مروان محمد.
يلاحظ المراقب الذي يتابع المشهد الأوروبي عموما، والألماني خصوصا فيما يتعلق بأزمة اللجوء واللاجئين، وتنامي مشاعر كراهية ضدهم، والعداء للأجانب بشكل عام، وللمسلمين منهم بشكل خاص، أن هناك خطرًا ما يلوح في الأفق، يهدد الاستقرار والأمن لهذه الدول، ويؤثر على الحريات العامة والخاصة على السواء. هذا الوضع في رأيي، سيؤثر سلبًا على النظام الديمقراطي العريق في العمق مع مرور الوقت، إن لم تُتخذ الإجراءات القانونية الرادعة فعليا، إلى جانب التوعية النظرية السياسية، لموجة الكراهية هذه والتخويف من الآخر “الغريب” المنشرة حاليا في عموم الدول الغربية، وليس في ألمانيا فحسب.
إن الدعوة إلى التقوقع داخل الحدود الوطنية ورفض الآخر والتخويف منه، هي شعارات بالية عفا عليها الزمن وتخالف تطور العالم حيث أصبح العالم أكثر ترابطا من أي وقت مضى. ولو عمل القادة السياسيون بهذه الشعارات الضيقة لما قام الاتحاد الأوروبي ثمرة الرؤية العميقة لأهمية التعاون والتكامل لدول القارة العريقة لمواجهة تحديات العولمة، وتنافس الكتل الاقتصادية المتعاظمة -دون اغفال الملاحظات الجوهرية على الاتحاد القائم الآن بكل حيثياته- ولما كان له هذا الوزن الذي نشهده على الساحة الدولية -مع إمكانية أن يكون أفضل وأكثر تأثيرًا- فهو حاضر في مجمل القضايا العالمية ذات الشأن، ولما قامت الوحدة الألمانية أصلا. حيث تُعتبر مناطق شرق ألمانيا أسوأ تركة للحقبة السوفييتية القميئة، بعد أن اعتصرها “الاتحاد السوفياتي”، وتركها لتشكل عبئا ثقيلا على الاقتصاد الألماني برمته، ويتم تحمّلها الى الآن، دون أن نغفل مشاكل التفاوت والاندماج حتى يومنا.
الصمت عن الاعتداءات
لقد أعرب كثيرون من الحكومة الألمانية عن قلقهم إزاء السلم الاجتماعي في شرق ألمانيا بسبب تزايد كراهية الأجانب. كتبت صحيفة Neue Osnabrücker Zeitung مثلا: ” أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء السلم الاجتماعي في شرق ألمانيا بسبب تزايد كراهية الأجانب، مشيرة للعدد الكبير من الاعتداءات على الأجانب وأماكن إقامتهم وكذلك الاشتباكات العنيفة مثل التي حدثت في هايدناو وفرايتال” وتابعت: “المقلق في الاعتداءات بالمتفجرات في درسدن ليس في المقام الأول وجود أشخاص منفردين يعتبرون التدمير الأعمى هو الحل. إنها الأجواء السائدة التي تجعل الجناة يعتقدون أن فعلتهم مقبولة من قبل أجزاء من المجتمع، ويعتقدون أن كثيرًا من الناس تستحسن خفيةً هذه الفعلة وتصفق لها”.
دوّامة العنف
كما أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر طويلا دون رد فعل من قبل جماعات إسلامية متطرفة ستستفيد من مناخ العنف واستهداف المسلمين، كما لا نستبعد أن تعود بعض المجموعات اليسارية المتطرفة التي تؤمن بـ “العنف الثوري “. هذا يعني فتح الاحتمالات على دوامة عنف جماعي منفلت دون رادع قيمي أو أخلاقي -ينسحب هذا الخطر على أغلب الدول الأوروبية- وانقسام المجتمع بشكل حاد. فالتجربة الألمانية نفسها قبيل الحرب العالمية الثانية وخلالها ما زالت حاضرة في وجدان العالم بكل قساوتها وويلاتها على الشعب الألماني وعلى الشعوب الأخرى التي انخرطت في الحرب البغيضة.
القانون العادل هو الحل
بالتوازي مع مواجهة ظاهرة الإرهاب “بكل أشكاله”، يجب أن يطبق القانون العادل على كل مخالف بكل شفافية ودون تمييز، على كل من يعيش في ألمانيا. كما أن إزالة العقبات البيروقراطية أمام تعلم اللغة والعمل في قضية اللاجئين، يسهّل من عملية التكيف مع الواقع الجديد كليا، والتلاقي العقلاني بين طرفي المعادلة لاجئين وألمان بشكل طبيعي وهادئ. هكذا يتحقق الهدف المزدوج للسياسة الوطنية بالنسبة للأحزاب الحاكمة إن أرادت أن تنجح في استعادة ثقة الناخب الألماني من جديد. المزايدات الحزبية والانتخابية ستكون ضارة للغاية، لكنها جزء من النظام الديمقراطي.
إن تجربة الدكتاتور هتلر وصعود النازية البغيض، وما جرّته على ألمانيا والشعب الألماني، وعلى العالم من ويلات، يجب أن تكون حاضرة، وتجنب تكرارها ومواجهة الداعين لإحيائها يجب أن يكون محرك السياسة.
أين هي المشكلة؟
لكي تكون الخطوات الرادعة لكل المتطرفين ناجعة ومقبولة جماهيريا، يتوجب دراسة أسباب انتشار “الثقافة” اليمينية الشعبوية بين الناس. ما هي القضايا التي تشغل بال الناس المتأثرين بهذه الموجة؟ مخاوفهم وتطلعاتهم نحو مستقبلهم؟ هل يعاني هؤلاء الناس أزمة هوية وطنية؟! وإن كان الجواب نعم، فلماذا؟ إلخ
إذا كان معدل البطالة في تراجع، ومعدل السعادة قد ارتفع لدى الألمان، إذن أين تكمن المشكلة؟.
طرحت السيدة ميركل هذا السؤال:
“ما شكل البلد الذي نريده اليوم في القرن الـ 21؟” وأعتقد أن علينا جميعًا التفكير بالإجابة عليه.