حين وافقت ندى على وضع محبس الخطوبة في إصبعها وهي في الخامسة عشرة، كان صدى قول والدتها “البنت الكويسة اللي تتخطب وتتجوز بدري”، ما زال يرن في أذنها.
ارتدت فستان الخطوبة وتزيّنت بالذهب تغمر قلبها السعادة لأنها “كويسة”، أي صالحة.
بدأ صدى صوت الأم يتلاشى وارتفع صوت الخوف بدلاً منه بعد أيام من الخطوبة، ولم تفلح محاولاتها في إقناع أهلها بالتراجع عن الخطوبة والسماح لها بالخروج للعب في الشارع مع قريناتها.
ندى (18 سنة الآن) تعود بذاكرتها إلى الوراء؛ تسترجع إقبالها على الحياة وكيف غدت مريضة بالاكتئاب تتردد على عيادة نفسية للعلاج “من كثر ما شلت الهم ونفسيتي تعبت من الجواز”.
تزوجت ندى “زواج سنّة” بعد أشهر من خطبتها؛ الأمر الذي يعني أن مأذوناً شرعياً يعقد القران، ولا يوثق إلّا بعد أن تبلغ العروس الثامنة عشرة، السّنّ القانونية للزواج.
وكانت الحال كذلك بالنسبة إلى إصدار شهادة ميلاد لرضيعتها، إذ انتظرت عاماً قبل توثيقها، إلى ما بعد تسجيل عقد قرانها.
بخوف شديد تحتضن ندى رضيعتها، وتقول: “لا يمكن أبداً أجوز بنتي بدري، وأقبل يحصلها اللي حصلي”.
وقعت ندى ضحية “زواج السنّة”، كآلاف من قريناتها، وهو نمط من الاقتران يستند إلى كلمة شرف من الطرفين بالقبول والإشهار.
يتشارك في خرق القوانين مأذونون مرخّصون وآخرون ينتحلون صفة “مأذون” من دون ترخيص رسمي. لقياس حجم المشكلة، طرقت مُعدّة التحقيق أبواب مأذونين، فوجدت أن منهم مَن يوافق على عقد قران “سنّة” مقابل رسوم باهظة.
يستغل رجال دين ثغرة في قانون الأحوال الشخصية تسمح بعقد قران فتيات دون السن القانونية، ثم توثيقه لدى بلوغها الثامنة عشرة.
يتوارى خلف هذا الباب أهالي قصّر وقاصرات، مستغلين ضعف رقابة وزارة العدل، في خرق لقانوني الطفل والأحوال الشخصية. واصطدمت محاولات برلمانية لتعديل قانون الأحوال الشخصية بحيث يتضمن عقوبات رادعة، بتيارات محافظة تطالب بتخفيض سن الزواج.
هل زواج السّنّة حلال؟
تتخذ السلطة الدينية موقفاً ضبابياً حيال هذا النمط، فيما يعارضه بعض رجال الدين.
ترى دار الإفتاء أنه صحيح إذا كان مكتمل الأركان بغض النظر عن سن العروس، وتؤكد وجوب توثيقه.
“دار الإفتاء بتقول عليه حلال”، إجابة تتردد في أوساط الفئات الشعبية، حيث يضعف الوعي المجتمعي.
طرحت مُعدّة التحقيق السؤال على دار الإفتاء المصرية، فجاء الرد: “إذا كان الزواج مستوفياً جميع أركانه وشروطه، فهو زواج صحيح وتترتب عليه تبعاته. ولكن، ينبغي تسجيل الزواج لدى الجهات الرسمية، وذلك التزاماً بقوانين البلاد، وعملاً لما فيه مصلحة المتعاقدَين، وحفظاً لحقوقهما”.
صدر قانون الطفل عام 1994، وعدّل في 2008 برفع سن الزواج من 16 إلى 18، بإضافة المادة (143) التي تنصّ على أنه: “لا يجوز توثيق عقد زواج مَن لم يبلغ الثماني عشرة سنة من الجنسين، ويعاقب كل من وثّق زواجاً مخالفاً أحكام هذه المادة”.
في المقابل، يقول الشيخ سيد زايد، العضو في لجنة الفتوى ورئيس مجمع الديري الإسلامي في بني سويف: “يؤسفني بل ويؤلمني أن يسمّى هذا القران زواج السنّة، فهو بعيد كل البعد من سنّة الرسول”.
ويضيف الشيخ زايد: “بعض من يدعّي العلم ينسبه إلى الرسول، لأنه عقد قرانه على السيدة عائشة في سن السادسة، ثم دخل عليها في سن التاسعة، ويزعم أنه زواج سنّة”. ويرد على هذا التفسير بالقول: “كانت تلك خاصّية للرسول، وللرسول خصائص لم تطرح لبقية أمته”.
خلل قانوني
يرى عبدالفتاح يحيى المحامي في مركز قضايا المرأة المصرية، أن قانون الأحوال الشخصية “فتح الباب للزواج العرفي أو السنّة أو القبلي، وأحكام الشريعة الإسلامية لم تشترط وجود وثيقة”.
ويؤكد يحيى أن زوجة “السنّة ليس لها أي حق باستثناء الطلاق؛ ليست لها نفقة، ولا مؤخر أو مسكن زوجية. وهي لا ترث الزوج إذا توفي قبل توثيق العقد، والابن غير مثبت على اسم الأب”.
ويضيف أنه في حالات عدة، “تدخل البنت في دوامة وتسجل ابنها باسم والدها، أخيها أو خالها، ويحدث اختلاط أنساب”. وطالب “بدراسة هذا الملف بتبعاته الاجتماعية والنفسية والقانونية من أجل إيجاد حل له”.
المادة منشورة بالاتفاق مع موقع رصيف22، للإطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.
اقرأ أيضاً: