خولة دنيا
لطالما اعتقدت أن نسبة التحرش الجنسي بالنساء في مجتمعنا السوري تبلغ 100% ـ لذلك استغربت اليوم صباحاً عندما أبلغتني صديقتي أن هناك إجابات بالنفي على استبيان نقوم به لرصد هذه الظاهرة، بالتعاون بين شبكة المرأة السورية وراديو روزنة.
قالت لي صديقتي إنها أرسلت الاستبيان إلى العديد من الفتيات الجامعيات، حوالي إثنتا عشرة فتاة، وكان ردّهن بالنفي! حاولت أن استفهم إن كنّ فهمن السؤال جيداً، قلت لها اسألي كل واحدة منهن ألم تسمع في يوم من الأيام وهي في الشارع، أو في طريقها إلى المدرسة، (تلطيشة) أزعجتها؟ ألم يحدّق بها أحد بنظرات أربكتها؟ فكان الجواب: وهل هذا يعتبر تحرش؟!! للأسف نعم، ففي مجتمعنا السوري تعتقد الفتاة التي لم يتحرش بها أحد أن هناك نقصاً فيها، لدرجة أنه (حتى البرغش يتوقف عن العض!).
ونحن المتحرَّش بهن، امتهنّا الصمت وما زلنا. ففي نفس الاستبيان حاولنا التواصل مع نساء ليحكين حكايتهن مع التحرش على شاكلة حملة Me too (أنا أيضاً)، لكن لم نجد من تتحدث، ومن قبلت الحديث طلبت إخفاء صوتها ووجهها! لماذا؟ لأنها ما تزال تخشى المجتمع أكثر مما تخشى على نفسها وعلى النساء المحيطات حولها. فلا قانون يحميها، ولا جهة تتوجه إليها في حال حصول اعتداء عليها، ولأن هناك تغييب لثقافة وعي الذات وكيفية حماية الذات، ويجب على التحرّش أن يصل إلى مرحلة الاعتداء الجنسي بشكل من أشكاله حتى يعتبر تحرشاً، وكي يكون هناك آذان تسمع، ولكن مع ذلك لا تتعاطف مع المرأة!
هذا هو الفرق الأساسي والكبير بين “نحن” و”هم”: “نحن” أي السوريات والسوريين وجملة الموروث والقوانين التي تنظم حياتنا، و”هم” أي النساء والرجال الذين يعيشون في دول استطاعت إنجاز ما عليها لحماية مواطنيها من خلال سنّ القوانين، وإيجاد آليات دفاع وحماية وتأهيل لمن تتعرض/يتعرض لأي شكل من أشكال الإيذاء الجنسي.
لذلك من الجيد أيضاً أن نتناول موضوع التحرش الجنسي من ناحية التوعية به وارتباطه بحالات الصراع التي نعيشها، وخاصة بأوضاع النساء في دول اللجوء. نعلم جيداً أن الظروف فرضت عليهن أدواراً جديدة لاعالة أنفسهن وأطفالهن، يترافق هذا مع انهيار البنى المجتمعية التي كانت تحميهن، مما يجعلهن معرضات لمزيد من العنف والاعتداء الجنسي، بكل أشكاله. لدرجة أنه يشكّل ظاهرة تؤثر عل مجتمعات اللاجئين والنازحين، وبحاجة لبرامج مساعدة خاصة بها لتأمين الحماية لهن.
على الرغم من أنه لا توجد إحصاءات دقيقة تتناول حالات الاغتصاب والتحرش بالنساء في أوضاع اللجوء، وإنما أغلب التقارير تعتمد على دراسة حالات، لكن من الأكيد أنها ازدادت بشكل كبير في جميع دول اللجوء وتجمعات اللاجئين والنازحين، إن كان ضمن سوريا، أو في لبنان وتركيا والأردن، وكذلك في مراكز تجمّع اللاجئين في اليونان، وفي ألمانيا وغيرها من الدول التي تحتضن أعداد كبيرة من اللاجئين ما زال قسم كبير منهم في مراكز إيواء.
