(في إبريل المقبل سيختفي كالمعجزة) قال ترامب وهو يشير بيديه كأنه يحتوي شيئاً ما، شيء له زوايا وانحناءات! بدا مطمئناً وواثقاً وكأن لديه معلومات؟! تحدثت الصحافة الأميركية عند بداية تفشي الوباء في الصين، بأن المراقبين الأمريكيين (الجواسيس) أكدوا أن الوضع أسوأ بكثير من الأخبار التي يعلنها النظام الصيني، لذلك اتخذت إدارة ترامب قراراً مبكراً بمنع السفر من الصين إلى أمريكا، ضرب الفيروس الصين ثم إيران! عدوان لدودان لأمريكا.
سيطرت نظرية المؤامرة على تفكيري كما على تفكير ملايين العرب، المؤامرة الأميركية منذ وعينا هي تفسير كل شيء، لعل أحداً في العالم العربي لا يشك في أن اللقاح المضاد لفيروس كورونا محفوظ بالفعل في ثلاجات المخابرات الأمريكية الآن. على المستوى الشخصي أعجبتني فكرة أنني هذه المرة على الطرف الآخر من المؤامرة الأميركية استبدال دور الضحية بدور المجرم مرة ليس سيئاً. لكن المتعة لم تطل.
لم يتأثر الأمريكيون عندما شاهدوا الفيروس يجتاح الصين، ثم إيران، ما يحدث في البلاد ذات الأنظمة الديكتاتورية لا ينسحب عليهم. لكن عندما أغلقت اليابان المدارس بدأ القلق، بالنظر إلى الجدية التي تأخذ بها اليابان العملية التعليمية بدا الإجراء هائلاً. ثم اجتاح الفيروس كوريا الجنوبية، لكن كليهما، اليابان وكوريا جارتان للصين، نحن بعيدون، على كوكب أمريكا، هل هذا ما كان يدور بذهن الإدارة الأمريكية؟ لأنها بدت وكأنها تظن أن فرض حظر على السفر من الصين إلى أمريكا سيجعل الفيروس يقف حائراً أمام تلك القلعة المنيعة لا يعرف كيف يصل إليها.
هون ترامب من خطورة الفيروس، وصفه بالأنفلونزا، الأعضاء الجمهوريون بالكونجرس سخروا من الوباء، ومن حملة الخوف التي يقودها الأعداء السياسيون من الحزب الديمقراطي لبث الهلع وتقويض الثقة في الإدارة الحالية للبلاد. ثم ظهرت إيطاليا كجثة طافية على سطح الماء، إيطاليا ليست الصين ولا إيران، لا تقع في الشرق الذي لن يلتقي أبدا مع الغرب حسب عبارة أحد المنظرين القدامى، الانهيار السريع للوضع داخل إيطاليا، إغلاق ثم حظر تجول ثم وفيات يومية بالمئات تلك كانت الصفعة الأولى التي أفاق عليها الأمريكيون.
الصفعة الثانية كانت حقيقة عدم توفر اختبار الكورونا في المعامل والمستشفيات الأمريكية. لسبب ما رفضت أمريكا شراء اختبارات الكورونا التي أنتجتها ألمانيا وقررت إنتاج واحدٍ بنفسها، المحاولات الأولى فشلت فشلاً ذريعاً، وحتى الآن ماتزال اختبارات الكورونا المتوفرة محدودة جداً، وتلك المحدودية هي السبب في تدني معدلات انتشار المرض في أمريكا، اليوم توجد قائمة انتظار طويلة يتم الاختيار من بينها لإجراء تحليل الكورونا. بل إن أكثر من مئتين ممرضة معزولات في منازلهن حالياً بسبب ظهور أعراض الكورونا عليهن مع العجز عن إجراء التحليل اللازم لهن.
يوماً بعد يوم تتكشف حقيقة العجز في مواد أولية بسيطة كأقنعة الوجه الطبية والكفوف وقشات المسح التي تسحب بها العينة، لدرجة أن هيئة الحماية من الأوبئة في أمريكا وجهت الممرضات إلى إعادة استخدام الأقنعة عدة مرات بعد تعقيمها، وإلى استخدام أقنعة تحت المواصفات، بل وإلى استخدام الأوشحة للحماية حتى لا يتوقف العمل في هذا الوقت الحرج. نساء أمريكيات متطوعات يقمن بتفصيل أقنعة في منازلهن اليوم لسد العجز، وقسم من القطاع الخاص أخذ المبادرة بتغيير نشاطه، معمل بيرة تحول لإنتاج الكحول الطبي.
الرئيس ترامب أعلن أنه يعتبر نفسه رئيساً في زمن الحرب
مثل هذا الإعلان في الواقع يعطيه صلاحيات قانونية بإصدار أوامر مباشرة للمصانع بإنتاج ما تحتاج إليه البلاد، بالإضافة إلى إمكانية استخدام الاحتياطي الطبي المتوفر لدى الجيش. وبينما انتظرت الصحافة والكونجرس الخطوة التالية التي سيقوم بها الرئيس بعد هذا الإعلان الخطير، صرح المتحدث باسم الجيش الأمريكي بأنه لا توجد لديه تعليمات بهذا الخصوص! ليتضح أن الإعلان لم يكن أكثر من تعبير استخدمه ترامب لأسباب بلاغية.
سوق الأسهم هوت بكل الأرباح التي جنتها في أعوام ترامب الثلاثة الماضية، ملايين الأمريكيين التزموا بيوتهم، البعض يعمل من داخل البيت والبعض تم تسريحه من العمل، معدل البطالة الذي بشر به وزير الخزانة الأمريكي قد يصل إلى 20%. ترامب الذي وعد بأن الحرارة ستقضي على الفيروس في أبريل، يتحدث اليوم عن إمكانية استمرار تفشي المرض حتى أغسطس، بينما تسربت أخبار عن احتمال تواصل الأزمة لثمانية عشر شهراً!
لا يبدو أن أحداً في أمريكا يستطيع أن يميز اليوم بين اللحظة والأزل! أو يعرف من الذي سيحسم تلك الحرب المعلقة فوق رؤوس البشر ومتى. منظر الأرفف الفارغة في السوبر ماركت يثير الهلع، والآن طوابير البشر انتقلت من دكاكين البقالة إلى متاجر السلاح لتفرغها هي الأخرى!
الألمان ردوا على العرض الأمريكي بشراء حقوق اللقاح المضاد لفيروس كورونا الذي يعملون عليه بأن ألمانيا ليست للبيع، الصينيون يرسلون الأقنعة إلى إيطاليا لمساعدتها، ومنظمة الصحة العالمية توفر اختبارات الكورونا مجاناً للبلاد الفقيرة، في المقابل يحرم صلف الإدارة الأمريكية الحالية من جهة ونظرية المؤامرة الأميركية المعلقة فوق رؤوس الأمريكيين من جهة أخرى، الشعب الأمريكي من التعاطف والتعاون الذي تتمتع به بقية الشعوب ولم تأت المؤامرة بعد لتنقذهم.
حنان جاد. كاتبة مصرية مقيمة في أمريكا