إعداد ميساء سلامة وولف
في هذه الزاوية نعرّفُ القراء بشخصيات من المهاجرين الذين وصلوا إلى ألمانيا منذ سنواتٍ طويلة، وتمكنوا من إعادة بناء حياتهم ومستقبلهم بعيداً عن أشكال وحدود الانتماء التقليدي، وحققوا نجاحات في مجالاتٍ عديدة، فاحتضنتهم هذه البلاد وصارت لهم وطناً.
كان “فادي عبد النور” في العاشرة من عمره عندما اصطحبه والده إلى مكتب صديقه العامل في مجال تصميم الغرافيك. النماذج والتصميمات الغرافيكية وكل ما رآه هناك سحر ذلك الطفل، فكانت الشرارة الأولى التي قرر بعدها أن يدرس هذه المهنة عندما يكبر.
ولد “فادي عبد النور” في مدينة القدس، ودرس في مدارس رام الله، حيث أنهى دراسة الثانوية العامة آملاً باللحاق بأشقائه الكبار في ألمانيا ليحقق حلمه في دراسة الغرافيك. لكن المنع من السفر حال دون تحقيق حلمه، فبقي خياره الأوحد التوجه للدراسة في جامعة بيرزيت، حيث تخصّص في علم الآثار وبعض الدراسات حول تاريخ الفن. ولم يقتصر وجوده في الجامعة على الدراسة فقط، اذ كان ناشطاً سياسياً وعضواً في مجلس الطلبة فيها.
تغيرت الظروف العام 2002 وتمكن “فادي” أخيراً من السفر إلى عاصمة ألمانيا برلين، ليمضي أول أربع سنوات من حياة الشتات في التعرف على مجتمع جديد وثقافة مختلفة، وذلك من خلال عمله في مقهى الحمرا الذي أسسه شقيقاه اللذان سبقاه للدارسة في برلين.
تميز هذا المقهى من خلال موقعه، في حي برينسلاور بيرغ الشهير في شرق برلين، بما أضافه على المشهد الثقافي الشبابي العربي- الألماني. وقد تركت هذه التجربة بصماتها الواضحة على رؤيته للواقع المُعاش، الأمر الذي كان له أكبر الأثر على تطوير نظرته لهويته وقضيته، قضية الشعب العربي الفلسطيني الوطنية.
في العام 2006 التحق “فادي عبد النور” بكلية الفنون الجميلة في جامعةHalle Saale حيث حقق حلم الطفولة في دراسة تصميم الغرافيك، ليعود بعدها إلى برلين ويؤسس مكتبه الخاص بالغرافيك.
في العام 2008 اقترح عليه صديق العائلة الدكتور “عصام حداد” والمخرج المغربي “الحكيم الهشومي” العمل سوية لتنظيم مهرجان للأفلام العربية في برلين. وكان لهم ما أرادوا بعد أن بادروا إلى تنظيم عدة نشاطات ثقافية تحضيرية. تجمّع حولهم عدة نشطاء وفي مقدمتهم المنتجة “كلاوديا الجعبة”، وهكذا تم تأسيس مهرجان الفيلم العربي ببرلين في خريف العام 2009 ولاقى نجاحاً باهراً منذ الولادة وحتى اليوم.
لم يتوقف طموح “فادي” الثقافي فنظّم في نهاية العام المنصرم مع الصحفية الفلسطينية “رشا الحلوة”: (سوق الكتاب) الذي عرض كتباً من دور نشر عربية متنوعة، كما تضمّن السوق أيضاً أمسيات شعرية وقراءات للأطفال، فقام الكاتب والروائي الفلسطيني “سليم البيك” بتوقيع روايته “سيناريو”، وكان هذا السوق الخطوة الأولى لإشهار توجهه لتأسيس مكتبة عربية في برلين تضيف إلى المشهد الثقافي العربي صرحاً آخر.
“فادي عبد النور” يحضر الآن كالعادة لمهرجان الفيلم العربي في سنته العاشرة.
خاص أبواب
اقرأ/ي أيضاً:
بورتريه: مهاجرون في ألمانيا – الفنانة السورية علياء أبو خضور: قوة السحر في الاختزال
بورتريه: مهاجرون في ألمانيا – الدكتور عمار عرب