آدم الشامي. ناشط سوري مقيم في فرنسا
وإذا هني كبروا.. نحنا بقينا صغار، وسألونا وين كنتوا وليش ما كبرتوا إنتوا؟ منقلن نسينا..
سأترك للرحابنة النسيان، أما أنا فلم أنسَ شيئاً. على العكس كل يوم أتذكر وأكبر، أتذكر أكثر فأشيخ أكثر، وما أن تطفئ أمي أضواء المنزل معلنةً ساعة النوم، أكون قد أنهيت حفر قبري بعكازي واستعددت للدفن بصمت، لأبعث في صباح اليوم التالي من جديد.
هي عشرون عاماً مما تعدون، وأكثر من عشرة آلاف مما أشعر وأعيش، منذ ألف عام ويومي يبدأ بولادتي كطفل بعمر الخامسة عشر، محاطاً بألف محرم وألف.
لا تصرخ، لا تلعب، لا ترقص، لا تحتج، أطرب لفيروز، كن مطيعاً مهذباً، اقرأ لعباس العقاد، لا تنسَ شكر عمك، قل حاضر لأستاذك، ولا تحمي نفسك من عصا جدك إذا غضب، قبل صورة رئيس دولتك، استسلم لأبو ممدوح بائع الرمان في الحارة، وكان أن استسلمت وكان أن انكسرت وكان أن هرمت، عدت إلى المنزل ذاهلاً مضطرباً، لا أذن تسمعني، ولا لسان أملكه لأتكلم، فقط في استقبالي جدرانٌ تضيق وتخنقني، وإشارات استفهام تلتف حول عنقي وتقطع أنفاسي:
لماذا أنا؟ لمَ سكتُّ؟ لماذا خلقت؟ ولماذا مت؟
لتأتي الأجوبة على هيئة غضبٍ واحتجاجٍ يعصف بروحي: هذا أنت يا ابن الخمسة عشر خريفاً، ماذا بعد؟ ماذا تنتظر؟ هذه هي البداية صدقني! ستنسى أبا ممدوح يوماً ما، ولكن يستحيل أن تنسى ما حفره في داخلك، ستبكي كثيراً، ولن تضحك إلا نادراً، مجاملةً ربما ستكون ضحكتك، وحَسِرةً على الأكيد ستكون.
ستحب كثيراً وسيكبر غفرانك كلما كبرت الإساءة، ستتحايل على نفسك، ستسمي غفرانك صفاءً وطهارة، تجميلاً لما تشعر به من ضعف، أنت الذي لا تعرف سوى أن تكون ضعيفاً.
لم تجبني.. هل أنت راضٍ عن رضى أمك وجاراتها عن تهذيبك؟ هل ما زالت كلمات الشيخ أبو سعيد عن خُلقك وأخلاقك ترن في أذنك وتطربك؟
آه صحيح بالنسبة لطعام عمتك المر والمحروق هل مازلت تأكله مرغماً على الابتسامة بعد كل لقمة كي لا يؤذيها رفضك لما تطبخ؟ ماذا عن عصا جدك، أما زلت تحتفظ بها تخليداً لذكراه؟ هل ما زلت صامتاً؟
متى آخر مرة لم تبك فيها؟
لن أطيل عليك أكثر، سأنقش على جدران عقلك كلمة “لا”، كررها حتى تألفها، قبل أن يألفك التعب، يجب أن أتركك لتكمل حفر قبرك، وتموت بهدوء، وغداً لنا لقاء آخر.
اقرأ/ي أيضاً:
أنا وحاجبيّ.. والشاهق الموعود في الصحراء
استطلاع آراء اللاجئين.. المثلية الجنسية، التعامل مع كبار السن وقضايا أخرى
سيرة قضيب (2): صينية لحم اشتراكي