رشا الخضراء*
تشير أصابع الاتهام غالباً إلى المرأة كمسببٍ أساسي لحالات الطلاق التي حدثت وتحدث في المهجر وفي بلاد الشتات، وللتحقق من آراء السوريين في هذا الموضوع قمت بعمل استطلاعٍ ميداني في شوارع برلين وجاءت الآراء متنوعة.
وسأحصر هنا أهم الأسباب التي وردت في الاستطلاع:
- الطمع المادي كان له موقع الصدارة؛ حيث تصبح المساعدات التي يأخذها الطرفان من مكتب العمل أكثر إذا كانا منفصلين، وغالباً ما يتم الطلاق بالاتفاق بين الزوجين في هذه الحالة!
- الاستقلال الاقتصادي عامل مهم يدفع المرأة لرفض الخضوع لرابط الزواج من شخص لا تريد البقاء معه ولكنه يحكمها مادياً، وباختفاء الضغوط الاقتصادية في دول الشتات تتجرأ المرأة على ممارسة حقها في طلب الطلاق. وبالتالي فإن من تبقى متزوجةً هي من ترغب فعلاً في البقاء مع شريكها إذ يجمعهما التفاهم والحب.
- أسباب تراكمية يعود أساسها إلى البلد لأم، فقد أجابت معظم النساء بأن العلاقة لو كانت سوية وسليمة في الوطن لما طلبت المرأة الإنفصال، وأن ما كان يمنع المرأة المعنَّفة من طلب الطلاق في سوريا هو ضغط المجتمع الذكوري وسلبية الأحكام القضائية وخصوصا في أمور الحضانة.
- قلق بعض الأزواج من أن المرأة ستتعرف على “حقوقها” في أوروبا وتخرج عن سطوتهم، مما يدفعهم إلى التضييق عليها والشك بتصرفاتها بشكل مبالغ فيه، وهذا جعل تعامل بعض الرجال مع زوجاتهم أسوأ وأكثر عنفاً بشكل لم يُعهد سابقاً.
- تفكك بعض العلاقات الزوجية نتيجة طول فترة لم الشمل، فالعديد من الشباب المتزوجين الذين سبقوا زوجاتهم تعودوا على نمط جديد من الحياة في أوروبا وعاشوا حياة العزوبية مرة أخرى لسنتين أو ثلاثة، وكذلك الأمر بالنسبة للزوجات، فقد اعتادت الزوجة أيضاً على الاستقلالية وحدها في بلدها الأم، وبالتالي ومع لمّ الشمل يلتقيان كالغريبين. ومن جهةٍ أخرى تبدأ صدمة الزوجة بالبلد الجديد، في حين أن زوجها يكون في طور التأقلم، مما يزيد الفجوة بينهما اتساعاً.
- اكتشاف بعض الأزواج بأن علاقاتهم الزوجية كانت قائمة على أسس غير صحيحة (لاسيما في الزواج التقليدي أو زواج الأقارب)، وصار بمقدورهم في المهجر إيجاد الشريكة المناسبة.
- لابد من الإشارة إلى إحساس بعض النساء ممن لم يعشن مسبقاً حياة حقيقية وتجارب وعلاقات، بأن من حقهن التصرف كما يتصرف العديد من الشباب؛ ومحاولة استكشاف طبيعة حياة أخرى مما قد ينعكس سلباً على توازن عائلة مكونة مسبقاً.
- جدير بالذكر أن أعداد الذكور المهاجرين يفوق أعداد الإناث، وبالتالي كثرت الخيارات لدى الفتاة ولم تعد تخاف أن تظل بلا زوج بعد طلاقها.
- إضافةً إلى اختلاف طبيعة الحياة بين الدول العربية والغربية لاسيما فيما يخص الثقافة والدين إضافةً إلى تفاصيل الحياة اليومية من السكن إلى غيره، مما انعكس سلباً على الحياة العائلية والزوجية وزاد الخلافات.
ولا ننفي طبعاً أن هناك عدم نضج في بعض المجتمعات في سوريا، حيث يتم الزواج لأسباب سطحية كالوضع المادي والشكل الخارجي دون أن تكون هناك معرفة بشخصية الشريك مسبقاً، ولا حتى نضج في طبيعة التعامل مع الآخر، وما كانت أساساته هشة سينهار عند أول هزة.
ولنكون منصفين لابد من الاعتراف بأننا كمهاجرين جدد فارين من الحرب ومتضررين نفسياً على الأقل، قد انتقلنا إلى مجتمع جديد نبحث فيه عن هويةٍ لنا، ونعيش حالةً من اللاتوازن (رجالاً ونساءً)، فما بالك بقدرتنا على حل المشاكل التي تواجهنا كأزواج وكعائلات.
المفاجئ أنه بعد نشر فيديو الاستطلاع السابق على قناة “Rasha and Life” جاءت التعليقات بغالبيتها صادمة، تعود لتشير بأن السبب الأول والأخير هو أن المرأة فهمت الحرية خطأً وأرادت أن “تفلت”، دون أي إشارة لخطأ في منظومة المجتمع أو في آلية تفكير الرجل. مما يجعلنا نتساءل هل يمكن أن نصل لمرحلة من الوعي نشخص فيها أسباب مشاكلنا، دون إقحام الموروث الاجتماعي أو الديني الذي يبرئ الرجل من أي مسؤولية ويتيح له أن يكون الآمر الناهي، ويحمّل المرأة مهمة إطاعة الرجل مهما قال أو فعل والتضحية بنفسها للحفاظ على الأسرة دون اعتبار لإنسانيتها.
هل نبحث عن الحلول أم عن الشجرة التي نعلق عليها أخطاءنا، وهل يمكننا البدء من جديد؟ هل يمكن أن نعتبر المرأة يوماً إنساناً حراً كاملاً من حقه أن يتخذ قراره مثلها مثل الرجل وأن الحياة الزوجية يفترض أنها شراكة بين الزوجين تتخذ فيها القرارات كما يتم في مجلس إدارة أي شركة بحيث يتم تبادل الآراء ومناقشتها واتخاذ الأمثل للعائلة في كل حالة على حدة؟
هل نستطيع على الأقل أن نحلم بذلك؟ ونحن هنا لا ننفي أن هناك ايجابيات كثيرة ودفء في علاقاتنا ضمن مجتمعنا الأم ولكن هذا لا يبرر لنا دفن رأسنا في الرمل والتعامي عن مشاكلنا.
رشا الخضراء – إعلامية سورية مقيمة في ألمانيا
اقرأ أيضاً: