لم تعد عادة شراء السلع الباهظة الثمن فقط هي طريقة تعبير الأغنياء ذوي الثروات الفاحشة، والذين غالباً ما يكونوا قد سرقو ثرواتهم من الفقراء، عن كثرة ما يملكونه من مال، بل بدؤا باتخاذ منحاً آخر للتعبير عن ذلك. وخصوصاً بوجود شركات ومتملقين كُثر من حولهم مستعدين لتلبية أي شيء يطلبونه مهما كان غريباً مقابل مبالغ طائلة.
وتأتي شركة “بلوفيش”، والتي تتخذ من لوس أنجلس مقراُ لها، كمثال عن ذلك. فالشركة التي أسسها ستيف سيمز تنظم رحلات وحفلات ترفيهية مُعدّة لتبقى في ذاكرة أصحاب الثراء الفاحش دون غيرهم، غير آبهة بكلفتها الباهظة جداً، فأغلب من يكسبون المال بسهولة، يبذّرونه بسهولة أكبر. فقد نظم سيمز الكثير من الرحلات والحفلات الخاصة والاستثنائية، التي لا يحلم بها إلا فاحشي الثراء. فإحداها كانت مأدبة عشاء لستة أشخاص في معرض الفنون في فلورانسا الإيطالية، وعلى طاولة عشاء ملاصقة لقاعدة تمثال دافيد، تمثال مايكل أنجلو الشهير. ولم يكتفي هؤلاء بذلك، بل طُلب المغني الإيطالي المعروف أندريا بوتشيلي الذي يتقاضى أجراً عالياً لشهرته الكبيرة، ليغني خصيصاً للمدعوين الستة. بعض الأغنياء اختارو تجربة مختلفة، فقد غاصو عميقاً على متن الغواصة الروسية “مير” ليشاهدوا حطام السفينة “تايتانك” في قعر المحيط الأطلسي. لكن سيمنز اضطر لرفض بعض رغبات زبائنه، فقد رفض طلب أحدهم بمشاهدة تفجير رأس نووي على أرض الواقع، لكن يبدو أن ذلك كان بسبب تعقيدات تنفيذ الموضوع.
هكذا يمضي محبي الترف أوقاتهم، حيث لم يعد يكفيهم شراء الماركات والسيارات الفارهة للتباهي أمام أقرانهم أو أمام عامة الناس، بل يقومون بتجارب بازخة وموثّقة ليظهروا إلى أي حد قد يصلوا بصرف أموالهم. وتحقق التجارب المنظمة خصيصاً لتوافق تطلعات العميل نمواً متسارعاً في مجال السلع الفاخرة.
ووفق ما جاء في بحثٍ لمجموعة بوستون للاستشارات في عام 2016، بلغ إجمالي حجم الإنفاق العالمي على السلع الفاخرة 860 مليار يورو، وأُنفق منها 542 مليار يورو على تجارب الترف والرفاهية، ويزداد إقبال فاحشي الثراء على خوض هذه التجارب أكثر من إقبالهم على شراء السلع الشخصية الفاخرة. وحسب بعض المحللين، فإن ذلك ليس بسبب عزوف هؤلاء عن شراء تلك السلع الفاخرة، بل لأنهم لاحظوا أن حتى متوسطي الدخل بإمكانهم شراء تلك السلع، كثياب من ماركة فاخرة أو حقيبة نسائية غالية الثمن أو عطر من الأنواع الفاخرة، إن عملوا على توفير المال لذلك. فأصبح الأثرياء يميلون اليوم إلى استئجار السلع بدلا من شرائها، بداية من السيارات والمنازل وحتى المجوهرات. وبدأوا بالقيام بتلك الحفلات والرحلات ذات التجربة الواحدة، لأنها تميزهم بشكل واضح عن غيرهم. فرحلة السفاري المنظمة خصيصاً لتناسب طلب العميل في أدغال أفريقيا على سبيل المثال لا الحصر، لن يستطيع المستهلك متوسط الدخل بشكل عام أن يوفر نفقاتها. وفي إحدى المرات قامت إحدى الشركات التي يبلغ اشتراكها الشهري 11000 يورو، بإغلاق جسر ميناء سيدني أمام المارة ليطلب أحد الأعضاء يد صديقته للزواج. وصرح المتحدث باسم الشركة أنه:”يرجع الفضل في نجاحنا في تنظيم هذه الحفلات إلى شبكة معارفنا وعلاقاتنا الوطيدة مع الحكومات حول العالم”.وكأن مهمة تلك الحكومات أصبحت تسيير تحقيق نزوات فاحشي الثراء حول العالم. فالشطحات متاحة للجميع، إذا كان لديهم المال.
يذكر أن “ثمانية أثرياء حول العالم تعادل ثرواتهم نصف ما يملكه أفقر سكان العالم“