حنان جاد. كاتبة مصرية مقيمة في أمريكا
رواية (نهاية أكتوبر) صدرت في بداية أبريل الماضي. تتحدث الرواية عن أكتوبر ما في المستقبل، حيث يظهر فيروس من فئة الأنفلونزا ينتقل بسرعة ويصيب ملايين البشر في العالم، يتسبب في إغلاق عام يتبعه انهيار اقتصادي. تنتمي الرواية لفئة الخيال العلمي لكنها تحولت بفضل الكورونا إلى رواية معاصرة وتصدرت المبيعات.
صدقت تنبؤات الكاتب الأولى عن حجم المفاجأة وسرعة الانتشار، وعجز وهشاشة المؤسسات الغربية بما فيها الأمريكية في مواجهة هذا النوع من الكوارث. يقول الكاتب إن الرواية ليست نبوءة ولكن صدورها في زمن الكورونا ليس مصادفة أيضاً. يقول إنه قام بمد المؤشرات الموجودة على استقامتها فوصل إلى ما وصلت إليه الرواية من استنتاجات. من قرأوا الرواية فور صدورها أصيبوا بإحباط لأنهم كانوا يعيشون ما يقرؤونه، واقع بدا أغرب من الخيال، شوارع نيويورك الفارغة تتمركز فيها قوات الحرس الوطني، ومستشفيات مزدحمة بالمرضى، وجثث تفوق قدرة استيعاب المشارح. بينما تبشر الرواية بمزيد من الألم والانفلات والانهيار بنهاية أكتوبر.
نجح المؤلف في التنبؤ بأحداث كثيرة لم تكن تخطر ببال أحد إلا أن حس الطرافة الذي تمتعت به الكورونا فاته، واقع الكورونا الذي تنقله نشرات الأخبار في أمريكا كتب ولايزال فصولاً في الدراما الإنسانية وفي الفانتازيا.
ففي نيويورك التي شهدت أعلى نسبة من الإصابات في العالم، وزعت هيئة الصحة والوقاية من الأمراض نشرة إرشادية تشجع المواطنين على ممارسة العادة السرية باعتبارها الممارسة الصحية الوحيدة في الوقت الحالي، تقول النشرة بعد أن تذكر كيف وجد الفيروس في كل الإفرازات الخاصة بالمصابين بما فيها الخراء: (أفضل شريك حميم لك هو أنت نفسك).
في ميتشجان خرجت مظاهرات احتجاج على إغلاق الأنشطة الاقتصادية، ورفع أحد المواطنين لافتة مكتوب عليها: (أريد أن أقص شعري).
أشهرت عدة محلات لبيع الملابس إفلاسها كأول بزنس يسحقه انتهاء عصر الاجتماع البشري! تالياً أتت أزمة صناعة أحمر الشفاه الذي طغت عليه الكمامة.
عادت ديزني لاند إلى العمل تلبي حاجة الأسر لبعض الفرح، لكنها منعت الصراخ الذي كان أحد التقاليد العريقة المصاحبة لكل مدن الملاهي. (أصرخ بقلبك) هكذا تقول إحدى العبارات الإرشادية في زمن الكورونا التي تلاحق أنظار الناس في كل مكان في ديزني لاند اليوم.
صوتٌ نصف بشري وكأنه قادم من رواية جورج أورويل 1984 يتردد في السوبرماركت آمراً الناس بالتباعد مسافة ستة أقدام، مختتماً بالعبارة الغامضة: (كلنا معاً). عزلةٌ مقيتة فرضتها طبيعة انتقال العدوى، تبلغ ذروتها عند الإصابة والاقتراب من حافة الموت، وفي النهاية، كما قال الشاعر أحمد مطر: (تمشي وحدك. تموت وحدك. تبعث وحدك). وفوق خيال مطر يضيف الواقع: وتقام جنازتك على زوم.
صراع واستقطاب بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في أمريكا وجد مرتعاً خصباً في انتشار الوباء ووصل إلى مستويات كوميدية ربما بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، كل شيءٍ تسيس، أحد أعضاء الكونغرس كتب على صفحته على تويتر: (الوطنيون يغسلون أيديهم ويرتدون الكمامات).
تقدم الرواية وصفاً لمختص الصحة العامة الذي سيقود عملية تتبع الفيروس، يتقاطع كثيراً مع أوصاف أنتوني فاوتشي الذي عينه ترامب على رأس لجنة مكافحة الفيروس، رجل ضئيل الحجم قوي الشخصية ويتمتع بخبرة علمية ونزاهة ستوقعه في المشاكل في عالم يجتاحه المرض والجنون، إلا أن مخيلة الكاتب لا تقترب من الكوميديا السوداء التي يعيشها ذلك الرجل السبعيني اليوم في الواقع، حيث يتلقى فاوتشي تهديدات بالقتل هو وجميع أفراد عائلته من قبل أنصار الرئيس ترامب، نتيجة نفيه المهذب جداً لصحة للمعلومات الطبية والعلمية التي ينشرها ترامب، وعلى الجانب الآخر يصنع الحزب المعارض من فاوتشي بطلاً ويضع اسمه مقابل اسم ترامب في استفتاءات على المصداقية والثقة يربحها، مما يزيد من نقمة ترامب ومؤيديه ويزيد من حجم الضغط عليه، ويجعله يبدو أكثر فأكثر شبيهاً بشخصية بطل مسرحية إبسن عدو الشعب.
في ذروة دراما الواقع في زمن الكورونا يبقى اقتراح ترامب بتأجيل موعد الانتخابات الرئاسية. لم يسبق أن أجلت الانتخابات الأمريكية، لا أثناء اندلاع الحرب الأهلية ولا أثناء الحرب العالمية، قرار تأجيل الانتخابات بيد الكونغرس الذي رفض الفكرة نهائياً لكن ترامب بدأ حملة تشكيك في نتائج الانتخابات المقبلة.
أمريكا لديها تاريخ عريق وراسخ في الانتقال السلمي للسلطة، محامي ترامب الذي شهد ضده في الكونغرس في العام الماضي كان أول من طرح في تلك الشهادة فكرة أن ترامب ربما يرفض الخروج من البيت الأبيض. أحد الصحفيين سأل ترامب بشكل مباشر في حوار إذا ما كان سيغادر بشكل سلمي في حال خسارته في الانتخابات وترامب أجاب بأنه سيؤجل الإجابة على السؤال لوقت الانتخابات. ثم كانت المفاجأة المربكة عندما أوقفت حملته الانتخابية هذا الأسبوع الصرف على الإعلانات بينما لم يبق على الانتخابات سوى نهاية أكتوبر!
اقرأ/ي أيضاً:
هذا الفيروس.. وانتظار المؤامرة الأميركية
قداس تأبين الحلم الأمريكي.. عن وثائقي الفيلسوف نعوم تشومسكي