نجاح سفر*
هل “القاهرة” فعلاً هي أكثر مدينة تتعرض فيها النساء للتحرش؟ أم أن الحديث الصريح عن هذه الظاهرة، والحملات الكثيرة التي أُطلقت ضدها، هي السبب في إظهارها كـ”أخطر” مدينة على النساء؟ كما ورد في دراسة للأمم المتحدة صدرت مؤخراً.
في العام الماضي، اجتاحت العالم حملة #metoo “أنا أيضاً” ضد التحرش الجنسي، وانتشرت كالنار في الهشيم، حيث تشجعت النساء في كافة أنحاء العالم على الخروج عن صمتهن، ومشاركة روايات واعترافات جرئية عن التحرش الجنسي. وكان للنساء في مصر حصة الأسد من هذه الحملة ضمن الدول العربية، رغم تأثيرها المحدود في هذا المجتمع المحافظ.
وصرحت “مزن حسن”، المديرة التنفيذية لمركز “نظرة” للدراسات النسوية، أن حملة “أنا أيضاً” كان لها صدى في مصر، وأن العديد من الفتيات حاولن الاستفادة من قوة الحملة عالمياً، فالبنات في مصر أصبحنَ أكثر جرأة من قبل من خلال اعترافاتهن عن تجاربهن مع التحرش.
تاريخ حملة “أنا أيضاً”
قد يظن البعض أن حملة “أنا أيضاً” حديثة، لكنها ظهرت لأول مرة منذ حوالي 10 سنوات، بعد تدشين امرأة تُدعى “تارانا بورك” موقعاً الكترونياً يحمل اسم “Me Too”، لتفتح المجال للنساء في جميع أنحاء العالم للتحدث عما يشعرن به بعد تعرضهن للتحرش.
وهكذا بدأ كسر الصمت عن انتهاكات جنسية قام بها أشخاص من المشاهير وغير المشاهير في أنحاء العالم، واستخدمت النساء مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عما تعرضن له من تحرش جنسي لفظي أو جسدي.
وظهرت الحركة من جديد في العام الماضي، عندما استخدمت الممثلة الأمريكية “إليسا ميلانو” هاشتاغ #metoo على موقع تويتر وطالبت الضحايا باستخدامه، بعد نشر صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقارير، تتهم المنتج الأمريكي الحاصل على جائزة أوسكار “هارفي واينشتين” بالتحرش بأكثر من 30 امرأة.
عوائق اجتماعية
لايزال “البوح” بالتعرض للتحرش الجنسي محظوراً اجتماعياً في مصر وغيرها من الدول العربية. ورغم ذلك فإن حملة “أنا أيضاً”، التي تشجع على البوح ليست الأولى من نوعها في مصر، فهناك حملات كانت أكثر تأثيراً ولاقت صدى أكبر.
ففي حزيران/يونيو السابق، أصدر المركز المصري لحقوق الانسان في القاهرة دراسة تقول: إن 83% من المصريات، و98% من الأجنبيات تعرضن للتحرش الجنسي في مصر، كما اعترف 62% من الرجال الذين تناولتهم الدراسة أنهم لجأوا إلى التحرش الجنسي، فيما ألقى 53% من الرجال اللوم على النساء بسبب “إثارتهن”.
وقد دفعت هذه الإحصاءات المرعبة عن التحرش، الكثير من المنظمات لإطلاق حملات إعلامية لزيادة الوعي حول التحرش والتحرك ضده. وفي عام 2017 أطلقت الحملة الالكترونية “#أول_مرة_تحرش_كان_عمري” على مواقع التواصل الاجتماعي، وسبقها الكثير من الحملات ضد التحرش الجنسي نستعرض أشهرها:
بصمة
مؤسسة نشأت عام 2012، ولا يقتصر نشاطها على مشكلة التحرش الجنسي فقط، بل تعمل على قضايا اجتماعية أخرى، تتطلب مشاركة جميع أفراد المجتمع لخلق حلول شاملة ومستدامة. منها العنف الجنسي، البطالة، الجهل والأمية، التوعية الحقوقية، أطفال الشوارع، وغيرها. وذلك من خلال تنفيذ ورش عمل توعوية عن المفاهيم والثقافة التي ترتبط بمشكلة التحرش الجنسي. فهم على سبيل المثال، ينظمون في فترات العيد دوريات لحماية الفتيات في الأماكن المزدحمة، كما أقاموا حملة في محطات المترو لمكافحة التحرش في مصر.
حملة “ضد التحرش”
حملة تطوعية بدأت في آب/ أغسطس 2012، لمكافحة التحرش بكل أنواعه؛ الفكري، الجسدي، الجنسي، الاجتماعي والديني، والتصدي لكل صور الاعتداء على الحرية والإنسانية، وكل أنواع الظلم والفساد والتمييز والعنصرية بكل أشكالها.
وتعمل هذه الحملة على ثلاثة محاور في مسألة التحرش الجنسي هي: إنهاء القبول المجتمعي للتحرش، العمل على إصدار قانون يردع ويعاقب المتحرش، ثم إعادة تأهيل المتحرش وتغيير مفاهيمه.
حملة “شُفت تحرش”
انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، وعملت على رصد وتوثيق ومكافحة جرائم التحرش الجنسي ضد النساء والفتيات، وتوفير الدعم القانوني والنفسي لكل من تتعرض للاعتداء أو العنف البدني في الأماكن العامة. وعمل في هذه الحملة شبان متطوعون من مختلف المهن والتخصصات والأعمار والمناطق الجغرافية.
