تعرضت له على مدار أشهر متتالية في التسعينات كان “سوء معاملة”. وتعتقد لوسي أن “غسيل الدماغ” كان سبباً في عدم إدراكها حقيقة استغلال الكاهن لجسمها، “كان من المستحيل أن ترى حقيقته كحيوان مفترس” على حد تعبيرها، رغم شعورها بالنفور والاشمئزاز حين كان يجبرها الكاهن على “الحميمية الجسدية” إلى جانب الشعور بالذنب والعجز لعدم قدرتها على إيقافه.
تشدد لوسي على أن المسيء المزعوم “أساء استخدام سلطته عليها والمبدأ المركزي لعلاقتهما (الصداقة المحبة) لتبرير ما كان يفعله”. وتوضح أنه عندما حاول تقبيلها من الفم أول مرة، دفعته بعيداً، قال لها “إنها مخطئة وهو على حق” واستطردت متسائلة “كيف لا أصدقه؟”.
تؤكد لوسي أن كلمات البابا فرانسيس كانت “إغاثة هائلة لها بعد سنوات طويلة ناضلت فقط حتى يُسمع صوتها ويتم التحقيق في اتهاماتها”.
الأذى النفسي أكبر
أما لين موريه فتقول إنها تعرضت للأذى من قبل كاهن في فرنسا على مدار 15 عاماً، حين كانت راهبة مبتدئة لا تزال في العشرينات من عمرها. وتشير إلى أن “خرق الثقة والإيمان كان أصعب ما في الأمر”.
وتوضح: “الأثر النفسي كان أسوأ من الإساءة الجنسية. أساء الأمر لكرامتي وأنوثتي، وكياني. إلى الآن من الصعب للغاية أن أثق بنفسي”، إذ أقنعها المعتدي بأنها “كانت المخطئة لأنها مغرية للغاية”.
وتضيف موريه: “جعلني متواطئة في أفعاله وأشعر بالمسؤولية، ما زال صعباً أن أعترف أنني كنت ضحية”.
عرضت موريه رسالةً من الكاهن المعتدي على سي إن إن كتب فيها: “مستقبلاً سيكون علينا أن نلتقي في مكان آخر.. أدعو الله أن نتمكن من إيجاد طرق ذكية للاجتماع”، قبل أن ينهيها بقوله “حبّي المجنون لكِ يأتي من يسوع”.
وتقول لورنس بوجايد، وهي راهبة سابقة بالمجموعة، ترأس حالياً منظمة لضحايا الاعتداءات الجنسية للقساوسة: “أفكر كثيراً في الضحايا منهن من لم يستطعن التحدث، لكن ماذا عمن نُقلن إلى مستشفيات الأمراض النفسية؟ أو من شوهن أنفسهن؟ أعرف فتاة قطعت أعضاءها التناسلية، هل تتخيلون إلى أين يصل الأمر؟”.
ورداً على اتهامات لوسي، أكدت جماعة سانت جون بأن الكاهن المقصود طرد قبل 10 سنوات عقب عدة اتهامات مماثلة، مشيراً إلى أن الفاتيكان هو المنوط بالتحقيق في هذه الاتهامات حالياً وتقرير اتخاذ إجراء قانوني من عدمه. أما الكاهن الذي تتهمه موريه بالاعتداء عليها، فأوضحت الجماعة أنه يخضع للتحقيق من قبل الفاتيكان واستبعد من بعض الواجبات.
وبحسب جميع النساء اللاتي تحدثن إلى سي إن إن، كان نضالهن الأول الاعتراف بحدوث الإساءة فقط. لكن بعد سنوات عديدة سعوا للعدالة، أولاً داخل الكنيسة ثم عبر المحاكم.
“الفضائح الجنسية” تحاصر الفاتيكان
تضاف فضيحة الاستغلال الجنسي للراهبات، إلى فضيحة عالمية أخرى سببت صدمةً كبيرة في الأوساط الدينية المسيحية، حين تم الكشف عن حالات عديدة من “التحرش بالأطفال من قبل رجال دين” في الكنيسة الكاثوليكية بالولايات المتحدة.
ومطلع العام الحالي، أكد البابا فرانسيس أن “مصداقية الكنيسة الكاثوليكية بالولايات المتحدة تضررت من فضيحة الانتهاكات الجنسية بحق الأطفال”
وأشار تقرير أصدرته لجنة بولاية بنسلفانيا إلى وجود أكثر من 1,000 ضحية لانتهاكات جنسية من قبل مئات القساوسة خلال سبعة عقود في هذه الولاية.
وفي يوليو/تموز الماضي، وافق البابا على استقالة الكاردينال ثيودور ماكاريك، أحد أبرز الشخصيات الكنسية الأمريكية بعد اتهامه بارتكاب انتهاكات جنسية بحق مراهق.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، حث البابا القساوسة مرتكبي هذه الاعتداءات على تسليم أنفسهم للعدالة، قبل مواجهة “العدالة السماوية”. لكن منتقدي البابا يرون أنه لم يقم بما هو كافٍ لمحاسبة من طمس الجرائم.
وفي افتتاحيتها الثلاثاء، أكدت صحيفة واشنطن بوست أن على الفاتيكان أن يقدم أكثر من “مجرد أفكار وصلوات” لوقف الفضائح الجنسية المتتالية، بدءًا بتغيير آليات محاسبة “الأساقفة المورطين بالفضائح أو المتواطئين معهم بالتغطية على تلك الجرائم”.
ودعا الفاتيكان إلى اجتماع رؤساء اتحاد الأساقفة الكاثوليك في العالم (قرابة 130 أسقفاً) في روما، من 21 إلى 24 فبراير/شباط الحالي، لمناقشة سبل التصدي لهذه الجرائم. لكن منظمة مساءلة الأساقفة bishopaccountability الأمريكية “لا تتوقع أن ينتج عن القمة إصلاحات كبيرة”.
المصدر: موقع رصيف22
أقرأ/ي أيضاً:
بالفيديو: النصوص الشرعية “تستغيث” من تفسيرات أئمة السلاطين لها
بالفيديو: التحرش في أماكن العبادة. نساء تعرضن للتحرش أثناء قيامهن بمناسك مقدسّة
ألمانيا – هل يكفي “الحزن والخزي” ليغفر للكنيسة الكاثوليكية فضائحها الجنسية؟