عدي معصراني. مدوّن وطالب ميديا في جامعة فورتسبورغ
مازال الجدل إزاء القرار الألماني بـ “رفع حظر الترحيل إلى سوريا” مستمراً في الأوساط السياسية والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني التي طالبت بتمديد حظر الترحيل. في حين انقسم الشارع السوري في ألمانيا ما بين مؤيد للقرار لاقتصاره على “المجرمين الخطرين”، ومعارض له لما فيه من انتهاكٍ لحقوق الإنسان من جهة ولكونه فخاً سياسياً سيعاني منه اللاجئون السوريون في ألمانيا مستقبلاً.
فهل تحديد “المجرمين الخطِرين” مجرد فخ؟
نجح هورست زيهوفر، وزير الداخلية الألماني بتحقيق مسعاه برفع حظر الترحيل إلى سوريا بعد اتفاق وزراء داخلية الولايات التي يحكمها حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي على ذلك، ومما يجدر ذكره أن وزير داخلية مقاطعة بايرن والمتحدث باسم وزراء داخلية الاتحاد المسيحي الديمقراطي، هواخيم هيرمان، كان قد صرح لبرنامج Tagesschau الإخباري الألماني عن استعداده للتعاون مع الأجهزة الأمنية والنظام في سوريا رغم كلّ الانتهاكات وجرائم الحرب المرتكبة من قبلهم، ما يعني أنه ثمة نية مبيتة وإصرار من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي على المضي قدمًا بخطته.
اقرأ/ي أيضاً: ألمانيا: رئيس مؤتمر وزراء الداخلية يحدد شروط ترحيل اللاجئين إلى سوريا
تم الاتفاق مبدئياً على دراسة ملف كل “مجرم خطير” على حدة، حسب ما صرّح به هيرمان لصحيفة فيلت الألمانية، ما جعل الأمر يبدو للكثيرين بريئاً ومحقاً ويهدف لحماية الأمن الألماني. ولكنه قال للصحيفة “هنالك العديد من مؤيدي النظام السوري الذين أتوا إلى ألمانيا وصرّحوا بأنهم قد هربوا من تنظيم الدولة الإسلامية. لا أعتقد أن هؤلاء إذا تم إرسالهم إلى مناطق النظام السوري، سيتعرضون للتهديد منه. أما المعارضين للنظام فيمكن إرسالهم إلى مناطق السيطرة التركية أو مناطق سيطرة القوات الكردية”.
خرجت هذه التصريحات لتضعنا أمام تساؤل خطير عما إذا كان هدف الحكومة الألمانية في المرحلة القادمة سيتوقف عند التركيز على إرسال “المجرمين الخطرين” إلى سوريا أم أنه سيستمر ليشمل أيضاً دراسة إمكانية ترحيل لاجئين آخرين إلى مناطق “مستقرة، لا حرب فيها”.
تظاهرات احتجاجية
نُظِّمَت تظاهرات في عدة مدن ألمانية بدعم من منظمات حقوقية مثل “فرايديز فور فيوتشر” و”زيبروكيه” و”تبنّى ثورة” بالإضافة إلى نشاطات حملة “سوريا ليست آمنة”، حيث ألقت الحملة كلمة من أمام مركز الاجتماع في مدينة فايمر، تتضمن رسالة واضحة فحواها “أن السوريين أنفسهم هم محور موضوع الترحيل وهم الخبراء فيه أيضاً. ترحيل أي شخص إلى سوريا هو انتهاك واضح لحقوق الإنسان”.
يرى الناشطون في حملة “سوريا ليست آمنة” أن ترحيل حتى مرتكبي الجرائم إلى سوريا هو انتهاك لحقوق الإنسان، “لأنهم سيواجهون الإذلال والتعذيب ربما حتى الموت في المعتقلات”، ولذلك تحديداً يجب أن يحصل حتى المجرمون على “الحق في محاكمة عادلة تحت حكم القانون، حيث يتواجد نظام قضائي يحكم استناداً لمبادئ حقوق الإنسان، وهذا الشيء غير موجود في سوريا”.
اقرأ/ي أيضاً: ضد رفع حظر الترحيل إلى سوريا حتى لو كان يطال فقط مرتكبي الجرائم وهذه هي الأسباب
متى ستبدأ عمليات الترحيل؟
يتساءل كثيرون الآن عن مصير اللاجئين السوريين في ألمانيا في المستقبل القريب، وإن كانت حقاً ستبدأ عمليات الترحيل إلى سوريا. في هذا الخصوص نشرت منظمة “تبنّى ثورة” مقالاً يتحدث عن التبعات القانونية للقرار، وضّحت فيه أن ما تم الاتفاق عليه حالياً يشمل ما يقارب الـ 100 شخص كانوا قد ارتكبوا جرائم خطيرة، أو صنّفوا من قبل الأجهزة الأمنية الألمانية على أنهم “خطيرين”.
يركّز المقال على أن ترحيل أي شخص إلى بلد يمارس فيه الاعتقال والتعذيب غير ممكن، وذلك لأن تنفيذ الترحيل بحق أي شخص يجب أن يسبقه موافقة من قبل المحكمة الألمانية، وفي ظلّ التقارير الكثيرة عن ظروف الاعتقال السيئة في سوريا يستبعد أن تتم الموافقة على ترحيل أي شخص إلى سوريا، خصوصاً من يسموا بـ”الإسلاميين”، لأن تعرضهم للتعذيب تحت حكم النظام السوري هو أمر حتميّ.
إضافة إلى ذلك، من المهم جداً أن تمتلك ألمانيا علاقات دبلوماسية رسمية مع النظام السوري لإتمام عمليات الترحيل. لكن العلاقات الألمانية مع النظام السوري مازالت مقطوعة، عدا عن فرضها عقوبات اقتصادية عليه، مما قد يجعل محاولات وزارة الداخلية الهادفة لترحيل البعض إلى سوريا مستحيلة.
وصمة عار
يبقى أمر إعادة العلاقات مع النظام السوري في يد وزارة الخارجية الألمانية، والتي أعلنت موقفها من الأمر في تقريرها الدوري عن الوضع في سوريا، مما قد يدفع إلى تجاذبات سياسية في الفترة المقبلة بين وزارة الداخلية التي يمثلها هورست زيهوفر من حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي، ووزارة الخارجية التي يمثلها هايكو ماس من الحزب الديموقراطي الاجتماعي.
ورغم أن القانون الألماني والدولي قد يحبطان جهود حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي في تطبيق الترحيل إلى سوريا، إلا أن قراراً كهذا سيبقى وصمة عارٍ في مسيرة الحزب. أما ما على السوريين فعله اليوم، فهو التضامن مع بعضهم، والاستفادة من النظم الديموقراطية في بلد كألمانيا، للاحتجاج والحشد والضغط على السياسيين وعلى الرأي العام.