“اعتقلوني من الشارع؛ ركضت، لاحقوني، بدأت أحتمي بالمارة.. حين قالوا للناس ’نحن رجال أمن‘، هرب الجميع..”
“تعرفين أن الصباح أتى من قرقعة السياط وخبطها على الأبواب الحديدية.. من انسكاب المياه وصراخ السجانين وهم يشتمون كل شيء.. ومن خلال طلب المعتقلين للتحقيق.. هكذا فقط تدركين أنه صباح نهار جديد”
“بقيت في السجن 11 عاماً دون أيّة تهمة ودون محاكمة، كنت رهينة عن زوجي، لكن زوجي مات وهم كانوا يعرفون ذلك.. كَبر أولادي وأنا في السجن”
هذه اقتباسات من شهادات أدلى بها سوريات وسوريون تم اعتقالهن/م بسبب نشاط سياسي للشخص المعتقل أو أحد أفراد عائلته، وما ترافق مع الاعتقال من انتهاكاتٍ جسيمة من اللحظات الأولى، سواء بطرق الاعتقال التي تتضمن الاختطاف، والتغييب القسري وعدم إعطاء أي معلومات لعائلة المعتقل، والتغييب لسنوات طويلة في السجون دون أي محاكمة أو بمحاكم استثنائية تفتقد كل شروط العدالة والأخذ بالأدلة.
وردت الشهادات ضمن تقرير بحثي بعنوان “أصوات في مقاومة الصمت” أنجزته الباحثتان جمانة سيف و وجدان ناصيف للمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، بدعم من المبادرة النسوية الأورومتوسطية. وتم إطلاق التقرير في الثامن من شهر آذار بالتزامن مع فعالية أقامتها جمعية “نسوة” بمناسبة يوم المرأة.
يركز التقرير على العنف المرتكب ضد النساء السوريات المعتقلات في المراكز الأمنية منذ الثمانينيات وحتى عام 2017، بالاعتماد على شهادات ثلاث وعشرين امرأة وأربعة رجال، خاضوا محنة الاعتقال.
يستعرض التقرير في الجزء الأول طرق وأساليب الاعتقال ومدته، وكيفية تعامل الأجهزة الأمنية مع النساء واحتياجاتهن الخاصة. وفي الجزء الثاني يسلط الضوء على أشكال العنف الذي تعرضن له بدءاً بالتعذيب ثم العنف الجنسي، فالعنف النفسي والوصم. كما يتم التركيز في الجزء الثالث على إجاباتهن حول كيف تعاملت عائلاتهن معهن وكيف عاملهن الوسط الاجتماعي المحيط ويفرد مساحة لأصواتهن وهن يتلمسن بمرارة ما تركته التجربة من آثار نفسية وجسدية عليهن، بما في ذلك قدراتهن المتفاوتة على تجاوز ومقاومة ما حصل والاستمرار في النضال ضد كل أشكال الاستبداد والظلم، وبداية تحقيق العدالة، ومحاسبة مرتكبي الجرائم.
لطالما استخدمت الأجهزة الأمنية النساء كرهينات على نحو ممنهج منذ الثمانينيات، ومع بداية الثورة لم يكتف النظام باعتقال النساء كرهينات بل أيضاً استخدمهن كوسيلة انتقام من البيئة الحاضنة للثورة
فقام النظام باعتقال أعداد كبيرة منهن على الحواجز بسبب اسم مكان الإقامة أو اسم العائلة على الهوية للانتقام من المناطق والمدن المتمردة، أو من العائلات التي ثارت ضد النظام. وقد وثقت منظمات حقوقية قيام النظام السوري بإجبار معتقلات (بينهن فتيات لم يتجاوزن الثامنة عشرة من أعمارهن) على الظهور على شاشة التلفزيون والاعتراف بأنهن مارسن “جهاد النكاح” بطلب من ذويهن في صفوف الجيش الحر بهدف الانتقام والتشهير بهن.
لا يغفل التقرير أن آلاف النساء السوريات مازلن يقبعن في سجون النظام ومراكز اعتقاله ويعشن في ظروف لا إنسانية، بعضهن مجهولات المصير، عدا عن آلاف الناجيات ممن تُركن لمصيرهن في مواجهة رفض المجتمع وعنفه دون فرصة للتعافي، لذلك وإن كان هذا التقرير دعوة للناجيات من الاعتقال لإعلاء الصوت في مواجهة الصمت فهو قبل ذلك دعوة للضغط من أجل إطلاق سراح آلاف المعتقلات، ودعوة للمنظمات النسائية لتطوير مراكز وبرامج توفر الدعم النفسي للناجيات من الاعتقال آخذةً بعين الاعتبار الصدمة والرعب الذي واجهنه ويواجهنه وهو كذلك دعوة لكافة فئات المجتمع السوري لإعادة الاعتبار لهن والتضامن معهن ودعمهن في سبيل تحقيق مطالبهن بالعدالة ومحاسبة المجرمين وجبر الضرر.
يمكن قراءة التقرير كاملاً على الرابط التالي
اقرأ/ي أيضاً: