كولونيا – خاص أبواب
في إطار الفعاليات التي يقيمها السوريون في مختلف أماكن تواجدهم حول العالم، إحياءً للذكرى الخامسة لانطلاقة الثورة السورية، دعت مجموعة “سوريون من أجل الحرية” في جمهورية ألمانيا الاتحادية إلى ندوة حوارية بعنوان “الثورة السورية نجاحاتها وإخفاقاتها“.
جرت الندوة يوم الأحد 20 آذار/ مارس 2016، في مركز الإطفاء القديم بمدينة كولونيا، حيث شارك فيها كل من الكاتب والمعارض السوري، عضو “المجلس الوطني السوري” و”إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي” السيد جبر الشوفي، والكاتبة المعارضة والناشطة في المجال الإغاثي وقضايا المرأة، وعضو مجلس إدارة “مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية” السيدة خولة دنيا، كما أدار الندوة جودت أبو اسكندر، وحضرها عدد كبير من السوريات والسوريين المقيمين في ألمانيا، إضافة إلى عدد من الأصدقاء الألمان المهتمين بالشؤون السورية.
بدأت الندوة أعمالها بالوقوف دقيقة صمت إجلالاً لأرواح شهداء سوريا. تلا ذلك عرض فيلم وثائقي قصير، يعرض أبرز محطات الثورة السورية ومجرياتها، والأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعاني منها السوريون.
بعد الفيلم، تحدّث السيد جبر الشوفي عن التحدي الكبير الذي يواجهه السوريون اليوم للتوصّل إلى وقف الحرب والانتقال إلى الحل السياسي، في سياق تعقيدات الوضع الدولي والإقليمي، مشيرًا إلى الهدنة الأخيرة وعودة المظاهرات السلمية، والجهود الدبلوماسية التي تبذلها القوى الكبرى للوصول إلى عملية تفاوضية تفضي إلى تسوية سياسية في سوريا. كما أكّد في مداخلته أنه إلى جانب إسقاط النظام يجب العمل على تحطيم “طواغيت وأوثان الثورة”، في إشارة إلى القوى الظلامية “والمستبدّين بجلباب إسلامي في المناطق المحررة”، وخطورة “الثورة المضادّة” وفق تعبيره. ونوّه الشوفي إلى أهمّية ما أنجزته الثورة السورية على صعيد تحرر الفرد، محذرًا في الوقت نفسه من مخاطر الفوضى والعودة إلى “مجتمع ما قبل الدولة” نظرًا لما ينطوي عليه ذلك من أخطار.
وتوقّف الشوفي عند موضوع “الفيدرالية”، التي أعلنتها من جانب واحد “الإدارة الذاتية” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بزعامة صالح مسلم في المناطق التي تسيطر عليها شمال سوريا، حيث وصف ذلك بأنه “خطوة مشبوهة” تتعارض مع المشروع الوطني السوري، وأن أي صيغة أو شكل لنظام الحكم القادم في سوريا هو رهن بإرادة السوريين جميعًا، سواء كان حكمًا لامركزيًا أو فيدراليًا أو غير ذلك، ولا يجوز لأي طرف أن يفرض رؤيته على السوريين، مع تأكيده على ضمان الحقوق القومية المشروعة لمختلف الجماعات القومية في البلاد ضمن إطار وحدة سوريا أرضًا وشعبًا.
وعلى الرغم من أنّه عضو في تشكيلات المعارضة السورية وهيئاتها، وجه السيد جبر انتقادات شديدة للمعارضة وأدائها على مدى سنوات الثورة الماضية، واصفًا سلوكها بـ”التخبط والعشوائية”، ومنتقدًا حالة “استلاب القرار” المعارض وتبعيته لبعض الدول الداعمة، ومؤكّدًا على محاسبة النخبة السياسية خصوصًا تلك “التي تمثل الثورة وتتحدث باسمها”.