لبنان مثلاً وبعد فضيحة الاتجار بالنساء العام 2016، وأغلبن لاجئات سوريات، ذكرت تقارير إحصائية قضائية أن ثلث النساء يتعرضن لمحاولات اغتصاب، فيما أغلب النساء يتعرّضن للتحرش الجنسي بنوع من أنواعه (لفظي أو مادي).
في الأردن أيضاً اشتكت اللاجئات السوريات من تعرّضهن للتحرش الجنسي، واستغلال لاوضاعهن الاقتصادية السيئة. في مصر كذلك كانت الشكاوى المتعلقة بالتحرش والابتزاز والاستغلال الجنسي للاجئات شبيهة، كما الزواج المبكر الذي كان أحد أسبابه خوف العائلات على بناتهن من التحرش والاستغلال الجنسي.
أما في تركيا وحسب تقارير صادرة عن منظمات حقوق الإنسان، فثمة الكثير من الحالات التي ذُكرت لنساء تعرضن للاستغلال الجنسي والتحرش من قبل أصحاب العمل أو مالكي الشقق أو مقدمي المساعدات الإغاثية. ويجب أن لا ننسى أن أوضاع اللاجئات في كل تلك الدول ترافقت مع ظاهرة الزواج المبكر، أو الزواج مقابل المال، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، والخوف من التحرش، وعدم وجود حماية كافية!
أما الأوضاع خارج دول الجوار فليست أفضل حالاً، في اليونان، وحسب مفوضية شؤون اللاجئين، فإن 28% من اللاجئين تعرضوا للعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس في الجزر اليونانية. وفي مراكز اللجوء في ألمانيا تتكرّر الظاهرة في مراكز الإيواء المكتظة، كما يتم الحديث عن حالات الاغتصاب والتحرّش في مجتمعات اللاجئين.
حسب إحصائيات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان فمن الواضح أن هناك زيادة كبيرة في نسبة التحرّش مرتبطة بحالة اللجوء، وهو ما يتم تفسيره بأن مجتمعات اللاجئين مجتمعات هشة عموماً، والنساء والأطفال هم الأكثر ضعفاً فيها، وبالتالي الأكثر عرضة للتأثر باكتظاظ مراكز اللجوء وبالأوضاع الاقتصادية المتردية، والحاجة التي تساهم في زيادة الاستغلال الجنسي والتحرش.
السكوت عن هذه الحالات بسبب إما عدم المعرفة الكافية أو الحاجة الاقتصادية أو الخوف من التشهير والنبذ. ومما يساهم في زيادة هذه الحالات أيضاً عدم الالتزام بالمعايير العالمية في مراكز اللجوء والمخيمات مثل: وجود أقسام خاصة بالنساء والعوائل على حدة، وعدم وجود أبواب يمكن اغلاقها ليلاً، عدم وجود إنارة كافية، وابتعاد الحمامات عن الغرف أو الخيم، كما عدم وجود عدد كافٍ من الموظفين والقائمين على هذه الأماكن..
من جهة ثانية تنخفض هذه حالات التحرّش والاعتداء الجنسي عندما تخرج النساء من مراكز الإيواء، ويستقلين في بيوت خاصة بهن، ويصبحن أكثر معرفة بقوانين هذه البلدان ولمن يلجأن في حالة الاعتداء عليهن أو التحرش بهن.
في النهاية للوعي والتثقيف حول موضوع الاغتصاب والتحرش الجنسي وكيفية الحماية منه، وخاصة حماية النساء والأطفال، دور كبير في الحد من هذه الظاهرة. ومن هنا يأتي دور المنظمات الحقوقية والمعنية بالحماية وتمكين المرأة لتأخذ دورها.
خاص أبواب
اقرأ أيضاً للكاتبة:
التحرش: ثقافة مختلفة، أم جريمة لا يعاقب عليها القانون؟
أن تكون لاجئاً تسكن العالم الافتراضي
هي البلاد المؤلمة البعيدة
اقرأ أيضاً: