بطرس المعري. فنان وكاتب سوري مقيم في ألمانيا
ما أن تطأ أرجلنا أرض الغرب، حتى نبدأ بالبحث عن الميزات التي سمعنا والتي يمكننا أن نحصل عليها بحسب قانون بلد الإقامة. تبدأ حينها رحلة التنقيب عن السبل التي تتيح لنا أن نأخذ من الدولة المضيفة ما أمكننا من مساعدات، مالية بالدرجة الأولى. من سبقنا حتى قبل هذه السنوات الأخيرة إلى الغرب، من طلاب علم أو عمل، كان قد عَلِمَ مسبقاً أن هناك قوانين تلزم الدولة بتغطية بعض المصاريف أو جزء منها وهو بدوره أعلمنا بها. وهناك من صار فيها خبيراً، فلم يترك منفذاً يستطيع استغلاله لم يستغله، كـ “عديم وقع في سلة تين” كما يقول المثل الدارج… “هذا حقه” يقول هو.
ما يضحك في الأمر أن هذا الأخير، عندما تتغير صفة إقامته من وضع الطالب أو اللاجئ المحتاج إلى وضع عامل، ويصبح دخله عالياً بعض الشيء وبالتالي يبدأ بدفع الضرائب عن دخله هذا، يلتفت إلى الوافدين الجدد فينظر إليهم نظرة ازدراء. فهو يرى نفسه أنه يعمل ويكد لتأتي مصلحة الضرائب وتقتطع من مرتبه أو أرباحه لخزينتها وتدفع منها للمحتاجين أو “للمتسولين” كما يراهم، والذي كان هو واحداً منهم… فيا سبحان مغير الأحوال .
***
لم نعتد في بلادنا على دفع الضرائب كما يجب، اللهم إلا موظفي الدولة لأن مرتباتهم هي بيد الدولة وبالتالي تُقتطع منها الضريبة بشكل تلقائي، أما من يعمل في القطاع الخاص أو ما شابه، فضريبته تكون بحسب علاقاته مع موظفي الضرائب أو بقدر ما يستطيع أن “يلعب” في كشوفات حسابات البيع والشراء. وبالتالي تُحرم خزينة الدولة من أموال يمكن استثمارها، كما هو الحال هنا وكما يجب أن تكون، في الخدمات ولصالح المرافق العامة وصيانة البنية التحتية، أي بالتالي تعود فائدتها على سكان البلاد بشكل عام. والتهرب الضريبي موجود هنا أيضاً ولكن بنسبة ضئيلة جداً إذا ما قارنا الأمر بما يجري في بلادنا.
***
على سبيل التندر، ولا يخلو الأمر من صحة، وجدنا أن الدول الغربية تلهي شعبها بطريقة مغايرة عن الطرق البالية التي تعتمدها بلادنا. فأنت إذا ما افتتحت لك مصلحة بشكل حر، متجر صغير أو مطعم أو عملت حرفياً أو تقنياً لحسابك الشخصي، فإنك ستلتهي عن التفكير في كثير من الأمور وربما عن ذكر الله أيضاً.
فستشغل فكرك بالتهرب ما أمكن من دفع الضريبة، بشكل شرعي أو غير شرعي. يساعدك مستشارك على معرفة كيف تتصرف حتى تقلل من حجم ضريبتك، أو ينصحك صديق لك فيها خبير: “هدول بتنزلهن من الضريبة”. فتدخل في دوامة تجد أن وقتك يضيع فيها لتكسب درهمين هنا وثلاثة هناك، هم في الحقيقة يعادلون قيمة الوقت أو الجهد الإضافي الذي بذلته. عدا عن هذا هو صلة التأمين الصحي بالعائد المادي، كذلك بعض النشاطات المدفوعة، مما يزيد لديك الرغبة في البحث عن أشياء تخفض عليك مثل هذه الرسوم.
أوراق أوراق لسنا معتادين عليها ستصبح جزءاً من حياتنا، ترسم لنا سكة أيامنا إن لم تبرمج تفاصيل حياتنا اليومية ويوم إجازتنا وربما علاقتنا بأولادنا، وتجعل منا مواطنين “نظاميين” ومنظمين. لابد أن نكون كذلك، وإن كان للفوضى لذتها.
أحاديث سورية أُخرى:
زاوية حديث سوري: المثليّـون و أزنافور وأنا…
زاوية حديث سوري: ألماني لأبوين سوريين؟!
زاوية حديث سوري: قاتل مواهب الشعوب