حملة “مجتمعي أرقى… بدون تحرش”
أطلقت هذه الحملة وزارة الشباب والرياضة عام 2014، بهدف مناهضة التحرش الجنسي، من خلال وضعها عدداً من الإستراتيجيات لتنفيذها في 27 محافظة، بالتعاون مع عدد من منظمات ومبادرات المجتمع المدني المعنية بمناهضة التحرش الجنسي.
وقامت الوزارة بعدة أنشطة مثل “يلا فن”، التي تستخدم الفنون المختلفة، مثل ورش الغرافيتي والراب والغناء لتوعية الشباب بقضية التحرش الجنسي، و”الوين دو” للدفاع عن النفس للفتيات، وكذلك نشاط “اجمدي” ضد التحرش، الذي يستخدم الرقص الرياضي لتوعية النساء ضد التحرش الجنسي.
حملة “ملكش فيها”
بدأت هذه الحملة بتجميع أكبر عدد من قصص التحرش التي تعرضت لها فتيات مصريات، ثم قام بعض الشباب المتطوعين بقراءتها أمام كاميرا، لمشاهدة رد فعلهن، ويتم بعدها نشر تلك القصص على صفحة الحملة.
وهدفت الحملة من خلال أفلام قصيرة تروي قصص التحرش، إلى توعية الشباب ألا يقفوا مكتوفي الأيدي أمام حوادث التحرش، بل الدفاع عن الضحية، وعدم ترداد عبارة: “ملكش فيها”.
حملة “المصاصات”
لكن بالمقابل ظهرت حملات مشكوك بأمرها مثل حملة “حجبي نفسك”، التي تحث النساء على ارتداء النقاب لحماية أنفسهن من التحرش، حيث ظهرت رسالة الكترونية تداولتها مجتمعات التدوين وحقوق الانسان في مصر، أضافت صورة تظهر مصاصتين حمراوين؛ إحداهما مغلفة والثانية غير مغلفة يحوم حولها الذباب، مذيلة بعبارة: “مش حتقدري تمنعيهم، لكن تقدري تحمي نفسك”.
ولم يقتصر الأمر على هذه الحملة، بل ظهرت حملة أخرى شبيهة تحت عنوان “”حجاب يصون أو تنهش عيون”، من خلال رسالة تحمل صورتين لقطعتي حلوى: الأولى مغلفة تمثل امرأة محجبة تحافظ على “عفتها”، أما القطعة الأخرى، فهي مكشوفة، وخلفها امرأة غير محجبة شعرها يطير في الهواء، ومثل حملة “المصاصتين”، يحوم الذباب حول الحلوى غير المغطاة.
ولاقت مثل هذه الحملات ردود أفعال متفاوتة في المجتمع المصري، تفاوتت بين الغضب والسخرية في مجتمع المدونين المصريين، واعتبرت مثل هذه الحملات بمثابة الضغط على النساء لارتداء الحجاب. في الوقت الذي أظهرت كثير من الدراسات أن غالبية النساء اللواتي تعرضن للتحرش محجبات ويرتدين ملابس محتشمة.
وخير دليل على المحظورات الاجتماعية، ما صرح به المحامي المصري الشهير “نبيه الوحش”، في برنامج تلفزيوني أن مثل هذه الممارسات ضد المرأة تعتبر “واجباً وطنياً”، إذا كان ما ترتديه من ملابس يشجع على ذلك.
التحرش بسبب “الضجر”
وشكلت الأسباب التي تذرع بها الرجال المصريون لممارستهم التحرش الجنسي ضد النساء صدمة كبيرة، حيث قال بعضهم إنهم يفعلون ذلك بسبب “الضجر”. واعتبر رجل أن سبب تحرشه بامرأة تضع النقاب هو طريقة لبسها، فهو استفزاز جنسي، فالمرأة المنقبة حسب قوله، لا بد أن تكون “جميلة” أو “تخفي” شيئاً.
لذلك أطلقت مجلة الشباب المصري “كلمتنا” مؤخراً حملة ضد التحرش الجنسي وجهتها للرجال المصريين، في محاولة منها لإعادة الحس الأخلاقي إليهم، حيث ركزت فيها على المعتدين لا على الضحايا. الحملة كانت تحت شعار “احترم نفسك: لا يزال في مصر رجال حقيقيون”، حاولت فيها منع الرجال من التحرش جنسياً بالنساء، ومواجهة المعتدين عند رؤيتهم، خصوصاً أنه بات من الصعب محاسبة المعتدين أمام القانون، بسبب عدم اهتمام الشرطة ببلاغات التحرش على قلتها، بسبب المحظورات الاجتماعية، والضغط على صاحبة البلاغ للتنازل عن اتهامها، ومصالحة المعتدي.
كل ما سلف يطرح سؤالاً ملحاً حول نجاعة الحملات الإعلامية لوقف التحرش الجنسي، نظراً إلى لامبالاة الشرطة، وغياب النية في التحقيق في مثل هذه القضايا، مما يدفع القائمين على تلك الحملات للمطالبة بسن قانون يجرم التحرش الجنسي.
اقرأ أيضاً:
الرقابة المصرية انتهت من تشويه الحاضر وبدأت بتشويه كلاسيكيات الماضي
بالفيديو: التحرش في أماكن العبادة. نساء تعرضن للتحرش أثناء قيامهن بمناسك مقدسّة
تقرير: مئات حالات التحرش الجنسي في الجيش الألماني العام الماضي
النساء والتحرش الجنسي، بلدان ونسب
السجن ثلاث سنوات لمحامي مصري حرّض على اغتصاب الفتيات
الحكومة المصرية تمعن بقمع الصحافة وحرية الرأي وتغلق موقع قنطرة الإلكتروني