أما السيدة خولة دنيا فقد ركّزت في مداخلتها على دور المرأة في الثورة السورية، مؤكّدةً على المخاطر التي تواجه النساء في ظل التدهور الكبير في أوضاعهن حاليًا، لا سيما في مناطق سيطرة المجموعات الإسلامية المتشددة، نتيجة تصاعد الانتهاكات التي تمارسها تلك الجماعات بحق النساء، وبشكل خاص في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث بلغ الأمر مستويات خطيرة من الاستغلال تتعرض له النساء وصل إلى درجة بيعهن. كما أشارت إلى ممارسات سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بحق النساء في مناطقه وما تقوم به من فرض التجنيد الإجباري عليهنّ في بعض الحالات، وإرغامهن على حمل السلاح والمشاركة في القتال.
وعرضت دنيا التضحيات الكبرى التي قدّمتها النساء السوريات خلال مشاركتهنّ الفعّالة في الثورة منذ انطلاقتها، مشيرة إلى أن عدد النساء اللواتي قضين خلال سنوات الثورة قد تجاوز العشرين ألف امرأة، إضافة إلى وجود أكثر من ثمانية آلاف معتقلة، الأغلبية الساحقة منهن معتقلات لدى النظام، والبقية لدى بعض التنظيمات المتطرّفة. كما أكّدت دنيا أنّ التمثيل السياسي للنساء في هيئات المعارضة السورية وتشكيلاتها المختلفة لا يتناسب إطلاقًا مع أدوارهنّ في مختلف المجالات والتضحيات الكبيرة التي قدّمنها في الثورة.
وانتقدت السيدة خولة، في مداخلتها، مقولة “الثورة أنثى” وما يطلقه البعض من صفات أنثوية على الثورة، لما في ذلك من مماهاة بين رمزية الأنثى وارتباطها بمنظومة “الشرف” في الثقافة السائدة، وبالتالي “عدم المسّ” بها أو تناولها بالنقد، وهو ما يضفي على الثورة “أبعادًا طوباوية مستحيلة وغير واقعية”، معتبرةً أن قضيّة المرأة جزء من كلّ، والمهمة الأساس هي إعادة المواطنة للمرأة والتخلص من حالات تنميط الأدوار التي يجري تكريسها على الرغم من التغيير الهامّ الذي حققته الثورة في البداية على صعيد انخراط النساء في الشأن العام وكسر الصورة النمطية للمرأة.
بعد الانتهاء من مداخلتَي السيد جبر الشوفي والسيدة خولة دنيا، فُتح المجال للحضور للتعليق أو توجيه الأسئلة. وفي رد على سؤال “أبواب” له، حول المقصود بقوى “الثورة المضادة” وهل الجماعات الإسلامية المتشددة، المحسوبة على الثورة لأنها تقاتل النظام، جزء من هذه “الثورة المضادة”، وهل لدى المعارضة استراتيجية للتعامل معها، أجاب السيد جبر الشوفي بالقول، “منذ البداية مالأنا جبهة النصرة، وفي دمشق جيش الإسلام والمرحوم زهران علوش، حتى خرجت الناس ضده. واليوم جيش الإسلام أحد أركان هيئة المفاوضات لأن السعودية تريد ذلك، وأيضًا أحرار الشام لأن قطر وتركيا تريدان ذلك”، وأضاف الشوفي هذه الدول ليست معنية بالديمقراطية في سوريا، ومنذ بدايات العسكرة سعت جماعات معينة في تلك الدول إلى إعطاء صورة متطرفة عن الثورة، “وهذا ما سمعته شخصيًا من ثوار كثر”، مؤكّداً أن النصرة والجماعات المتطرفة جزء من الثورة المضادة.
من جهتها، أجابت السيدة خولة دنيا على سؤال “أبواب” لها، حول ما الذي يمكن عمله للنساء بعدما ازدادت أوضاعهنّ سوءًا وفي ظل التمثيل الضعيف لهن، فقالت: “وضع النساء سيء عمومًا، ومن أسوأ تجاربي كانت اللجنة الاستشارية النسائية بمفاوضات جنيف”، وأوضحت دنيا كيف اعتقدت أنه يمكن لهذه اللجنة القيام بدور إيجابي ومساعدة الوفد المفاوض في الملفات والمواضيع التفاوضية، وكيف جرى تجيير الحالة وتطويعها لخدمة مجموعة معينة من النساء. “ليس فقط الرجال، كذلك هناك نساء يصعدن على أكتاف النساء” تقول خولة.