حنان جاد. صحفية مصرية مقيمة في أميركا
(أعطني تعبك، أعطني فقرك) تلك الكلمات منحوتة على القاعدة التي تقف عليها سيدة الحرية التي تحمل الشعلة وسط الماء في نيويورك، تشجع الحالمين والمضطهدين على المضي قدماً في الرحلة إلى أمريكا.
تمثال الحرية هدية من فرنسا، وصل إلى أمريكا بلا قاعدة فطلبت بلدية نيويورك من الشاعرة إيما لازاروس أن تكتب قصيدة لتباع في مزاد كجزء من عملية تمويل لشراء قاعدة للتمثال. كتبت إيما قصيدتها من وحي معاناة اليهود في روسيا في بداية القرن العشرين، وجعلت من كلماتها دعوة مفتوحة لهؤلاء المضطهدين لكي يلجأوا إلى أمريكا، وقد لجأ الكثيرون منهم بالفعل، أحد هؤلاء اللاجئين كان جد ستيف ميلر، حالياً منسق سياسة الهجرة في البيت الأبيض الذي يضيق الخناق على المتعبين والفقراء ويحاول أن يجعل من تقديم طلب لجوء داخل أمريكا مهمة مستحيلة.
آخر سياسات ميلر تقضي بحرمان كل مهاجر أو حاصل على لجوء داخل أمريكا ويتلقى أي نوع من الدعم الحكومي من الاحتفاظ ببطاقة الإقامة الخضراء. عم ستيف ميلر وجه رسالة مفتوحة لابن أخيه اتهمه فيها بالنفاق وبخيانة جده الذي وصل إلى أمريكا وفي جيبه ثمانية دولارات. مراسل السي إن إن سأل ميلر: ماذا تقترح أن نفعل بالكلمات المكتوبة على قاعدة تمثال الحرية إذن؟ هل نمحوها؟
لماذا تغلق أمريكا أبوابها في وجه المتعبين والفقراء؟ ميلر يقول إنه يحمي حقوق دافعي الضرائب، لكن الأمر يبدو من وجهة نظر كثيرين أبعد من المال وأقرب إلى العنصرية. لم يتمكن ترامب بعد من بناء السور الذي أراد بناءه على الحدود مع المكسيك ليمنع سكان أمريكا اللاتينية الذين لا يريدهم من القدوم، ولا يزال يحلم باستيراد مهاجرين لن يأتوا من النرويج، لكن ميلر حسب تعبير الصحافة الأمريكية يبني حالياً بنجاح سور غير مرئي عبر ترسانة قوانين ستجعل أمريكا أكثر بياضاً.
نص القانون الأمريكي على البياض كشرط للمواطنة مع بداية نشأة الولايات المتحدة، وكان البريطانيون والألمان وذوي الأصول الاسكندنافية فقط من يعتبرون بيضاً.
بعد سنوات عديدة سمحت أمريكا باعتبار الإيطاليين واليونان والإسبان والأيرلنديين والسويديين والفنلنديين بيضاً وبالتالي سمحت لهم بالهجرة إلى أمريكا، ثم منحت العرب وسكان شمال أفريقيا تصنيف أبيض في العام 1944 ربما لتتمكن من ضم المسيح رسمياً إلى العرق الأبيض بعد أن صورته بملامح أوروبية في كنائسها. الناشطون العرب ناضلوا مؤخراً لتغيير هذا التصنيف الذي تقرر أن يتغير في التعداد القادم 2020 إلى مينا والتي تشمل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وجود ترامب في الحكم أنعش حركة القوميين البيض في أمريكا، وأنعش الأحلام باستعادة التمييز العرقي وربما باستعادة أمريكا كوطن للبيض. 87% من جرائم الإرهاب ضد الملونين داخل أمريكا يرتكبها حالياً العنصريون البيض حسب بيانات الشرطة الفدرالية، الحكومة ماتزال تسميها جرائم كراهية فقط لأن مرتكبوها بيضاً. وجود ترامب أيضاً أخرج للعلن مخاوف كانت كامنة من تغيير ديموغرافي أصبح وشيكاً لا يعود البيض بمقتضاه أغلبية. ولا يتورع القوميون البيض في نقاشاتهم عن استخدام تعبير بحجم (التطهير العرقي) ليعبروا عن خوفهم على نقائهم الأبيض من اجتياح الأعراق الأخرى له، بعض العنصريين لا يعبرون فقط عن رغبتهم في استعادة قوانين التمييز أو الحد من الهجرة ( لجوء داخل أمريكا ) لكي يظلوا أكثرية مطلقة بل ينادون بوطن للعرق الأبيض.
لقد حافظت أمريكا قروناً على بياضها باجتراح قوانين صارمة وبربط القيم الدينية والخلقية والاجتماعية والشخصية بالعنصرية برباط وثيق، لكن ذلك تغير اليوم، الاختلاط حدث بالفعل وصنع بالتة ألوان جديدة لا تخطر على قلب بشر، تحتوي على تدرجات لونية وتنويعات لانهائية على الشكل والملامح والثقافة، الصفاء العرقي لا وجود له، أحد زعماء حركة القوميين البيض اضطر تحت إلحاح مقدمة برنامج تلفزيوني إلى أن يجري تحليلاً للحمض النووي على الهواء فاكتشف أنه يحمل نسبة صغيرة من جينات سوداء.. أقل من 2% من شقراوات أمريكا شقارهم حقيقي.
رؤية البياض الأنجلو ساكسوني مصفوفاً اليوم في أمريكا لم تعد ممكنة إلا في الأرياف المنعزلة والمقاطعات شبه المغلقة على طوائف دينية أو في خلفية خطابات ترامب الانتخابية.
مواد أخرى للكاتبة: