تواصل تركيا هجومها ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا مع إصرار الرئيس رجب طيب إردوغان على أن العملية العسكرية لن تتوقف متجاهلاً تهديدات أميركية بفرض عقوبات شديدة على بلاده.
وبدأت تركيا هجومها، الذي دفع منذ الأربعاء نحو 100 ألف شخص للنزوح، وفق تقديرات الأمم المتحدة، بعد يومين من سحب واشنطن عشرات من جنودها من نقاط حدودية في شمال سوريا ما بدا وكأنه ضوء أخضر أميركي لتركيا.وبعدما طالته انتقادات لاذعة متهمة إياه بالتخلي عن الأكراد ومحذرة من عودة تنظيم الدولة الإسلامية، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تركيا بتدمير اقتصادها في حال تخطت حدودها.
كما كلّف دبلوماسيّين التوسّط في “وقف لإطلاق النار” بين حليفيه، الأكراد شركاؤه الأبرز في الحرب ضد الجهاديين وأنقرة شريكته في حلف شمال الأطلسي.
وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين الجمعة إن بلاده تستطيع “شل” الاقتصاد التركي “إذا اضطرت الى ذلك”.
وأوضح أن “ترامب يعتزم توقيع مرسوم لردع تركيا عن مواصلة هجومها العسكري”، مضيفاً “أنها عقوبات شديدة جداً. نأمل ألا نضطر للجوء اليها”.
إلا أن الرئيس التركي بدا مصمماً على قراره. وقال في خطاب في اسطنبول الجمعة “مهما يقول البعض، لن نوقف هذه الخطوة التي بدأناها”.
وأضاف “الآن تأتينا التهديدات من اليمين ومن الشمال، ويطلبون منا أن نوقف هذه” العملية، مشدداً “سنواصل هذه المعركة حتى يذهب جميع الإرهابيين جنوب مسافة الـ32 كلم بعيداً عن حدودنا وهو الحد الذي تحدث عنه (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب نفسه”.
وتهدف تركيا، التي تصنف وحدات حماية الشعب الكردية مجموعة “إرهابية”، من هجومها إلى إقامة منطقة عازلة تنقل إليها قسماً كبيراً من 3,6 ملايين سوري لديها.
وقال وزير الدفاع الاميركي مارك إسبر الجمعة إنه خلال اتصال هاتفي الخميس مع نظيره التركي خلوصي اكار، “شجع تركيا بقوة على وقف” الهجوم، محذراً من أنه “قد تكون له عواقب وخيمة” عليها. ودعا لـ”إيجاد سبيل مشترك لاحتواء الوضع”.
وبعد ساعات، قلل قائد هيئة الاركان الأميركية الجنرال مارك ميلاي من حجم الهجوم، معتبراً أن العملية “محدودة نسبياً”.
“أنفاق وتحصينات”
وسيطر الجيش التركي والفصائل على 11 قرية حدودية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقالت وزارة الدفاع التركية بدروها إن العملية “تجري كما هو مخطط لها”.
ومنذ الصباح، تدور اشتباكات مع محاولة قوات سوريا الديموقراطية منع القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، التي تشن هجمات على محاور عدّة في الشريط الحدودي، من التقدم.
وتتزامن المعارك، التي تتركز بين رأس العين (الحسكة) وتل أبيض (الرقة)، مع قصف مدفعي وجوي تركي، وفق المرصد، الذي أشار إلى أن قوات سوريا الديموقراطية تستخدم “أنفاقاً وتحصينات بنتها قرب الحدود لشن هجمات مضادة وعرقلة تقدم” خصومها.
وقال مصدر في تلك القوات من داخل بلدة رأس العين لفرانس برس عبر الهاتف “تحاول القوات التركية الهجوم من محاور عدّة لكسر خطوط دفاعنا لكن قواتنا تتصدى لها”.
والمنطقة الممتدة من رأس العين حتى تل أبيض على طول أكثر من مئة كيلومتر ذات غالبية عربية بخلاف المناطق الحدودية الأخرى ذات الغالبية الكردية.
وأحصى المرصد السوري مقتل سبعة مدنيين وتسعة عناصر من قوات سوريا الديموقراطية بالنيران التركية الجمعة لترتفع بذلك حصيلة القتلى منذ الأربعاء إلى 17 مدنياً و54 مقاتلاً في تلك قوات.
وفي الجهة المقابلة من الحدود، قتل عشرة مدنيين الجمعة في قذائف اتهمت السلطات المقاتلين الأكراد بشنها، لترتفع بذلك حصيلة القتلى المدنيين في تركيا إلى 17. كما أعلنت أنقرة مقتل أربعة من جنودها ضمن العملية العسكرية.
100 ألف نازح
ودفع الهجوم، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة الجمعة، “ما يقرب من 100 ألف شخص” إلى مغادرة منازلهم.
وقالت الأمم المتحدة “رغم أنه تمّ إيواء معظمهم في المجتمعات المضيفة، إلا أنّ أعداداً متزايدة منهم ما زالوا يتوافدون على مراكز الإيواء الجماعية (…) والمدارس” في محافظة الحسكة.
وجراء التصعيد، باتت بلدات حدودية بأكملها شبه خالية. وفي بلدة تل تمر في الحسكة، قال رياض أحمد (56 عاماً) لفرانس برس “نحن هنا بلا مأكل أو مشرب ولا فرش لدينا ننام عليها، خرجنا تحت وابل من القصف”.
وحذرت منظمات دولية من كارثة إنسانية جديدة في سوريا. واعتبرت منظمة أطباء بلا حدود الجمعة أن التصعيد “سيفاقم من الصدمات التي تكبّدها السوريون خلال أعوام من الحرب والعيش في ظروف محفوفة بالمخاطر”.
وأغلق مستشفى في تل أبيض، كانت تدعمه المنظمة، أبوابه بسبب مغادرة معظم أفراد الطاقم الطبي مع عائلاتهم.
وأخلت الإدارة الذاتية الكردية الجمعة مخيم المبروكة للنازحين، الواقع على بعد 12 كيلومتراً من الحدود وتبحث عن موقع بديل لمخيم عين عيسى، لحماية 20 ألف نازح في الموقعين من القصف التركي.
وانضمت روسيا الجمعة إلى قائمة الدول الغربية، والأوروبية خصوصاً، التي حذرت من أن يساهم الهجوم التركي في إعادة احياء تنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة رغم هزيمته الميدانية على يد قوات سوريا الديموقراطية.
وقالت قوات سوريا الديموقراطية الجمعة إن خمسة معتقلين من تنظيم الدولة الإسلامية فروا من أحد السجون التي تديرها بعد سقوط قذائف تركية في جواره في مدينة القامشلي.
كما أفاد مسؤولون أكراد عن إحباطهم أعمال شغب قامت بها نسوة من عائلات مقاتلي التنظيم في مخيم الهول.
وفي القامشلي أيضاً، قتل ستة أشخاص بينهم مدنيون، وفق حصيلة للمرصد، في تفجير آلية مفخخة تبناه تنظيم الدولة الإسلامية.
وكررت قوات سوريا الديموقراطية مؤخراً خشيتها من أن ينعكس انصرافها إلى قتال القوات التركية سلباً على جهودها في حفظ أمن مراكز الاعتقال والمخيمات، كما في ملاحقة الخلايا النائمة للتنظيم.
المصدر: (فرانس برس)
اقرأ/ي أيضاً:
الهجوم التركي على شمال سوريا: نزوح بالآلاف وسط تنديد دولي ودعم قطري
ترامب “يتخلى” عن الفصائل الكردية وينسحب من الشمال السوري