خاص أبواب – برلين
يعتبر مهرجان برلين الدولي السينمائي المعروف بـ “برليناله” واحدًا من أهم وأشهر مهرجانات السينما في أوروبا. عرض المهرجان منذ العام 1951 الأفلام الطويلة، القصيرة، الروائية والوثائقية لجمهور يزداد بشكل مضطرد في برلين، تشرف عليه لجان من المحترفين الفنيين الدوليين ومنتجي الأفلام، وهو منبر مهم جدًا للمخرجين الشباب والموزعين والمنتجين.
هذه السنة، عرض مهرجان برلين السينمائي هذا العام 399 فيلمًا مختلفًا في 14 تصنيف، وهنا اخترنا خمسة أفلام عربيّة تسلط الضوء على الوضع الاجتماعي والسياسي في تونس، سوريا، فلسطين، الجزائر ولبنان.
جسد غريب (رجاء عماري، تونس / فرنسا، 2016)
لم يحمل وطنها تونس مستقبلاً لها، لذلك قررت سامية (سارة حناشي) المخاطرة بالقيام برحلة عبر البحر المتوسط. كادت الشابة أن تغرق في البحر، ولكن بمجرد وصولها بسلام إلى الشواطئ الفرنسية قالت إنها ستسعى جاهدة لتنسى ماضيها المؤلم. صديقها عماد (سليم كشيوش) الذي وصل إلى فرنسا قبل بضعة أشهر، واستقر في وظيفته الجديدة كنادل، عرض عليها مكانًا للإقامة، كذلك مساعدتها في البحث عن عمل، وبسرعة بدأت بمواعدته، ثم بعدها انتقلت من بيته للعيش مع أرملة غنية (ليلى)، التي عرضت بدورها على سامية أن تعمل لديها في المنزل.
سامية التي تكافح في وضعها غير القانوني كمهاجرة غير شرعية، تتكثف مشاعرها تجاه ربة عملها ليلى (هيام عباس) التي تحاول حمايتها من السلطات الفرنسية، وكذلك من جماعة إسلامية متطرفة.
بصور هادئة بالأزرق والرمادي الفاتح، “جسد غريب” يلتقط ببراعة الضغط النفسي والقلق الذي يطغى على حياة المهاجر غير الشرعي إلى أوروبا، ولكن عوضًا عن التركيز على المشاكل القانونية والتفاعل مع السلطات الفرنسية، تعطي المخرجة رجاء عماري المساحة لفضاء العلاقات الشخصية بين الشخصيات الثلاث: سامية، ليلى، وعماد، العلاقات الشخصية المعقدة والمتوترة، التي يدخل فيها الشك والغيرة والعنف، وهذا ما يدفع سامية في النهاية إلى اتخاذ قرار مصيري، ليبقى السؤال: إلى أي درجة ستستطيع الانعتاق من ماضيها وبدء حياة جديدة؟
إنسيرياتيد (فيليب فان لوف، بلجيكا / فرنسا / لبنان، 2016)
يقوم بناء فيلم (إنسيرياتيد) على أحاديّة المكان التي تختصر العالم من حولها، المكان الذي يشكل بيتًا محاصرًا في إحدى المناطق السورية المشتعلة، إنسيرياتيد مشتقة من مصطلح إنكليزي لتعني بشكل ما “المحاصر داخل سوريا”، وظّفت بشكل جيد داخل الفيلم الذي تدور أحداثه في بيت أم يزن (هيام عباس) التي تستضيف جارتها التي تسكن في الطابق الخامس، والتي سيصاب زوجها بطلقة قنّاص في بداية الفيلم.
تدور القصص الجانبية بين الشخصيات على هامش الحدث العام، وهو انتظار الجارة لزوجها الذي تم قنصه، دون أن تعرف ما حدث له، ليخرجا من سوريا في اليوم التالي، عاملة المنزل ترى حادثة القنص، وتخبر (أم يزن) وتأمرها الأخيرة بالتكتم على الخبر، وعلى هامش الحدث العام ترى علاقة ابنة أم يزن المراهقة وعلاقتها السرية بصديقها، وخوف عاملة المنزل الأجنبية من الموت، وقرار أم يزن الصارم بعدم مغادرة منزلها، وتوغّل الأمن السوري بالعنف، واقتحامه للمنزل.
مشاهد الفيلم ثقيلة على المشاهد الأوروبي، تقصد مخرج العمل (فيليب فان لوف) ألّا تكون عن الصراع، بل عن الذاتي والشخصيّ، ورغم أنه لم يرد إقحام الفيلم في موقف سياسيّ، إلّا أن المشاهد تقول غير ذلك.
الفيلم الذي يصوّر توحّش البشر تحت الضغط، أنانيّتهم، خوفهم، هواجسهم، حب السيطرة لديهم، والمشاعر المختلطة، يبقي الباب مفتوحًا أمام خيار أم يزن، هل ستغادر بيتها غير الآمن؟
جدير بالذكر أن فيلم إنسيرياتيد، قد حصد جائزتين في مهرجان برلين السينمائي، واحدة منحها الجمهور والأخرى هي جائزة العلامة الأوروبية.
اصطياد أشباح (رائد أنضوني، فرنسا / سويسرا / فلسطين / قطر، 2016)
يبدأ فيلم اصطياد أشباح من حيث بدأت القصّة الحقيقية، مخرج يضع إعلانًا في صحيفة محلية يبحث عن معتقلين سابقين في سجن المسكوبية ليعيدوا بناء سجنهم وتمثيل حياتهم داخل السجون الإسرائيلية، يأتي السجناء السابقون ويقابلهم المخرج، من بينهم الممثل المسرحي (رمزي مقدسي) السجين السابق، والذي كان يريد أن يمثل دور سجّان، قبل أن يقرر المخرج أن يعطيه دور السجين.
يبدأ السجناء السابقون ببناء سجنهم، ويحفرون عميقًا في ذاكرتهم، يستحضرون مشاهد التعذيب والإذلال، والمعاملة اللاإنسانيّة التي تعرضوا لها، وتطفو على السطح مشاكل العمل بينهم، ثمّ العلاقة بين السجان والمسجون تتحوّل بشكل ما إلى شيء حقيقيّ لا تمثيل، خاصّة بين الفعل ورد الفعل، الأمر الذي لا ينجو منه المخرج، عندما يتم الانقلاب عليه من مساعده وبطل الفيلم ويتم تكبيله وتطميشه، كذلك انفعالات الذين يعيشون في ذواكرهم، والتي يمكن أن تعيد إليهم مشاعر الصدمات التي تعرضوا لها، الأمر الذي يضبطه المخرج بوجود معالج نفسي بشكل دائم مع المجموعة.
بالتأكيد، يذهب الفيلم فنيًّا إلى أماكن جديدة، يدخل فنّ الأنيميشن (الرسوم المتحرّكة) في الوثائقي، ولا يكتفي بالوثائقي التقليدي بالطبع، فيدخل معه السينمائيّة الخيالية، كذلك يبرز مقدرات تمثيليلة فريدة لدى الشخصية المركزية (رمزي).
جدير بالذكر أن الفيلم حصل على جائزة غلاسهوته للفيلم الوثائقي، كما حصل على جائزة أخرى من الجمهور.
تحقيق في الجنّة (مرزاق علواش، فرنسا / الجزائر، 2017)
أنهار من الخمر، حوريّات شقراوات أو من صاحبات البشرة الداكنة، في سن الثالثة والثلاثين، السن المثالية للمرأة بحسب شخصيات الفيلم، لا توجد نساء كبيرات في العمر أو عجائز في الجنة.
عندما بدأت نجمة (سليمة عبادة) الصحافية الشابة، تدرك أن مفهوم الجنة، من أكثر الوسائل على الانترنت استعمالاً في الدعاية للتطرف من قبل السلفيين في الشرق الأوسط، قررت أن تبدأ تحقيقها عن شكل الجنة، كيف تبدو الجنة في “الخيال الإسلامي” اليوم؟
مثقفون، وآخرون أقل تعليمًا، صغار وكبار، ذكور وإناث، فيلم “تحقيق في الجنة – مرزاق علواش يظهر فسيفساء العديد من صور الجنة المختلفة.
يواجه المُشاهد في هذا الفيلم مشاهدَ مضحكة، ومشاهدَ مزعجة إلى حد ما، في مشاهد الأبيض والأسود، تدمج نجمة الخيال مع الوثائقي، حيث تقابل شريكًا لتفهم لماذا توجد هذه الصورة المحددة للجنة، بالتزامن مع سرد واقعي أيضًا.
حصد هذا الفيلم جائزة لجنة الأديان المجتمعة في مهرجان برلين.
شعور أكبر من الحب (ماري جرمانوس سابا، لبنان 2017)
إنها السبعينات في لبنان، مزارعون وعمال في صناعة التبغ يحتجّون على ظروف العمل، أرادوا أن يبدؤوا ثورة اجتماعية.
بعد سنوات، يتناقش الناس لماذا لم تحدث هذه الثورة، في فيلمها (شعور أكبر من الحب) تحكي ماري جرمانوس سابا قصة هذه المظاهرات من أجل التغيير الاجتماعي
من خلال الجمع بين المشاهد الأصلية لهذه المظاهرات والواقع المعاش للعمال والفلاحين اللبنانيين، والمقابلات مع ناشطين سابقين، تتمكن المخرجة من عرض القصة من وجهات نظر مختلفة، أحيانًا تدعو للتفاؤل، أحيانًا للتشاؤم، وأحيانًا بطريقة مضحكة، وهذا ما يجعل الفيلم مثيرًا للاهتمام بنظرته التاريخية وانعكاساتها على تأثيرات الثورات.
حصل هذا الفيلم على جائزة لجنة التحكيم المستقلة في مهرجان برلين السينمائي.