مصطفى قره حمد، ماجستير دراسات سياسية – جامعة زيغن ألمانيا
يعتبر البرلمان الألماني أحد المعالم التاريخية ليس فقط لألمانيا، بل للنظام الديمقراطي في القرن الواحد والعشرين. فمع إحراق البرلمان الألماني صعد الزعيم النازي أدولف هتلر للسلطة، ما قاد لحرب عالمية امتدت رحاها من لينينغراد إلى القناة البريطانية، من فنلندا لإيطاليا، وعلى بقعٍ قتالية حول الكوكب، من المحيط الهادي للصحراء العربية.
بعد الحرب بسنوات، وقف جدار برلين أمام البرلمان الألماني كستار حديدي بين عالمين، واستمر هذا الفصل حتى أواخر القرن. لذلك تعتبر فرصة زيارة برلين وبرلمانها أمراً يغني المعلومات ليس فقط عن ألمانيا، بل عن حقب تاريخية عالمية التأثير.
هذا المقال تعريف سريع بالعمل البرلماني الألماني ودعوة مباشرة للمشاركة في برنامج تعليمي فيه.
بعيداً عن التاريخ وباهتمام مباشر بالتطبيق العملي للنظرية الديمقراطية، فإن ألمانيا الاتحادية، أو ألمانيا ما بعد 1990، بلد يصدر نفسه كداعم للديمقراطية وحقوق الإنسان حول العالم. بدون الخوض بتفاصيل هذه الحجة عالمياً، ومع الالتزام أن الديمقراطية مفهوم وطني دستوري، يمكن للمرء استشفاف الكثير من مبادئ الديمقراطية من خلال زيارة للبرلمان الألماني.
يقدم البرلمان الألماني فرصة أكبر من ذلك لخريجي الجامعات من كل أنحاء العالم، من المتحدثين باللغة الألمانية بمستوى يصل لـ B2.
برنامج التبادل البرلماني الدولي (Internationales Parlaments-Stipendium (IPS يقدم فرصة للإقامة في برلين والعمل داخل أروقة البرلمان الألماني لمدة خمسة أشهر. بالموازاة، يقدم البرنامج الفرصة للعاملين الذين لا يستطيعون ترك وظائفهم التقدم لنسخة مصغرة من البرنامج، وهي لمدة شهر واحد.
برنامج التبادل البرلماني يتضمن تدريبات مكثفة في السياسة والدبلوماسية والثقافة والعمل الحكومي والمؤسساتي، يرعاها دكاترة وموظفون حكوميون ومختصون بالحوكمة من البرلمان الألماني، وزارة الخارجية الألمانية، وعدة منظمات مجتمع مدني في برلين.
بعد التدريب النظري يأتي التدريب العملي، حيث يتمكن المشاركون في البرنامج من مساعدة أحد أعضاء البرلمان الألماني في مهامه اليومية كمتدربين (Praktikant).
العمل البرلماني:
البرلماني الألماني الاتحادي Bundestag هو برلمان أعضائه منتخبون مباشرة من حاملي الجنسية الألمانية.
يشكل أعضاء البرلمان المنتخبون Fraktionen حسب الحزب الذي ينتمون له، وهو أمر ضروري لأن الانتماء للحزب يعني بالضرورة الانتماء الفكري و التصويت على القرارات بطريقة مشابهة، نتاج رؤية الواقع بطريقة مشابهة.
في الجلسة العامة يجلس النواب حسب الحزب الذي ينتمون له أيضاً، من اليمين لليسار وفقاً لرؤية رئيس البرلمان، الذي يكون دائماً من الحزب الحاكم. في صف رئيس البرلمان يجلس ممثلوا الحكومة والولايات الألمانية المختلفة.
من ناحية أخرى، يجلس البرلمانيون الألمان في لجان متخصصة في قضايا معينة وأعضاؤها من جميع الأحزاب. على سبيل المثال لجنة التعليم، أو لجنة الثقافة، أو لجنة التعاون الاقتصادي. كل عضو برلماني هو عضو على الأقل في لجنتين برلمانيتين.
داخل المكاتب البرلمانية، يحق لكل برلماني، وأحياناً كل عدة برلمانيين سوية، توظيف عدد معين من الموظفين العلميين والمساعدين العلميين و الإداريين. هذا ما يضمن احترافية العمل البرلماني واستناده بطريقة مباشرة على نقاشات علمية متطورة.
ليس من الضروري أن يكون البرلماني الجالس في لجنة الصحة طبيباً، ولو أن الكثيرين منهم كذلك، ولكن الدعم العلمي والإداري في مكتبه يضمن أن يكون البرلماني ليس فقط ممثلاً لأصوات ناخبيه، بل إنه مدعوم بآخر التطورات في المجال البحثي والدبلوماسي.
للموظفين العلميين في البرلمان الحق بالولوج لقاعدة بيانات؛ جزء منها مفتوح للعامة وجزء منها فقط للعاملين بالبرلمان. قاعدة البيانات هذه هي حجر الأساس لصناعة النقاش المتداول في البرلمان، والذي يضمن أن تكون القرارات منتخبة ديمقراطياً وذات أساس علمي.
أثناء مشاركة كاتب هذا المقال بالبرنامج المذكور أعلاه، كان أحد النقاشات المتداولة في لجنة التعاون الاقتصادي هو الجمعيات المدنية التي تنقذ اللاجئين في البحر المتوسط.
لقي مشروع القرار المقترح من حزب اليسار Die Linke معارضة قوية من حزب البديل لألمانيا والمسيحي الديمقراطي. وحدة صف أقصى اليمين والمعتدلين بهذه القضية تنعكس بنتائج تصويت البرلمان الأوروبي على القضية ذاتها.
كمثال آخر كانت قضية “المنطقة الآمنة” التي تسعى تركيا لإقامتها في شمال سوريا جزءاً من النقاش المتداول في منتصف شهر سبتمبر بين الأحزاب الألمانية. لم تطرح القضية للتصويت و اجتمع رأي الأحزاب الألمانية على معارضة التدخل العسكري في شمال سوريا.
الانخراط في المجال العام في ألمانيا أو سوريا بحاجة لمعرفة دقيقة عن الأساليب المتداولة عالمياً في العمل السياسي والدبلوماسي. يقدم هذا البرنامج جزءاً يسيراً من هذه المعرفة، ويبقى الأمر عائداً للمشاركين لتطوير ذواتهم بأنفسهم لخدمة القضايا السياسية التي يرونها محقة.
مواد أخرى للكاتب:
ملف العدد 45: الدرس التركي.. والحاجة لهوية سورية
الفردانية في مواجهة سياسات التأطير
الائتلاف الحاكم في ألمانيا، بداية النهاية وأسباب الزعزعة